مصر.. حذف خانة الديانة

سيزداد الجدل عند طرح تعديل القانون الخاص بخانة الديانة بين المطالبين بتحويل الدستور إلى واقع حقيقي ومعاملة المواطنين على أساس حق المواطنة وليس الدين والمساواة بين جميع أبناء مصر، فالدين لله، والوطن للجميع.

بقلم: أحمد موسى

دائما يتكرر الجدل السياسي والقانوني والإعلامي، عندما تطرح مسألة إلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية، فقبل نحو 12 عاما طرح هذا الموضوع في المجلس القومي لحقوق الإنسان الذى ترأسه الدكتور بطرس غالي، وتوالت المناقشات واللقاءات سواء عبر الإعلام أو المراكز الحقوقية والمؤكد أن هناك انقسامات في تلك القضية، فمن يؤيدها يستند للدستور وتحديدا المادة «53» بعدم التمييز بين المواطنين وهو ما يتطلب تطبيق مواد الدستور لتحقيق المساواة بين الناس، واحترام مواد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذى اعتمدته الأمم المتحدة عام 1966 «لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية».

 بينما يرى المعارضون لإلغاء الديانة من بطاقة الهوية، أنها لا تسبب أي أضرار وهدفها التعريف وليس التمييز بين المواطنين، وبقاء الديانة أمر تنظيمي ولا يعنى التفرقة بل حتمية وجودها لما يترتب عليها من حقوق المواريث. وسبق لجهات عديدة في مصر إلغاء خانة الديانة من كل أوراقها الرسمية ومنها جامعة القاهرة ونقابة المهندسين، وعدة دول عربية منها تونس ولبنان والمغرب وسوريا والأردن وفلسطين، لا توجد في بطاقات الهوية خانة الديانة. وإن كانت المملكة الأردنية احتفظت بحقها في معرفة معلومات عن المواطن وفصيلة دمه وديانته، ووضعتها على شريحة ذكية ملحقة بالبطاقة، لكنها غير مكتوبة ضمن بيانات تحقيق الشخصية.

ومن المقرر أن يناقش مجلس النواب مشروع التعديل للمادة 49 من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994. الذى قدمه النائب إسماعيل نصر الدين، لإلغاء خانة الديانة من البطاقة، وحدد التعديل استبدال المادة 49، لتصبح «تحدد اللائحة التنفيذية شكل البطاقة والبيانات التي تثبت بها ومستندات وإجراءات استخراجها، على ألا يكون من بين البيانات نوع الديانة»، وفى المذكرة الإيضاحية التي قدمها النائب مع مشروع التعديل قال: إن إلغاء خانة الديانة، مجرد إجراء شكلي، الهدف منه التعود على التعامل مع الناس من خلال هويتهم الإنسانية أولا، وهويتهم الوطنية، كما يرسخ لمبدأ مهم من المبادئ الدستورية التي حرص الدستور المصري على تأكيدها «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس». وخلال حكم جماعة الإخوان الإرهابية، كانت هناك مقترحات لتنص مسودة الدستور الذي أعده التنظيم على مادة لحذف خانة الديانة.

 إلا أن الكثير من أعضاء تلك اللجنة التي سيطرت على تشكيلها الجماعة الظلامية وقفت ضد هذا الأمر بكل قوة، ومع بدء المجلس الحالي للبرلمان في 2016 جرت محاولة أيضا لكنها لم تمر لوجود اعتراضات، وفى عام 2006 رفضت محكمة القضاء الإداري دعوى قضائية بإلغاء خانة الديانة، وسبق للجنة الدينية في مجلس النواب رفض حذف الديانة، وخرجت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف وقالت رأيها بالرفض في ذلك الوقت واعتبرت أن المستندات التي تثبت شخصية وهوية الإنسان، أمور تنظمها الدولة. وأن وضع الديانة في البطاقة يساعد على معرفة وكشف الديانات الأخرى غير السماوية، وحماية المجتمع من نسب ومصاهرة مخالفة، لكن قداسة البابا تواضروس الثاني في 2015 قال: وجود الديانة كخانة بالبطاقة الشخصية أمر غير ملزم وأشاد بتلك الخطوة من أجل تحقيق المساواة وعدم التمييز.

وفى عام 2008 رفض الدكتور محمد سليم العوا إلغاء خانة الديانة من البطاقة كما حدث في بعض الدول، وقال إن الدول التي ألغت خانة الديانة ألغت الدين من حياتها ولكن الوضع يختلف في مصر، ولا يجوز أبدا إلغاء خانة الدين من البطاقة وتساءل: كيف يتم التعامل، فالناس لا تنتبه لآثار ذلك فهذه مصيبة؟! سوف يزداد الجدل عند طرح تعديل القانون الخاص بخانة الديانة بين المطالبين بتحويل الدستور إلى واقع حقيقي ومعاملة المواطنين على أساس حق المواطنة وليس الدين والمساواة بين جميع أبناء مصر، فالدين لله، والوطن للجميع، والإيمان في قلوب الناس وليس مكتوبا في أوراقهم أو بطاقة هوية كل منهم، فهل ستنجح محاولة النائب نصر الدين هذه المرة أم ستكون مثل غيرها من الأطروحات السابقة؟!

نشر في الأهرام