"مصطفى عزوز لأدب الطفل" تحتفل بالعشرية الأولى في تونس

"أسد الرؤوس الثلاثة" للكاتب التونسي لطفي الحجلاوي تفوز بجائزة الرواية التاريخية لما تتميّز به من أسلوب طريف في المزج بين التاريخ وقص الحاضر.
بعض المشاركات توفّرت على مستوى جيّد في الكتابة وعمق في المضامين، لكنّ شدة المنافسة حرمها الحصول على جائزة
تشجيع التأليف الأدبي لشريحة اليافعين من 12 إلى 15 سنة نظرًا لغيابها في الكتابة الموجهة للأطفال

مصطفى عبدالله

نظّم منتدى أدب الطفل بالتعاون مع البنك العربي لتونس الدورة العاشرة للجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل لسنة 2019، وحدّد موضوع هذه الدورة بالرواية الموجّهة إلى اليافعين. وقد انقسم مجال المسابقة إلى فرعين: مسابقة الرواية التاريخية الموجهة إلى اليافعين، ورصدت لها جائزة واحدة، ومسابقة الموضوع الحر ورصدت لها جائزتان. 
وتشير سعاد عقاس المشرفة على تنظيم هذه الجائزة ومديرة منتدى أدب الطفل بتونس أن لجنة التحكيم المكلّفة بالنظر في الأعمال المترشحة لنيل الجائزة رأسها الروائي والأستاذ الجامعي الدكتور محمد آيت ميهوب، وقد ضمت في عضويتها: الدكتورة جليلة الطريطر الناقدة والأستاذة الجامعية، والشاعر والروائي حافظ محفوظ، والدكتورة سعدية بن سالم الروائية والأستاذة الجامعية، والشاعر والقاص الهادي الخضراوي.
وقد اجتمعت اللجنة اجتماعًا أوّل يوم الخميس 27 ديسمبر/كانون الأول 2018، وفيه اطلعت على نص الإعلان عن المسابقة وما تضمّنه من شروط ومعايير، وتسلّمت الأعمال المترشّحة البالغ عددها إحدى وثمانين مشاركة، فنظرت فيها من حيث مطابقتها للمعايير المضبوطة لاسيما معياري: الانتماء إلى الجنس الأدبي المحدد للمسابقة وهو الرواية، والتوفر على عدد الصفحات المطلوب (من 40 إلى 80). فتمّ بناء على ذلك استبعاد أحد عشر نصًا أخلّت بأحد الشرطين المذكورين، إذ وردت مشاركة واحدة في شكل مجموعة قصص قصيرة، وجاءت المشاركات العشر الأخرى في عدد من الصفحات يقلّ عما وقع اشتراطه. وعلى هذا النحو حدّد عدد المشاركات المقبولة بـسبعين مشاركة اندرجت ست عشرة منها في مسابقة الرواية التاريخية، وصنفت البقية في مسابقة الرواية ذات الموضوع الحر.

اللجنة لاحظت أنّ بعض الأعمال المترشحة كانت أقرب إلى مخاطبة فئة الكهول منها إلى فئة اليافعين، لذلك دعت الكتّاب إلى ضرورة مراعاة خصوصية الكتابة لليافعين

كما تسلّمت اللجنة الأعمال القصصيّة المترشّحة لمسابقة الجوائز التشجيعية الخاصة بالمشاركات الشبابيّة، وقد بلغت خمس عشرة  مشاركة.
بعد ذلك حدّد أعضاء اللجنة ما يمكن اعتماده من مقاييس فنية وأدبية ومضمونيّة يستند إليها في تقويم النصوص والمفاضلة بينها (إحكام البناء القصصي، التشويق، نمو الشخصيات، حسن توظيف أساليب القص، توفر الوظيفة الجمالية، الحض على القيم الإنسانية).
وفي تقرير لجنة التحكيم يذكر رئيسها محمد آيت ميهوب أن اللجنة عقدت اجتماعًا ثانيًا بتاريخ الاثنين 25 فبراير/شباط 2019، وخلاله تداول أعضاء اللجنة النظر والتمحيص في الأعمال المترشحة نصًا نصًا، وتمّ تحليل كل عمل على حدة واستعراض ما اتسم به من مميّزات وهنات. وإثر النقاش اتفق على الاحتفاظ بأربع روايات تاريخية، وست روايات من فئة الروايات ذات الموضوع الحر، فقد أجمع أعضاء اللجنة على ما تتميّز به هذه النصوص من قيمة فنيّة ومضمونيّة تؤهّلها لأن تمثّل الرصيد النهائي الذي سيتمّ ضمنه انتخاب النصوص الفائزة.
وعادت اللجنة لتنعقد من جديد يوم الاثنين 11 مارس/آذار 2019 لاستعراض تقييم كل عضو للنصوص الاثني عشر المنتخبة. وبعد التداول والنقاش المستفيضين تمّ الإجماع على اصطفاء ثلاثة نصوص رأتها اللجنة جديرة بالتتويج. وكانت النتائج على النحو الآتي:
جائزة الرواية التاريخية لرواية "أسد الرؤوس الثلاثة" للكاتب التونسي لطفي الحجلاوي لما تتميّز به من أسلوب طريف في المزج بين التاريخ وقص الحاضر، ولتمكن الكاتب من دمج التخييلي بالتاريخي، فاستثمر خصائص شخصيّة أسد بن الفرات التي دوّنتها كتب التاريخ، لكنه في الوقت نفسه استثمر وصولها إلى شمال المتوسّط لإجراء مقارنة ضمنيّة بين دواعي وصول القادمين من إفريقيا إلى الضفة الشمالية للمتوسّط زمن ابن الفرات، ودواعي المهاجرين سرّا هذه الأيّام. ومما يثمّن في هذه الرواية لغتها السليمة وأبعادها الإنسانية النبيلة.
مسابقة الروايات ذات الموضوع الحر:
الجائزة الأولى توجهت لرواية "اسمه أسمر" للكاتبة التونسية منيرة الدرعاوي لما توفر فيها من طرافة وتشويق وقدرة على نحت الشخصيات وتطويرها تطويرًا ناميًا يتماشى ونموّ الأحداث، ولمتانة بنائها السردي ولغتها التي جمعت بين الفصاحة والمتانة من جهة، والسلاسة والإيحاء والشاعرية من جهة ثانية. فساهم ذلك في وصول الرسالة التربوية والحضارية والأخلاقية إلى القارئ اليافع، في نعومة وإيحاء بعيدًا عن الخطاب التعليمي التقريري.
أما الجائزة الثانية فكانت من نصيب رواية "لعبة الطائر العجوز" للكاتب المصري أحمد القرني لتميّزها بلغة أدبية جزلة، ولنضجها الفني وتوظيفها النكتة، ومراوحتها بين حكاية الأفعال وحكاية الأقوال وحكاية الأحوال مراوحة تخدم التشويق وتشدّ القراء. ولعرض صاحب النصّ عددًا من القضايا مثل قضايا التعلّم والانتخابات والإرهاب في إطار سرديّ مشوّق، بعيدًا عن الخطاب المباشر.
وأشار رئيس لجنة التحكيم في تقريره إلى حرص اللجنة على أن تنوّه ببعض المشاركات التي توفّرت على مستوى جيّد في الكتابة وعمق في المضامين، لكنّ شدة المنافسة حرمها الحصول على جائزة. فمن فئة الروايات التاريخية تنوّه اللجنة بالأعمال الآتية: سوفيتولا، الملاح الصغير، دهليز القائد علي.
 وأما من فئة الروايات ذات الموضوع الحر فتنوه اللجنة بالنصوص الآتية: حكاية عن الأفيال، يحي وغابة التحديات، رحلات سالم، الأميرة ورقاء.
أما عن نتائج مسابقة الجوائز التشجيعيّة المخصّصة للمشاركات الشبابيّة، فأعلنت اللجنة إسنادها الجوائز على النحو الآتي:
الجائزة الأولى: لقصة "رجل الأحلام" لجودة لغتها وإحكام بنيتها القصصيّة وتثمينها قيمتي الجد والعمل. الجائزة الثانية: وأسندت إلى قصة "أبصرتم الذرة ولم تبصروا عيوبكم" لتفاعلها مع الواقع تفاعلًا نقديًا يغذّي في الناشئة روح البحث والنقد، ولإحكام بنيتها السردية وسلامة لغتها.  

وقد سجلت لجنة التحكيم الملاحظات الآتية:
ارتياحها للإقبال المكثّف على المشاركة في المسابقة خلال هذه الدورة العاشرة، وذكرت أنها تثمّن ورود مشاركات عربية كثيرة من: المغرب العربي والمشرق على حد سواء. وقد رأت اللجنة في ذلك دليلًا ناصع البيان على تطوّر الجائزة وانتشار صيتها بين الكتاب العرب، وأعربت اللجنة عن سعادتها بأهميّة الإقبال على مسابقة الجوائز التشجيعية الخاصة بالمشاركات الشبابية، وعبرت عن إعجابها بالمستوى الفني الراقي لكثير من النصوص ممّا يشي بتعامل أصحابها تعاملًا جديًا مع أدب الطفل، وقد شجّعت اهتمام الكتّاب المشاركين بواقع الطفل العربي ومعالجتهم مختلف قضاياه النفسية والاجتماعية والحضارية والسياسية. وقد رأت اللجنة في هذا الأمر سمة إيجابية ما لم يضرّ ذلك بمراسم الكتابة للطفل الفنية والجماليّة.
وسجّلت اللجنة مقابل ذلك عدم حرص كثير من المشاركين على تجويد لغة نصوصهم وتنقيتها مما شابها من أخطاء متنوّعة متكرّرة.
ونبهت اللجنة إلى نزوع بعض الأعمال المندرجة في فئة الرواية التاريخية إلى التركيز على الأحداث التاريخية المتصلة بالحروب، فكثرت لديها مشاهد القتل وإسالة الدماء. وأهابت اللجنة بمؤلفي هذا النوع من الروايات الموجهة لليافعين أن ينتبهوا إلى خصوصية الفئة العمرية المستهدفة، وأن يوسعوا من دائرة فهمهم للتاريخ.
ولاحظت اللجنة أنّ بعض الأعمال المترشحة كانت أقرب إلى مخاطبة فئة الكهول منها إلى فئة اليافعين، لذلك دعت الكتّاب إلى ضرورة مراعاة خصوصية الكتابة لليافعين.
ولفتت إلى أن بعض الأعمال سقطت في التقرير والخطاب المباشر وطغت الوظيفة التعليمية فيها على الوظيفة الجمالية. ومن شأن ذلك أن ينفّر اليافع والطفل عامة من القراءة، وأن يجعل أدب الطفل قاصرًا عن أن يلعب دوره الحقيقي مصدرًا للحلم والتخيل، وحافزًا للطفل على الخلق والإبداع.
وأوصت اللجنة  بمزيد من تشجيع التأليف الأدبي لشريحة اليافعين من 12 إلى 15 سنة نظرًا لغيابها في الكتابة الموجهة للأطفال، وللدور الحاسم الذي يلعبه الأدب في تكوين الملكات الفنية والجمالية لدى الناشئة.
وحثّت اللجنة وزارة الثقافة التونسية على مزيد دعم هذه الجائزة ماديًا وأدبيًا، ودعت وزارة التربية إلى مزيد دعم هذه الجائزة وحضّ المتفقدين والأساتذة على إدراج الأعمال المتوّجة ضمن برامج المطالعة حتى تشمل الاستفادة من هذه النصوص قطاعًا واسعًا من التلاميذ.