معادلة الواقع العراقي: "أما الشعب وأما الأحزاب"   

لو أن العبادي اعترف بعجزه، لقلب الطاولة على رموز نظام المحاصصة الطائفية والعرقية.

قطع المحتجون العراقيون الشباب سلسلة أفكار السياسيين في واحدة من اللحظات النادرة التي يلتقون فيها بسلام لتوزيع الغنائم في ما بينهم.

أزعجت التظاهرات أولئك السياسيين ودفعت بهم إلى الاعتكاف في انتظار أن يعود الشباب إلى بيوتهم محملين بوعود الحكومة الوردية.

غير أن ما لدى المحتجين هذه المرة لن تفي به تلك الوعود.

وإذا ما رغب السياسيون في الاستمرار في لعبتهم التي يطلقون عليها العملية السياسية فإن عليهم أولا أن ينفذوا مطالب الشباب المحتجين وهي مطالب يمكن وصفها قياسا لقدرة الحكومة بالتعجيزية بالرغم من أنها لا تخرج عن دائرة الخدمات الأساسية كالماء الصالح للشرب والكهرباء وفرص العمل إضافة إلى التصدي لبعض مظاهر الفساد.

في واقع من ذلك النوع يبدو الأفق مسدودا. فالحكومة التي راهن السياسيون على سقوطها بسبب الاحتجاجات تحولت إلى خشبة خلاص بالنسبة للكثيرين منهم. ذلك لأنها صارت الواجهة التي تتلقى الصدمات. كما صار عليها أن تتحمل عبء البحث عن حلول مستحيلة في ظل رفض شعبي للحلول الترقيعية التي سبق وأن طُرحت في أوقات سابقة.

الحكومة منتهية الصلاحية والتي يرغب رئيسها في أن يعود إلى منصبه لأربع سنوات أخرى لا تملك حلا للمشكلات التي خرج بسببها الشباب محتجين إلى الشارع.

فمَن أين تأتي بالكهرباء وقد تم اهدار أكثر من أربعين مليار دولار طوال السنوات الماضية على مشاريع كهربة وهمية كما تبين في ما بعد.

لم تكن الحكومة العراقية يوما ما معنية بمسألة الماء الصالح للشرب عبر السنوات الماضية إلى أن انتصر الملح فصارت أصوات المحتجين مالحة. اما على مستوى فرص العمل فإن الحكومة العراقية قد تعهدت بسبب ديونها بغلق باب الوظائف الحكومية.

لا يملك العبادي وهو رئيس الحكومة الحالية سوى أن يكذب. ولكن ماذا يحدث لو أنه قال الحقيقة في ظل يقينه بأن مَن يحيط به من السياسيين الشيعة يتآمر عليه ولا يرغب في بقائه في منصبة لولاية ثانية؟

لو أنه اعترف بعجزه لقلب الطاولة على رموز نظام المحاصصة الطائفية والعرقية الذين لم تمسهم الاحتجاجات ولم تؤثر على رغبتهم في العودة إلى الحوار من أجل انشاء تحالفات سياسية لا علاقة لها بما يجري في الشارع المحتج أصلا على فسادهم.

يعرف العبادي أن خصومه يحتمون به وبحكومته.

ليس من العسير عليه أن يكتشف أن انتصاره على أولئك الخصوم يمكن أن يتحقق من خلال احتمائه بالمحتجين.

ولكن مشكلة حيدر العبادي أنه ينظر إلى خصومه بعيني عضو حزب الدعوة. وهو ما يجعله أقرب إلى أولئك الخصوم من الشعب الذي لا يعرف عنه شيئا. وهو ما يبقيه مترددا في اتخاذ القرار المناسب.

بالنسبة لخصومه فإن العبادي من خلال سلوكه المراوغ يظهر باعتباره رجلا مغادرا. ذلك لأنه لا يملك حلولا ولا يملك أن يعترف بذلك. ذلك أمر مريح بالنسبة لسياسيي المنطقة الخضراء غير أنه سيكون سببا مضافا لتصاعد حدة التظاهرات.

وإذا كان المحتجون قد انتقلوا إلى مرحلة المطالبة برحيل حكومة العبادي وهو مطلب لا قيمة دستورية له ذلك لأنها مجرد حكومة تصريف أعمال فإن ذلك المطلب ينطوي على رغبة شعبية في رحيل سياسيي مرحلة ما بعد الاحتلال كلهم. وهنا يبدو الصدام مصيريا.

ستصل الأمور إلى ذروتها حين يتأكد الجانبان، الطبقة السياسية من جهة والشعب من جهة أخرى أن المساحة لا تكفي لوجودهما معا. واحد منهما يجب أن يختفي. اما الشعب واما الطبقة السياسية وهي بذيولها ليست صغيرة.

بناء على تلك المعادلة الحتمية فإن العنف قادم.

لن يتخلى حزبيو العراق عن امتيازاتهم الفريدة من نوعها في التاريخ السياسي الحديث. وهو ما سيدفع بهم إلى الذهاب إلى الأقصى في تمسكهم بكل ما فرضوه من قوانين سنوها من أجل الحفاظ على حصصهم من الثروة العراقية التي لن يبقى منها شيء للشعب.

أما الشعب فهو من جهته لن يتراجع عن مطالبه التي سيرتفع سقفها. فهو إن فعلها واستسلم فسيحكم على نفسه بالفناء.