مطالب بثورة "ضمير مهني" لوسائل الإعلام الجزائرية

تجاهل أغلب وسائل الإعلام الرسمية في الجزائر للاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أكثر من أسبوعين، تثير استياء الجزائريين ومطالب باستقالة الصحفيين والإعلاميين من مناصبهم والاستجابة للقيام بثورة "ضمير مهني".
ترحيب باستقالة مذيعة على إثر قراءتها رسالة بوتفليقة
الجزائريون يقاطعون وسائل الإعلام الرسمية ويتوجهون نحو فيسبوك

الجزائر - بث التلفزيون الجزائري الرسمي، ليل الاثنين الثلاثاء، تقريرا غير مسبوق حول الحراك الذي تشهده البلاد ضد ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة؛ حيث تضمن شعارات لمواطنين يطالبون "برحيل النظام" وما وصفوه بـ"الزمرة الفاسدة".

ويواجه الإعلام الجزائري الرسمي انتقادات حادة بسبب أدائه في تغطية المظاهرات التي تشهدها البلاد منذ 22 من الشهر الجاري.

وأثارت تغطية وسائل الإعلام العامة للاحتجاجات الشعبية حالة من السخط لدى الجزائريين، حيث تجاهلت أغلب المنابر الإعلامية الرسمية مطالب المحتجين لتختزلها في أغلب الأحيان إلى "استياء من الوضع العام في البلاد".

وفي تقرير لافت عاد التلفزيون الجزائري أمس الاثنين إلى مظاهرات حاشدة شهدتها البلاد الجمعة الماضية احتجاجا على ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة في انتخابات 18 أبريل المقبل.
وفي تقرير ناري مرفوق بصور هذه المسيرات، قال المعلق "جمعة 22 فبراير يوم ليس ككل الأيام في عام ليس ككل الأعوام وصوت الشعب لا يعلو فوقه أي صوت".
وتابع "هؤلاء أرادوا وضعا آخر غير هذا الوضع وحياة أخرى غير هذه الحياة ونظاما آخر غير هذا النظام.. هؤلاء شباب مسالم ربيعهم جزائري لا عربي ولا أعجمي يطمحون".
واستدرك "هؤلاء لا يريدون ذهاب الرئيس دون ذهاب النظام، لكن الأمر يتطلب هدوءا، والرسالة وصلت من الشعب إلى الرئيس فأجاب الرئيس"، في إشارة إلى رسالة وجهها بوتفليقة بمناسبة ترشحه وتعهد فيها بتغيير النظام حال فوزه بولاية خامسة. 
ولاقت استقالة مذيعة الأخبار الجزائرية، نادية مداسي، من قناة "كنال ألجيري" الحكومية على إثر قراءتها رسالة بوتفليقة للجزائريين، ترحيبا من الشارع.

وأوضحت مداسي أنها قدمت استقالتها مباشرة بعد تقديمها لنشرة أخبار السابعة، مساء الأحد، بعد تلاوة الرسالة التي قالت إنها قدمت لها في آخر لحظة، من أجل قراءتها على الهواء.

وتعهد بوتفليقة في الرسالة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة دون الترشح فيها حال فوزه بسباق الرئاسة المقرر في 18 أبريل المقبل.
والرئيس الجزائري الموجود في مستشفى سويسري منذ أسبوع فوض مدير حملته عبدالغني زعلان، بتقديم ملف ترشحه أمام المجلس (المحكمة) الدستوري، فيما انسحبت أبرز الشخصيات المعارضة من السباق وطالبت بتأجيل الإنتخابات. 
وزادت المطالبة بعدم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة بعد التقديم الرسمي لمطلب الترشح، الأحد، حيث شهدت البلاد تظاهرات جديدة الاثنين والثلاثاء شاركت فيها عدة شرائح مهنية، من محامين وصحفيين وطلبة.

وعلى نحو غير مسبوق، بث تقرير التلفزيون الحكومي تصريحات وهتافات لمواطنين مثل "الشعب يريد إسقاط النظام" وبالفرنسية "Fln dégage (نريد رحيل الحزب الحاكم)" و"تسقط الزمرة الفاسدة" ونريد "تغيير النظام بطريقة سلسة وخروج سلمي".
ويعد هذا التقرير أمرا لافتا بحكم أن التلفزيون الجزائري مؤسسة تخضع لتوجيهات مباشرة من الرئاسة ووزارة الإعلام، كما أنه كان يكتفي في تغطياته السابقة للحراك بنقل صورة عامة عن مواطنين تظاهروا للمطالبة بتحسين الأوضاع. 
وتمثلت تغطية التلفزيون الجزائري لمظاهرات الجمعة الماضية، والتي لاقت انتقادات، في دقيقتين فقط خصص الجزء الأكبر منها لبث صور لشباب قاموا بأعمال عنف مع نهاية المسيرات رغم أن بيانا للشرطة قال إنهم مراهقون كانوا تحت تأثير مواد مخدرة. 

وواصلت المؤسسات الصحافية العامة برامجها الاعتيادية على مدى أسبوعين حينما كانت هتافات المتظاهرين تصل إلى مسامعهم من الشوارع المحاذية لمباني الإذاعة والتلفزيون.

وبدت وسائل الإعلام الرسمية كأنها في كوكب آخر حين لجأت أصوات المتظاهرين إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتوثيق الاحتجاجات وإيصال صوتهم إلى العالم.

وفوجئت وسائل الإعلام الجزائرية وحتى الدولية في البداية من حجم الاحتجاجات خاصة أنها اتسمت بالسلمية وخرجت دون تأطير حزبي، لكن الإعلام الجزائري الرسمي لم يبادر بالأخذ بزمام الأمور وعجز عن نقل ما يحدث في الشوارع.

ولعبت وسائل الإعلام دورا مهما في البلدان العربية التي شهدت احتجاجات في السنوات الأخيرة استنادا لما يتم تناقله عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت المصدر الأساسي لإيصال صوت المحتجين.

ورغم أن الحكومة الجزائرية تمتلك أجهزة متطورة لتتبع أي حركة غير قانونية على الفضاءات الإلكترونية، إلا إنها عجزت هذه المرة في معرفة مصدر الدعوات إلى التظاهر في يوم محدد وعبر مختلف المحافظات.

وأمام تخاذلها وفقدانها للمصداقية باعتبارها المصدر الرسمي للخبر في البلاد، ترك الجزائريون وسائل الإعلام الحكومية ووجهوا بوصلتهم نحو وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك الذي يعد الأكثر استخداما في الجزائر.

وعمل موقع فيسبوك على سرعة التواصل بين المحتجين وتبليغ المعلومة، في وقت عجزت فيه مختلف الوسائل الإعلامية السمعية والبصرية والورقية الخاضعة للسلطة حتى عن نقل الاحتجاجات بعد وقوعها.

وأمام هذا التحدي والاهتمام المكثف لوكالات الأنباء العالمية للتظاهرات بدأت بعض وسائل الإعلام الحكومية في تغطية الاحتجاجات الثلاثاء الماضي، بعد أن اشتكي الصحفيون العاملون بها علانية من منعهم من ذلك.

ونظم عمال التلفزيون الحكومي الثلاثاء الماضي، وقفة احتجاجية للدعوة إلى حرية التعبير والكف من سياسة "تكميم الأفواه"، التي يمارسها المسؤولون والسلطة.

ثم اعتقلت الشرطة عدد من الصحفيين شاركوا في مظاهرات في العاصمة الخميس الماضي، للمطالبة بحق تغطية الاحتجاجات النادرة المناهضة للحكومة.

وتجمع الخميس، نحو 100 صحفي من مختلف وسائل الإعلام العمومية والخاصة في "ساحة حرية الصحافة" بشارع حسيبة بن بوعلي في العاصمة، للتنديد بالضغوطات الممارسة عليهم في تغطية الاحتجاجات المتواصلة منذ أسابيع ضد العهدة الرئاسية الخامسة لبوتفليقة.

وردد الصحفيون خلال التظاهرة "ديمقراطية" و"صحافة حرة" و"مظاهرة سلمية" قبل أن تفرقهم الشرطة.

ودعا الصحافيون زملائهم في وسائل الإعلام الحكومية إلى "التخلي عن الخوف والانضمام إلى المتظاهرين والاستجابة إلى نداء الضمير المهني".

وكان لافتا بعدها التغيير الغير مسبوق الذي شهدته تغطية وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، لمظاهرات الجمعة، حيث نقلت في تقريرها أن "مئات المواطنين، أغلبهم من الشباب، تجمعوا بعد صلاة الجمعة، في الجزائر العاصمة، وبمناطق أخرى من البلاد، تعبيرا عن مطالب ذات طابع سياسي".

وتميزت وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية عن الإذاعة والتلفزيون العامة حين نشرت قصاصات خبرية ووزعتها بشأن المظاهرات حتى أنها وصفت الرئيس بـ"الرئيس المنتهية ولايته".

وأكثر من ذلك، ذكرت الوكالة أن المتظاهرين رفعوا شعارات من قبيل "نعم للعدالة" و"مسيرة سلمية" و"تغيير وإصلاحات" "مطالبين بوتفليقة بالعدول عن الترشح لعهدة جديدة".
ولم يحدث سابقا أن نشرت الوكالة الرسمية، أخبارا أو تقارير حول احتجاجات لها طابع سياسي في البلاد، خصوصا حين يرفع المتظاهرون مطالب للتغيير، أو دعوات لرحيل الرئيس أو حتى الحكومة.