معارك عنيفة لا تهدأ على مشارف طرابلس

القوى الكبرى لم تتمكن حتى الآن من التوافق في الأمم المتحدة على إعلان يدعو قوات الجيش الوطني الليبي إلى وقف هجومه على العاصمة، فيما يعقد مجلس الأمن جلسة طارئة ومغلقة لبحث آخر التطورات.

الجيش الليبي يسيطر على معسكر اللواء الرابع
أسرى من قوات وميليشيات تدعم حكومة السراج
قوات الوفاق تمنع عائلات من مغادرة منطقة عين زارة

طرابلس - تدور معارك عنيفة الأربعاء بين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر التي تتقدم نحو العاصمة الليبية وقوات حكومة الوفاق الوطني المتمركزة في طرابلس والمدعومة من عدد من الميليشيات.

 وتأتي هذه الاشتباكات التي لم تهدأ حتى الساعات القليلة الماضية قبيل جلسة طارئة ومغلقة لمجلس الأمن الدولي حول تطورات الوضع في ليبيا ووسط دعوات دولية لوقف الهجوم على طرابلس.

وأكد الجيش الوطني الليبي الذي يشنّ منذ الخميس الماضي عملية باتجاه طرابلس، السيطرة على معسكر تابع لقوات حكومة الوفاق الوطني يقع على بعد 50 كيلومترا من العاصمة.

وكتب المكتب الإعلامي للجيش الوطني الليبي على صفحته على فيسبوك "بعد معارك شرسة واشتباكات عنيفة شهدتها المنطقة المحيطة بمعسكر اللواء الرابع وبفضل الله أولا ثم بفضل قواتكم المُسلحة التي اقتحمت المعسكر بحرفية عالية، عاد معسكر اللواء الرابع لحضن الوطن وللقوات المُسلحة".

وبحسب هذا البيان "تم أسر عدد من أفراد قوات حكومة الوفاق، كما صودر عدد من العربات والآليات التي كانت مصدرا للقذائف العشوائية".

ويبدو أن قوات الجيش الليبي تتقدم على محورين من الجنوب وفي الجنوب الشرقي، لكن في الغرب تدافع قوات موالية لحكومة الوفاق عن الطريق الساحلي، فيما تواجه قوات حفتر في الشرق مقاومة مسلحي مصراتة الموالين لحكومة الوفاق.

وكانت قنوات ليبية قد بثت الليلة الماضية صورا لعدد من قادة الميليشيات بعضهم مطلوب للعدالة الدولية وبعضهم من الميليشيات الاخوانية أو القاعدة وقدمت لائحة بأسمائهم متسائلة عن شرعية حكومة السراج التي تحتمي بجماعات متطرفة.

ويشهد مطار طرابلس الدولي الخارج عن الخدمة منذ العام 2014 والواقع على بعد 30 كيلومترا جنوب طرابلس، معارك كرّ وفرّ بين طرفي القتال.

والطريق المؤدية إلى المطار مقطوعة ولا تشهد سوى تحركات لسيارات عسكرية تابعة لقوات حكومة الوفاق وبعض سيارات الإسعاف العائدة من الجبهات. وسمع إطلاق كثيف للنار على بعد عشرات الكيلومترات من المطار.

وتشهد مناطق تقع على بعد عشرات الكيلومترات جنوب شرق طرابلس أيضا معارك، حيث سمع إطلاق كثيف للنار في منطقة عين زارة.

وتحدث بعض السكان عن وضع قوات حكومة الوفاق سواتر ترابية لقطع الطرق والتقاطعات الرئيسية، مانعين المدنيين من مغادرة بيوتهم والمغادرة للاختباء في مكان آخر.

وقالت مواطنة من سكان عين زارة "عادت المعارك من جديد و بقوة. لا نجرؤ على مغادرة البيت لأنهم قطعوا جميع الطرق بسواتر ترابية. نسمع الآن أصوات قصف قوي جدا".

وبحسب مستخدم في مجموعة "سيف باث" (المسار الآمن) التي شكّلت على فيسبوك عام 2016 وتضم الآن أكثر من 162 ألف عضو، فإن العديد من العائلات اتبعت المسارات الموجودة في المزارع صباح الأربعاء للخروج من عين زارة.

وتخشى المنظمات الدولية أن يتحمّل السكان من جديد نتائج العنف في بلد غارق في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011. ونزح نحو 3400 شخص حتى الآن بسبب المعارك، وفق الأمم المتحدة.

وبحسب آخر حصيلة لوزارة الصحة في حكومة الوفاق الوطني أعلنت عنها مساء الأحد، فقد قتل حتى الآن 35 شخصاً على الأقل منذ الخميس. وقالت قوات حفتر من جهتها إن 14 من مقاتليها قد قتلوا. ولم تقدّم أي حصيلة جديدة بعد من أي من الطرفين.

وتقوّض هذه المعارك التسوية السياسية، فيما بدا الثلاثاء أن إرجاء المؤتمر الوطني الليبي الذي كان مقررا بين 14 و16 أبريل/نيسان في غدامس أمر لا مفر منه.

حكومة السراج تراهن على دعم الميليشيات
حكومة السراج تراهن على دعم الميليشيات

وكان من المفترض أن يسمح هذا المؤتمر الذي تحضر له الأمم المتحدة منذ أشهر، بوضع خارطة طريق لإخراج البلاد من الفوضى، لكن الأسس التي على أساسها انطلقت جهود الأمم المتحدة تبدو هشّة جدا إذ أن الوضع في غرب ليبيا حتى قبل إطلاق الجيش الوطني الليبي عملية طرابلس، لا يبشر بنجاح الجهود الأممية حيث تتنازع الميليشيات الموالية لحكومة السراج وبعضها إسلامية متشددة محسوبة على تيار الإخوان المسلمين، على المصالح والنفوذ.

وحتى حكومة فايز السرّاج التي تحظى باعتراف ودعم من الأمم المتحدة لا تملك سلطة قرارها في ظل ارتهانها لتلك الميليشيات وعلى ضوء عجزها منذ مارس/اذار 2016 عن تثبيت سلطتها كسلطة قادرة على توحيد ليبيا أو أدناه إعادة الأمن والاستقرار لغرب ليبيا.

وفي المقابل فإن خليفة حفتر الذي بات يوصف بأنه رجل الشرق القوي نجح في إعادة الاستقرار إلى شرق البلاد وتمكن من خلال مؤسسة عسكرية قوية من إعادة تنظيم صفوف الجيش في مواجهة الميليشيات المتطرفة التي كانت منضوية في مجلس شورى ثوار بنغازي.

وقال الممثّل الخاص للأمين العام للأمم المتّحدة في ليبيا غسّان سلامة في بيان الثلاثاء "لا يُمكن لنا أن نطلب الحضور للملتقى والمَدافع تضرب والغارات تُشَنّ".

وسيشرح سلامة قراره أمام مجلس الأمن الدولي الذي من المقرر أن يجتمع في جلسة طارئة ومغلقة الأربعاء حول ليبيا، كما أعلن الثلاثاء دبلوماسيون من نيويورك.

ويريد حفتر الذي تدعمه إدارة مقرها في شرق البلاد وغير معترف بها دوليا، مد سيطرته إلى غرب البلاد النفطي، فيما يبسط سيطرته أصلا على الشرق وسيطر مؤخرا أيضا على جنوب ليبيا.

لكن بمواجهة قوات حفتر، تؤكد القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج أنها عازمة على خوض عملية مضادة واسعة النطاق، مراهنة على الضغوط الدولية وعلى ميليشيات مسلحة يقودها متشددون.

واتهم المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي العقيد أحمد المسماري حكومة الوفاق الوطني بـ"التحالف مع مجموعات مسلّحة إسلامية".

وقال المسماري خلال مؤتمر صحافي في بنغازي إنّ "المعركة لم تعد في أيدي (فايز) السراج، بل أصبحت الآن في أيدي الإرهابيين"، ذاكرا خصوصا جماعات مسلحة قادمة من مصراتة (200 كيلومتر شرق طرابلس).

ولم يكشف المسماري سرا في هذا الخصوص حيث أن معظم ميليشيات مصراتة موالية لجماعة الإخوان المسلمين ومعظم تشكيلاتها كانت منضوية في قوات فجر ليبيا التي دعمت في وقت ما الحكومة السابقة التي قادها خليفة الغويل.

وأدارت تلك الميليشيات ظهرها للغويل وتحولت إلى دعم حكومة السراج على قاعدة المصالح والنفوذ.

ولم تتمكن القوى الكبرى حتى الآن من التوافق في الأمم المتحدة على إعلان يدعو معسكر حفتر إلى وقف هجومه. وهذا الإعلان الذي تدعمه واشنطن من بين آخرين، عطلته موسكو مساء الأحد إذ قالت إنه يجب أن يتضمن دعوة "كل الأطراف" للتراجع.

وذكّرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشال باشليه "كل الأطراف" بـ"التزامهم، بموجب القانون الدولي، ضمان حماية المدنيين والبنى التحتية المدنية".

وطلب من جهته المفوض لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة فيليبو غراندي "تجنيب المدنيين خصوصا اللاجئين والنازحين العالقين" في ليبيا.

وقالت بدورها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إن "نحو نصف مليون طفل في طرابلس وعشرات آلاف الأطفال في المناطق الشرقية" مهددون "بشكل مباشر".

وأجبرت المعارك على مشارف طرابلس بحسب آخر الأرقام، نحو 4500 على الفرار من ديارهم ومعظمهم يبتعدون عن مناطق القتال إلى أحياء أكثر أمنا بالمدينة، لكن كثيرين آخرين محاصرون، فيما أجبرت قوات وميليشيات حكومة الوفاق مئات العائلات على عدم مغادرة مناطقها بأن قطعت الطرقات بالسواتر الترابية والمدرعات والشاحنات المحملة بمدافع رشاشة.

واتخذت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر مواقعها في الضواحي على بعد حوالي 11 كيلومترا إلى الجنوب من وسط العاصمة، بينما تسد حاويات معدنية وشاحنات بيك أب محملة بمدافع رشاشة طريقها إلى المدينة.

وأوضح سكان أن طائرات الجيش الوطني الليبي تحلق فوق طرابلس وتحدثوا عن أصوات اشتباكات في ضواحي المدينة. وقال أحد الجنود إن قوات حفتر تشتبك مع القوات الموالية لرئيس الوزراء فائز السراج في المطار الدولي السابق للمدينة.