مصير الدمى الأميركية في العراق

لم يتعاون مع المحتل الأميركي سوى الفاسدين الذين لم يحدث ولاؤهم لإيران صدفة.

"مَن ليس فاسدا فلا مكان له في السلطة". تلك الجملة ليست شعارا بل هي الأساس الذي بني عليه نظام "الطوائف" في العراق وهو نظام محاصصة بين مجموعة من الأحزاب والكتل السياسية التي تعاونت مع المحتل الأميركي، يوم كان ذلك المحتل في حاجة إلى مَن يترجم سياسته على الأرض.

في سياق تلك العلاقة لم يكن في الإمكان سوى أن يكون الطرف العراقي فاسدا. فالفاسدون وحدهم يستطيعون تنفيذ مشروع الاحتلال وتطبيعه من خلال آليات حكم وضعها الأميركان ومن ثم صاغوا فقراتها من خلال الدستور الذي حضت المؤسسة الدينية الفاسدة الجمهور العراقي على الاقتراع بـ"نعم" عليه من غير أن يُسمح له بمناقشة فقرة واحدة من فقراته الملغومة.

نظام الحكم الفاسد في العراق بالرغم من ولائه الحالي لإيران هو صناعة أميركية من ألفه إلى يائه. لم يتسلل الإيرانيون من ثغرات فيه لم ينتبه لها الأميركان بل كان كل شيء واضحا بالنسبة لهم حين سلموا الحكم لأحزاب، كانت تدين سلفا بالولاء لإيران.

لم يتعاون مع المحتل الأميركي سوى الفاسدين الذين لم يحدث ولاؤهم لإيران صدفة. بل كان ذلك الولاء هو واجهة لفساد في المبادئ التي عبثت بالوعي الوطني وألحقت العراق في الأنظمة الداخلية لتلك الأحزاب بإيران قبل أن يقع الاحتلال بعقود. ولو لم تكن الإدارة الأميركية على بينة من ذلك الفساد لما وقع اختيارها على أحزاب وشخصيات بعينها لتقوم بإدارة الحكم في العراق.

الفاسدون هم المطلوبون أميركيا.

لذلك ينظر أهل الحكم في العراق باستغراب إلى العقوبات الأميركية التي فرضت على عدد محدود منهم. وهم ينتظرون صدور قوائم جديدة ربما تطيح بشخصيات لها اليد العليا في السلطة.

الاستغراب مصدره أن هناك اتفاقا ضمنيا مسبقا على أصول الدولة الفاسدة ومرجعياتها. وهو اتفاق يشمل المؤسسة الدينية التي قدمت خدمات جليلة للمحتل الأميركي بالرغم من ادعائها الناي عن العمل السياسي. لقد سبق لدونالد رامسفيلد وهو وزير الدفاع الأميركي حين الاحتلال أن توجه بالشكر إلى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني لتعاونه.

الآن إذ تفرض الولايات المتحدة عقوباتها على عدد من الفاسدين العراقيين فإنها لا تقصد القضاء على الفساد الذي كان نشره جزءا من مشروعها الاستعماري بل هي تسعى إلى محاصرة نوع من الفساد، صار يضر بها من جهة خرق العقوبات المفروضة على إيران.

العدالة الأميركية لا شأن لها بالحقيقة.

فليس التعاون مع إيران على حساب العراق تهمة يستحق صاحبها العقاب. ذلك ما لا تفكر فيه الولايات المتحدة. وهو ما يعني أن الحشد الشعبي بكل ما يشكله ارتباطه بالحرس الثوري الإيراني من ضغوط على إمكانية قيام دولة ذات سيادة في العراق لا يشكل هاجسا ملحا بالنسبة لمصممي القرار في واشنطن.

العقوبات الأميركية لا شأن لها باستقلال العراق وسيادته.

اما الفاسدون الذين وضعوا والذين سيوضعون بين قوسي تلك العقوبات فإن ذنبهم انما يكمن في تعاونهم الخفي مع إيران من أجل اختراق حدود العقوبات الأميركية. وهو ما لا تتساهل به الإدارة الأميركية.

غير أن الفاسدين في العراق كلهم متواطئون مع إيران. فمَن تعاون مع الاحتلال الأميركي من أجل منافع شخصية لابد أن يكون مستعدا للتعاون مع الاحتلال البديل الذي هو الاحتلال الإيراني.

مبدأ يبدو أن الولايات المتحدة غير مستعدة للتعامل معه إيجابيا.

ذلك ما يُربك أهل الحكم في العراق. فالولايات المتحدة لم تكن نزيهة حين اختارتهم فلمَ تطالبهم اليوم بالنزاهة؟

لم تكن النزاهة مطلوبة أميركيا في الماضي. وهي ليست مطلوبة الآن.

اما أن يفرض الأميركان نوعا غامضا من النزاهة على الآخرين فهو ما لن يتمكن أهل الحكم في العراق الضالعون في الفساد وفق التعاليم الأميركية من فهمه والعمل بموجبه.

لقد صنعت الولايات المتحدة دماها في العراق وها هي اليوم تحاول أن تقبض على الأرواح التي نفثتها في تلك الدمى.