معالم طريق سيد قطب: خارطة طريق الدوحة

التيار الإسلامي الراديكالي هيمن روحياً على الحكم في قطر بطريقة اختطاف السلطة من القطريين وهذا يجعلنا أمام أخطر مواجهة مع التطرف المتخفي تحت عباءات المشيخة في تلك الإمارة الثرية والطموحة لا تحتاج إلى أدلة كثيرة لتثبت نظرية اختطاف السلطة في قطر من قبل التيار الإسلامي الراديكالي.

بقلم: مالك العثامنة

في الأدبيات السياسية الحديثة ما بعد فترة الربيع العربي، نقرأ أحيانا عن جماعة الإخوان المسلمين بأنها جماعة وصلت إلى سدة الحكم في مصر وتونس و"غزة" مثلا! ويأتي ذلك في سياق طموح الجماعة إلى استلام السلطة في أي مكان من العالم العربي أو الإسلامي، تحقيقا لمعالم طريقها الذي أسسه منظرها الأساسي "سيد قطب"، وتواترت أفكاره جيلا بعد جيل في تلك الجماعة التي شكلت تيارا "عميقا" في العالم العربي بعد خوضها تجارب شرسة مع الأنظمة والسلطات والحكومات في نشاطات كانت في الغالب تحت الأرض، وأحيانا فوق الأرض مستخدمة "الديموقراطية" جسرا للوصول يتم حرقه بعد العبور فورا.

لكن، ما نتغافل عنه، أو يجهله البعض، بأن جماعة الإخوان المسلمين استلمت الحكم في قطر بطريقة اختطاف السلطة من القطريين، وهذا يجعلنا أمام أخطر مواجهة مع التطرف المتخفي تحت عباءات المشيخة في تلك الإمارة الثرية والطموحة. لا تحتاج إلى أدلة كثيرة لتثبت نظرية اختطاف السلطة في قطر من قبل التيار الإسلامي الراديكالي، الذي يقوده تنظيم الإخوان المتمرس؛ فقطر لا تحتضن التيار الإسلامي كما يبدو في الظاهر، بل هي رهينة التنظيم نفسه وقد تسلل من ثغرات الطموح الإقليمي الذي شكل هاجسا للقيادة القطرية فانزلقت في متاهاته حتى ضاعت هي نفسها في حضن التنظيم الإخواني المسيطر فعليا على كل مفاصل الدولة القطرية.

لا تبدأ الحكاية من ملابسات الأزمة الخليجية الأخيرة، بل ربما تكون تلك الأزمة "بكل ملابساتها والتباساتها" تجليا من تجليات تموضع تنظيم الإخوان المسلمين في خاصرة الخليج العربي وقد سيطروا على شبه الجزيرة الغنية بالغاز والنفط.

كان واضحا منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي أن الدولة التي تتوسط مياه الخليج الدافئة بجغرافيا مميزة وبحر من الغاز الطبيعي تسعى إلى تشكل سياسة جديدة لها تتجاوز كل تلك الجغرافيا بما توهمت أنه يليق بحجم مواردها الطبيعية من الغاز، فاعتمدت مقارباتها الاستراتيجية المشاكسة وسياسات "لي الأذرع" عبر احتضان أغلب المعارضين في العالم العربي "والإسلامي"، مع احتضانها لأكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة.

ما حصل بعد ذلك، أن تنظيم الإخوان المسلمين، مع رموز من التيارات الإسلامية الراديكالية التي وفرت لهم الدوحة المقر والمستقر، تحالف مع السلطة السياسية في شبه الجزيرة القطرية، وبحنكة المجرب والعارف وبخبرة سياسية في العراك السياسي الطويل استطاع التنظيم التسلل إلى مفاصل السلطة والقيادة في قطر ضمن رؤية الدوحة السياسية "آنذاك" باحتواء التنظيم واستخدامه كأداة في تأطير دور قطر الإقليمي.

استطاع التنظيم الموهوب بالتغلغل العميق عبر تاريخه، والذي وضع معالم طريقه "سيد قطب"، أن يقلب الطاولة بعد سنوات من "التحالف الجهنمي" لينتهز فرصة ما تم تسميته بالربيع العربي مستثمرا الحنق الجماهيري والشعبي على الأنظمة المستبدة في العالم العربي، وبمباركة السلطة السياسية في قطر اختطف "من مكمنه في العمق" ثورات الربيع العربي ليختطف بعدها السلطة في قطر نفسها.

لا يمكن لأحد أن ينكر حجم نفوذ الداعية المصري "المجنس قطريا" يوسف القرضاوي في شبه الجزيرة القطرية، ولعل ما تم بثه على التلفزيون القطري أيام عيد الفطر الماضي كان رسالة واضحة تثبت نفوذ الشيخ، الذي استطاع بالمال القطري المسال أن يؤسس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ويترأسه ويستقطب إليه أغلب المؤثرين من شيوخ الدين الإسلامي في العالم، إضافة إلى ترأسه المباشر لمؤسسات دعوية عالمية مؤثرة من بينها مركز البحوث والإفتاء في أوروبا!

في الصورة الاحتفالية بعيد الفطر، يظهر الأمير القطري الشاب وقد جلس على يمين "عرشه" الشيخ القرضاوي وقد طبع الأمير "المعتد بنفسه" قبلة على جبين القرضاوي في إشارة لا تخلو من دلالات في عالم شرق أوسطي متخم بالإشارات والرموز.

تبع تلك الصورة استقالات لمستشارين أميركيين عملوا في خدمة الإمارة، وقد أوضحت "تغريداتهم" وتصريحاتهم الغاضبة حجم نفوذ الإخوان في ثنايا السلطة الحقيقية في قطر.. لقد أصبح التنظيم نفسه هو الدولة العميقة! تزامن ذلك مع تصريحات صادمة للسفير الروسي السابق في قطر، فلاديمير تيتورينكو، تحدث فيها عن حجم (نفوذ القرضاوي ـ الإخوان) إلى حد سيطرته المطلقة ـ حسب شهادة السفير ـ على محتوى ما تبثه قناة الجزيرة.

رد القرضاوي نفسه على "شهادة" السفير الروسي، ببيان أكد فيه أنه التقى السفير وناقش معه الأزمة السورية! ونفى الشيخ الداعية شهادة السفير حول سيطرته على السياسة القطرية ومحتوى الجزيرة في ذلك اللقاء السياسي.

عند كتابة هذا المقال، كان الأمير القطري يقوم بزيارة "عمل وأعمال" إلى ألمانيا الاتحادية تحت عنوان "منتدى قطر ـ ألمانيا للأعمال والاستثمار"، في ثنايا اللقاء، وخلف "سبل التعاون المشترك" تكمن تفاصيل مرصوفة إلى جهنم الأحداث في صفقات ضخمة؛ سياسيا، تتعلق بالتسوية مع إيران ودعم الاتفاق المرفوض أميركيا، و"مالية" تغذي فيها قطر قطاع الأعمال الألماني فالوفد القطري مدجج بكل صناديقه المالية والاستثمارية، و"أمنية" ـ كما رشح من معلومات ـ تتعلق بتزويد الجانب الألماني والأوروبي بملفات الجماعات الإسلامية الراديكالية التي دعمتها قطر في الحرب السورية طوال السنوات الماضية (وقد انتهت صلاحيتها)، ضمن مقابل لا يمكن الاعتقاد أنه "مالي" لدولة تعوم على أحد أكبر ثورات العالم من الغاز، وقد تكون ساحة المقايضات "إعلامية" وهي ساحة تتقن الدوحة "الإخوانية" اللعب على أوتارها بمهارة شديدة.

في المحصلة؛ لم يصل تنظيم الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في بعض الدول العربية وحسب، كما تروي الأدبيات السياسية المعروضة، فالتنظيم شكل فعليا دولته العميقة جدا في شبه الجزيرة القطرية، واختطف السلطة فيها بكل ثرواتها وإعلامها، ليضع معالم طريق "سيد قطب" خارطة طريق أكثر ذكاء وعصرية لسياسات الإمارة المختطفة.