معاينات شعرية للقضايا الإنسانية ومقهى العمر في 'بيت الشعر بالشارقة'
نظم بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة أمسية شعرية الثلاثاء الموافق 17 حزيران/يونيو 2025، شارك فيها الشعراء: د. عبدالله أبو شميس، شيماء حسن، و زكريا مصطفى، بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير البيت، وسط حضور كبير من النقاد والشعراء ومحبي الشعر، الذين امتلأ المسرح بهم، والذين تفاعلوا مع التجارب والنصوص بحماس ومحبة.
أدارت مفردات الأمسية رنا العسلي، مرحبة بالحاضرين، ورفعت أسمى آيات الشكر للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة، على ما يقدمه من أجل الثقافة العربية، كما أشادت بدور بيت الشعر في الشارقة وما يقدمه من فعاليات استطاعت استقطاب الجماهير بأداء استثنائي، وقالت: " في بيتِ الشعر الذي تحلُّ فيه أرواحُنا بفرح، نشعُرُ أن قاعاتِهِ ضفافٌ، وأن مسرحَهُ غصنٌ، وأنّ الشعراءَ عصافيرُ تغرِّد، وأنَّ الجمهورَ هو النّهر الذي يمنحُ القصيدة تدفُّقاً وحياة."
كانت البداية مع الشاعر د. عبد الله أبو شميس، الذي دارت مواضيع قصائده حول القضايا الإنسانية الراهنة، ناسجا من الألم صورا بلاغية تلامس الوجدان، ففي قصيدته " مرثية لأشياء لا تموت" يقول:
"هنـا زيتـونةٌ، وهنـاك طفلٌ
ومئـذنةٌ هنـاك، وعاشـقانِ
ونـائمة على يدهـا، فتـاةٌ
وتحلمُ: أيـن غـاب الفارسانِ؟
وحيـدٌ أنتَ، يا ابن أبي وأمّي،
وحيـدٌ مثل زهـرة بيلسـانِ
وحيـدٌ.. تقطع الدّنيـا وحيداً
وكلُّ اثنيْـنِ ضـدَّك توأمـانِ
تحاولُ أن تحاولَ... أيـن تمضي
وهذا البحـرُ ليس له موانـي؟".
أما في قصيدته "عندما تكتبون مراثينا"، فإنه يرسم صورة خارج المألوف عن غرض الرثاء، ويعلن رفض تقاليد الشعراء فيه، ومن أبياتها:
"أيّها الشّعراءْ
لا تُعيدوا الكلامَ
عن الوردِ والفجرِ والكبرياءْ
لا تُعيدوا الكلامَ القديمَ
ولا تَعِدوا أَحَداً بِاسْمِنا".
من جانبها قرأت الشاعرة شيماء الحسن مجموعة من القصائد، تناولت فيها الهم الذاتي والإنساني، وفي نصها المعنون "ما لا يباع" تغوص في تحولات الروح الإنسانية، لتستخلص معاني الحب والشوق والحنين، فقالت:
"من جمر هذا البعد يوقد عشقه
وبكل شوقٍ هزَّهُ يبنيهِ
طولُ المسافةِ مرفأٌ لحنينهِ
كأبٍ يعتّقُ حبَّهُ لبنيهِ
ويرى ابتلاءات الحياة جميعها
صفراً فرؤيته لهم تكفيهِ
تتكسّرُ الأحلامِ فوق دروبه
فيراهُ واقعه بعين فقيهِ".
كما قرأت قصيدة أخرى حملت عنوان "مجازات عشق"، تناولت مفهوم الكتابة واللغة، وعلاقتها بروح الشعر، وكان مطلعها:
"سأصوغ حرفك علّه يتسامى
مذ أن رأى حرفي وقال سلاما
حرفان من لغة التضاد تجمعا
ألِفا الخروج عن النصوص وهاما
من أدرك التأويل حرر شِعرها
وبشعرهِ سنحررُ الأقلاما
لما نعيد النص كي نزن الدجى
وهجاً فينبثق الضحى إلهاما".
واختتم القراءات في الأمسية الشاعر زكريا مصطفى، الذي قرأ قصيدة بعنوان "لقاء على طريق الكلام" ، فصاغ ببراعة صورها الشعرية، مستلهما إياها من مختلف مظاهر الطبيعة العربية، ومما جاء فيها:
"أتى من حكمة السفر الطويلِ
على الحرف المطهّم بالصهيلِ
هنالك قال للصحراء إني
أرى مطرًا على باب الفصولِ
وكسرًا للرتابة كان يرعى
عصافيرًا تثور على الحقول
حكى عن صاحبٍ يمشي وحيدًا
هوايتُه التسكّعُ في العقول
وعن نايٍ بكى ليدلَّ ماءً
مجازيًّا على الشّجر العليل".
كما ألقى نصا آخر، حمل عنوان "في مقهى العمر" ، فتح في طياته بابا يطل على أحوال الإنسان العربي المعاصر وتحدياته النفسية، فقال:
"هناك يا صاحبي في اللّيل متسعٌ
من الغموض لتنسى فجرَك الكاذبْ
ونحن أسرى لأحلامٍ مؤجلةٍ
وعاملون لدى حزنٍ بلا راتبْ
أكاد أصرخ هذا أنت يدركُني
موجٌ يفرِّق بين الخِضر والصاحبْ
هوّنْ عليك فإنّ الأمرَ ملتبسٌ
لا سرّ عندي ولا في جُبّتي راهبْ".
وفي الختام كرّم الشاعر محمد البريكي الشعراء المشاركين ومقدمة الأمسية.