معالم اثرية في تركيا تتعرض للتشويه لاعتبارات عقائدية

مناقصات الترميم لم تعد تمنح سوى لمجموعات محسوبة على الحكومة احتكرت هذا المجال وهي ترى في هذه الورش سبيلا لتحقيق الأرباح في المقام الأوّل.
قلق في تركيا بشأن طمس معالم أثرية تراثية لغير المسلمين
صفقات ترميم على عجل تمنح للموالين لحزب العدالة والتنمية الحاكم
وزير الثقافة يتجاهل تحذير المعارضة من هدم أحد جدران برج غلاطة
مجموعات محسوبة على الحكومة تحتكر عمليات ترميم المعالم الأثرية
نافورة بأسكودار في الشقّ الآسيوي لإسطنبول تختفي بين ليلة وضحاها
باحثة متخصصة: تركيا تسعى لإخضاع التراث الثقافي لمشيئتها بدلا من الحفاظ عليه

اسطنبول - تثير عمليات ترميم المعالم التراثية الثقافية جدلا في تركيا حيث تنجَز أعمال على عجل وتشوَّه معالم تاريخية أو تلحَق بها أضرارا وينسب خبراء هذه الإخفاقات إلى محسوبيات تغذّي تهافتا على الأرباح من جهة وإلى اعتبارات ايديولوجية من جهة أخرى.

ويشكّل برج غلاطة المعلم الشهير في إسطنبول المشيّد في القرن الرابع عشر، أحدث فصل من فصول الجدل المحتدم بشأن ترميم العمارات الأثرية في تركيا. وقد أوقف هدم أحد جدرانه بالثقّابة الضغطية في أغسطس/اب في اللحظة الأخيرة إثر تداول تسجيل لهذا المشهد على شبكات التواصل الاجتماعي أثار استنكارا شديدا.

وحاول وزير الثقافة نوري أرصوري إخماد الجدل، مع تأكيده أن الأشغال بهذه الآلة أجريت على جدران "ليست جزءا من العمارة الأساسية"، متعهّدا باتّخاذ عقوبات في حقّ المسؤولين عن هذه الورشة.

لكن المسألة لا تقتصر على هذا البرج، فالمعالم التي أسيء ترميمها ازدادت خلال السنوات الأخيرة، ومنها مثلا فسيفساء رومانية تضرّرت جرّاء أعمال أجريت على عجل ومدرّج روماني صُبّ إسمنت في وسطه وقلاع تاريخية باتت تبدو حديثة الملامح.

ويرى عثمان كوكر صاحب معرض "برزمانلار" المتخصص في التنوّع الثقافي في تركيا أن "المحاولات الفظّة" لطمس آثار الأقليات غير المسلمة في العمارات القديمة لطالما كانت قائمة في تركيا.

تم إيقاف هدم أحد جدران برج غلاطة بالثقّابة الضغطية في أغسطس في اللحظة الأخيرة
تم إيقاف هدم أحد جدران برج غلاطة بالثقّابة الضغطية في أغسطس في اللحظة الأخيرة

غير أن الوضع كان أفضل حالا بكثير في فجر الألفية الجديدة وبداية حكم رجب طيّب أردوغان الذي كان رئيسا للوزراء في ذاك الوقت.

ويكشف كوكر أن "ترميم المعالم التي تختزن رمزية كبيرة اكتسب أهمية قصوى في إطار المساعي المبذولة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي"، ففي العام 2011، لقي ترميم كنيسة أكدمار الأرمنية في شرق تركيا تنويها كبيرا.

غير أن فتور العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة وتشدّد أردوغان في نهجه المحافظ غيّرا المعادلة، وفق ما يقول كرهان غوموس المهندس المتخصّص في حماية التراث.

ويوضح الأخير أن "مناقصات الترميم لم تعد تمنح سوى لمجموعات محسوبة على الحكومة احتكرت هذا المجال وهي ترى في هذه الورش سبيلا لتحقيق الأرباح في المقام الأوّل".

ويعزو المهندس هذا الانحراف إلى "نظام يدير ورش الترميم من خلال استدراج العروض لا غير، من دون مراعاة الاعتبارات التاريخية والبيئية".

ويستطرد بالقول "نكتفي بترميم شكلها الأصلي، ما يعطي نتائج كاريكاتورية. وهذه المعالم تتضمّن في أحيان كثيرة أجزاء أضيفت على مرّ العقود من قبل حضارات مختلفة ينبغي الحفاظ عليها". ولم تعلّق وزارة الثقافة على هذه الانتقادات

وكان مدير قسم التراث الثقافي في بلدية إسطنبول مهير بولات المبادر إلى من دقّ ناقوس الخطر بشأن هدم أحد جدران برج غلاطة.

وتقدّمت البلدية التي يأتي رئيسها من صفوف المعارضة بشكوى، غير أن طلب بولات معاينة الموقع رُفض من قبل وزارة الثقافة التي تدير الورشة.

ويقول بولات "عندما يُنظر إلى عملية الترميم على أنها مجرّد ورشة صيانة، نغفل أهمية المحافظة على الطابع الأصلي".

المعالم التي أسيء ترميمها ازدادت خلال السنوات الأخيرة ومنها مثلا فسيفساء رومانية تضرّرت جرّاء أعمال أجريت على عجل ومدرّج روماني صُبّ إسمنت في وسطه وقلاع تاريخية باتت تبدو حديثة الملامح

وما يزيد الطين بلّة في نظره هو بعض "القرارات الاعتباطية" التي تقيّد عمل الهيئات المعنية بالحفاظ على التراث. وهو يقرّ مثلا بأنه اكتشف في يوليو/تموز بأن نافورة في أسكودار في الشقّ الآسيوي من إسطنبول، اختفت بين ليلة وضحاها في إطار أعمال توسعة طريق.

وقد قرّرت بلدية المنطقة الموالية للحزب الحاكم أن "تنقل" النافورة من دون الاستحصال على الرخص اللازمة، بحسب بولات الذي يشدّد على أن "القيمة التاريخية للمعلم لا تتجلّى سوى في المكان الذي يقع فيه. ولا يمكنكم نقله كما لو كان مجرّد قطعة عادية"، ملاحظا أن "أية أنباء عن هذه النافورة لم ترِد مذاك".

وبالنسبة إلى الباحثة في جامعة بيتسبرغ توغبا تانييري إردمير، تسعى تركيا إلى "إخضاع التراث الثقافي لمشيئتها بدلا من الحفاظ عليه"، مشيرة إلى أن "الأمر تجلّى للعيان مع قرار تحويل كلّ من كاتدرائية آيا صوفيا وكنيسة خورا" إلى مسجد.

وقد أثار هذا القرار القلق بشأن مصير قطع الفسيفساء البيزنطية في الموقعين، فيما لفت بولات إلى أن "ذاكرة مدينة ما ترتبط ارتباطا وثيقا بموقعها... وآمل أن ندرك يوما أن بين أيدينا كنزا".