مظلوميات الإخوان واحترافهم.. تضليل العقل والعدالة

الجماعة التي احترفت صناعة المظلوميات على مدار ثمانين عاما لكي تبتز ضمائرنا لنسكت، وتحول بين أي كاتب أو باحث أو سياسي وبين نقد تجاربها الخاطئة وانتهازيتها السياسية المتكررة لا تتوقف عن خلط الأمور هنا في الأحداث التي جرت في 2013 فهي تريد أن تحصن نفسها وتصبح الجماعة المعصومة، والصنم المقدس الذي لا يجوز لمواطن مصري أن يعترض عليه.

  بقلم: جمال سلطان

كل الدم المصري الطاهر المعصوم الذي أريق منذ يناير 2011 وحتى اليوم مدان، قولا واحدا، سواء كانوا من الإخوان أو من شباب ائتلافات الثورة أو من سيدات الأحزاب الأخرى وشبابها أو من روابط مشجعي الكرة، وكل من أسهم أو تورط في هذا الدم بظلم وعدوان أو سوء تقدير لن يفلت من العقوبة، لا في عالم الغيب ولا في عالم الشهادة، ومثل تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم، هذه قاعدة مفروغ منها، شرعا وخلقا ودينا وقانونا، ولا يصح أن يذكرنا بعضهم بوضع تلك الديباجة في مقدمة أي مقال أو أي مراجعات سياسية نقدية لهذا التيار أو ذاك، لا ينبغي أن نخلط الأمور، أو أن نوظف عواطفنا تجاه هذا الدم الحرام بانتهازية لكي نهرب من المسؤولية، أو نتستر على أخطائنا، لا يليق بجماعة دينية أن تتاجر بالدم من أجل سرقة مكسب سياسي أو إعلامي متوهم لا يستحقونه أساسا، أو أن تتسول العطف السياسي والإنساني الذي يتيح لها الإفلات من سهام النقد التي تلاحقها .

جماعة الإخوان التي احترفت صناعة "المظلوميات" على مدار ثمانين عاما، لكي تبتز ضمائرنا لنسكت، وتحول بين أي كاتب أو باحث أو سياسي وبين نقد تجاربها الخاطئة وانتهازيتها السياسية المتكررة، لا تتوقف عن خلط الأمور هنا في الأحداث التي جرت في 2013، فهي تريد أن تحصن نفسها وتصبح الجماعة المعصومة، والصنم المقدس الذي لا يجوز لمواطن مصري أن يعترض عليه أو يعارضه فضلا عن أن يتظاهر ضده، وأي معارضة له فهي خيانة للوطن وخيانة للدم، وفي سبيلها لترسيخ تلك القاعدة الشيطانية تعمل على وصم كل من تظاهر ضد الجماعة وضد محمد مرسي بأنه مشارك في الدم الذي جرى في رابعة والحرس وكل الدم الذي سال بعد ذلك، هذه ـ في حد ذاتها ـ جريمة سياسية، تضليل للعدالة، ولو استخدمنا هذا المنطق لحملنا جماعة الإخوان كل الجرائم التي ارتكبت في مصر بعد 1952، لأنها هي التي تظاهرت دعما لعبد الناصر وضباطه وهي التي أيدت خلع نظام الملك فاروق وحل الأحزاب ومصادرة ممتلكاتها وإغلاق صحفها وتشريد أعضائها وإعدام العمال الغلابة الذين تظاهروا ضد عبد الناصر طلبا لتحسين أجورهم، فالجماعة هي التي دافعت عن ذلك كله بكل بسالة في صفحها ومجلاتها وأقلام كتابها، ومع ذلك زورت التاريخ بعد ذلك لكي تصنع مظلومية جديدة تقدم نفسها من خلالها كضحية لعبد الناصر، الذي وصفوه بعدو الإسلام وعدو الديمقراطية، والحقيقة التي عرفها الجميع بعد ذلك أنها كانت تحالفا في الظلام بين ذئبين، أكل أحدهما الآخر بعد أن فرغا من أكل الآخرين .

الذين تظاهروا ضد الإخوان، سواء في 30 يونيو أو ما قبلها، كانوا يبحثون عن حماية الديمقراطية ومسار الثورة الذي اعتقدوا أن الإخوان انحرفت بها عن مسارها وتلعب مع بعض الأجهزة من أجل السيطرة على الدولة لحساب الجماعة، وكانت الممارسات المخيفة من هذا المسار واضحة لدى الجميع، ومخيفة للجميع، وهذا الحق في التظاهر مكفول، ومشروع، ولا حصانة لمرسي منه، وتحضيرات مظاهرات 30 يونيو، مثل ما حدث في 25 يناير 2011، كانت لها مطالب إصلاحية، تطورت بفعل عناد السلطة، فبعد أن كان المطلب الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة وحكومة وطنية محايدة للإشراف على الانتخابات، تحولت ـ بفعل عناد الجماعة ونصائحها الجهولة لمرسي ـ إلى المطالبة بعزل الرئيس، وكان البيان الذي صدر في 3 يوليو يحمل معظم هذه المطالب، ويؤكد عليها، وكل الخطاب المعلن في تلك الأثناء كان يتحدث علنا عن الجيش الذي يحمي ولا يحكم، ولن يتدخل في السياسة، وأن قائد الجيش لا يفكر نهائيا في الترشح للرئاسة وأن من يردد ذلك إنما يردد شائعات، تماما مثلما تعهد الإخوان في 2012 بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية ثم خالفوا تعهدهم ـ كالعادة ـ وقالوا أنه بدا لهم كذا وكذا فغيروا موقفهم!

 كل هذه التعهدات من المجلس العسكري الجديد بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي كانت معلنة في الصحف والفضائيات والحوارات الرسمية، وبالتالي لا يصح ـ شرعا وعقلا ـ أن تحاكم أحدا على أنه لم يطلع على الغيب، أو لم يطلع على قلوب الآخرين ونواياهم، ولا على أحداث تمت بعد ذلك، دفع الجميع ثمنها، بصورة أو بأخرى، سواء الإخوان، الذين أوصلوا البلاد إلى هذا الجحيم بغشوميتهم وبدائيتهم السياسية وسوء تقديرهم لتوازن القوى وحجم مؤسسات الدولة الصلبة وحجم المعارضة الشعبية لهم، أو القوى السياسية المعارضة، والتي دفعت هي الأخرى الثمن، لأنها رفضت كل المسار الذي اختارته السلطة الجديدة بعد ذلك واعتبرته نكثا للوعود والعهود، وهذا يحسب لها، لأنها لو كانت معارضة انتهازية كما يزعم الإخوان في دعاياتهم المضللة لكان لهم شأن آخر وحظوة عند السلطة أمس واليوم، ولما تحول كثير منهم إلى سجين أو شريد أو ملاحق، بل وكان منهم أيضا أصحاب دم، من شبابهم ورجالهم ونسائهم، ولكنه الدم المصري الحرام الذي لا يتذكره الإخوان عادة، لأنه لا يصلح للتوظيف في حساباتهم ويخدش لوحة المظلومية الخاصة بهم .

يتحدث الإخوان بحكمة العارفين وجهابذة السياسة، ويتساءلون : أوليس من الغباء تصور أن "العسكر" سوف يطيحون بالرئيس لكي يسلموكم السلطة، والحقيقة أن الإجابة المختصرة لسؤالهم "الحكيم" هنا أن نذكرهم بأن "العسكر" هم الذين دعوا للانتخابات الرئاسية التي أتت بهم إلى القصر الجمهوري قبلها بعام واحد، أي في 2012، و"العسكر" هم الذين سلموهم رئاسة الجمهورية وأعطوهم التحية العسكرية بعد ذلك، يعني باختصار عزلوا مبارك وسلموكم السلطة، ومن البديهي أن الحركة الوطنية المصرية في وسط 2013 تستحضر، وتطمئن، لمعطيات السلوك السياسي للمجلس العسكري في 2012، وترجح تكراره، فإذا كانت هناك تهمة بالغباء السياسي فأولى أن تلحق بالإخوان ـ نسخة مبارك الدينية ـ وليس بغيرهم .

يبقى السؤال الأهم : هل كان بالمقدور تجنب سيناريو الدم في مصر بعد عزل مرسي ؟ والإجابة : نعم، كان بالإمكان تجنب سيناريو الدم لو أراد الإخوان، لكنهم سعوا إليه سعيا وخططوا له تخطيطا