معرض لفنانَيْن عالميين جمع بينهما النبوغ والموت المبكر والثورة

مؤسسة لوي فويتون في باريس تقيم معرضا استعاديا للتشكيلي الأميركي جان ميشال باسكيا والرسام النمسوي إيغون شيله الملتزمين بقضايا عميقة تتخطى قدرتهما العمرية.
شيله (1890-1918) تتخذ أعماله طابعا إباحيا فقد رسمها في زمن فرويد
باسكيا (1960-1988) تجسد لوحاته ثورة الفنانين في نيويورك في الثمانينيات
لوحات تصف النهج الوجودي عن فنانيْن من قرنين مختلفين

باريس - تقيم مؤسسة لوي فويتون في باريس معرضا استعاديا لجان ميشال باسكيا الذي تجسّد أعماله ثورة الفنانين الشباب في نيويورك في الثمانينيات، إلى جانب لوحات للرسام النمسوي إيغون شيله الذي عكس بدوره حسا ثوريا في مطلع القرن العشرين.
وتخصص مؤسسة برنار أرنو صاحب مجموعة "ال في ام اتش" للماركات الفاخرة، معرضا استعاديا يضمّ حوالى مئة عمل للفنان المولود في نيويورك (1960-1988) الذي بدأ مسيرته برسم الغرافيتي في الشوارع وتعاون لفترة من الزمن تعاونا وثيقا مع أندي وارهول قبل وفاته من جراء جرعة زائدة من المخدرات. ويستمر المعرض من الثالث من اكتوبر/تشرين الأول/أكتوبر إلى الرابع عشر من يناير/كانون الأول ويتمحور على الفورة الابداعية التي تملكته بين 1980 و1988.
وفي قاعة مجاورة للمعرض لوحات النمسوي للرسام إيغون شيله (1890-1918) الذي تتخذ أعماله طابعا إباحيا وهو قد رسمها في زمن فرويد وقت بروز مبادئ التحليل النفسي.
عاش شيليه في فيينا نهاية القرن التاسع عشر وباسكيا في نيويورك في ثمانينات القرن الماضي وقد توفّي الأول عن 28 عاما والثاني عن 27 عاما. وكان كلاهما شابين ثائرين هجرا مقاعد الدراسة تجمهما أوجه شبه متعددة، "فهما ملتزمان بقضايا تتخطى قدرتهما وأعمالهما عمقية المغزى وهما غزيرا الإنتاج وشديدا الموهبة".
وبالنسبة إلى شيله، "يقضي الرهان بمراقبة الجسد". أما بالنسبة إلى باسكيا، فمراده "كان تسليط الضوء على الشخصية السوداء"، بحسب سوزان باجيه المديرة الفنية في مؤسسة لوي فويتون.
والثورة في فيينا بالنسبة إلى شيله قائمة على الانتفاض على المعايير النمطية الأكاديمية، في وقت جلّ ما يشغل باله هو مرض الزهري الذي أصاب والده. أما باسكيا، فهو تمرّد على عالم ثقافي لا تمثيل فيه للسود.
وهو بدأ مسيرته برسوم غرافيتي تندد بالوضع القائم تكتسي طابعا فلسفيا وتحمل في طياتها تساؤلات واستفزازات.
وتتعارض أعمال باسكيا مع التيار السائد وقتها التبسيطي والمفاهيمي والواضح المعاني. وكان استياء شديد يتملّك الفنان لكنه كان في الوقت نفسه مرهف الحسّ. 

النهج الوجودي 
ديتير بوخهارت مفوض المعرض يصف أسلوبه بأنه "النهج الوجودي" وهو نهج نجده أيضا عند شيله. ويبدأ المعرض الاستعادي حول الفنان الأميركي مع ثلاثة رؤوس ضخمة اشترى أحدها العام الماضي الملياردير الياباني يوساكو ميزاوا بسعر 110,5 ملايين دولار.
وتقول سوزان باجيه "نظراتها تقتل" وهذه الرؤوس تظهر الكائن البشري "من الداخل والخارج"، بطريقة فجة كما كان يرسم شيله أجسامه المحرّفة.
في سن الثامنة تلقى باسكيا هدية من والدته القابعة في المستشفى بعد حادث مروري هي كتاب عن جسم الإنسان على ما تروي المديرة الفنية للمؤسسة ومنه استوحى الخيوط والأنابيب التي تخترق أعماله.
وينتهي المعرض على لوحة أكريليك مجردة كثيرا بعنوان "رايدينغ ذي ديث" حيث يلخص الفارس وحركاته ثلاثة أعمال رئيسية لليوناردو دا فينتشي ورامبرانت ودورر.
ويضمّن باسكيا أعماله مسامير وأكاليل شوك ما يعطيها جانبا مسيحيا.
ويتربع باسكيا راهنا على قمة سوق الفنون ويحظى بشعبية كبيرة. وتقول سوزان باجيه "كان يتمتع بثقافة واسعة ويراكم كل شيء. والشباب الذين يشعرون أنهم ينتمون إلى كل الثقافات، سيشعرون بقرب منه".
وقد ترعرع باسكيا في أوساط ميسورة في بروكلين وكان يرافق والدته إلى المتاحف إلا أن فنه كان يتحدث عن كل شيء بصراحة ومن دون مجاملة، بطريقة طفولية بعض الشيء. وتؤكد باجيه "لطالما حافظ باسكيا على تواصل مع الشارع".
ويقول الناقد الفني والمحاضر كريستيان نوربرغن الذي يتعاون مع مجلة "آرتانسيون": "لم يتوقف ليعيش حياته إلا ان انحرافاته الفنية لا نهاية لها. فباسكيا يعبر عن غضبه من كل النزعات الامتثالية التي تخنق الحياة الفعلية والعنصرية المنفرة التي تقضي على الاختلافات".