معركة شاقة مع كورونا تنتظر السودان

الحكومة السودانية الوليدة تواجه تفشي فيروس كورونا بالقليل من أجهزة التنفس والقليل من الأموال ونظام صحي منهار من ارث النظام السابق.
السودان يحتاج إلى 270 مليون دولار لمكافحة كورونا حتى يونيو
ماذا أعدّت الحكومة السودانية لمنع تفشي كورونا
الإجراءات الاحترازية لا تكفي لوحدها لهزيمة فيروس كورونا
الأطباء السودانيون يكابدون بلا تجهيزات كافية في مواجهة كورونا

دبي/الخرطوم - ببضع مئات من أجهزة التنفس الصناعي ومساعدات دولية تسير بخطوات بطيئة، تعرف الحكومة الوليدة في السودان أن بانتظارها معركة شاقة مع فيروس كورونا المستجد الذي أوقف عجلة الحياة عن الدوران في بلدان أغنى منه بكثير.

وفي الوقت الذي لا يزال فيه عدد الإصابات قليلا، يقول الأطباء إنهم قادرون على التعامل مع الوضع الراهن، لكن تسكنهم المخاوف من أن يعجز نظام الرعاية الصحية الذي يئن تحت وطأة نقص التمويل وضيق ذات اليد على مدار عقود عن تحمل المهمة الشاقة إذا قفزت الأرقام باتجاه تصاعدي.

ويشكل ذلك تحديا إضافيا للحكومة الانتقالية المؤلفة من ضباط الجيش والمدنيين والتي تجتهد بالفعل لتحقيق توازن بين الإصلاحات وطموحات السودانيين البالغ عددهم 40 مليون نسمة والذين يرغبون في التغيير بعد عزل الجيش للرئيس عمر البشير الذي حكم البلاد لثلاثة عقود.

وقال وزير الصحة أكرم علي التوم "ورثنا نظام رعاية صحية منهارا واقتصادا متأزما من النظام السابق وخيارنا الوحيد هو اتخاذ تدابير احترازية لوقف انتشار الوباء في البلاد".

وضاعف السودان ميزانية الصحة بنسبة 200 بالمئة لكن التوم قال إن الحاجة للمساعدات لا تزال قائمة، موضحا أن بلاده تحتاج إلى 120 مليون دولار لمكافحة الفيروس و150 مليون دولار لتغطية الأدوية حتى يونيو/حزيران.

وحالات الإصابة بكورونا في السودان وعددها 140، بما فيها 13 وفاة، كلها تقريبا في العاصمة الخرطوم التي تخضع الآن لإجراءات عزل عام لمدة ثلاثة أسابيع.

لكن بعض الخبراء يقدرون أن هذا الرقم لا يمثل سوى 2 بالمئة فقط من المصابين الفعليين، ذلك لأن المرضى لا يميلون للكشف إلا بعدما يشعرون بتوعك حقيقي وتعرقل محدودية الموارد إجراء اختبارات على نطاق واسع. ومع ذلك فالمجتمع الشاب نسبيا قد يجعل وطأة الوباء في السودان أخف من بعض البلدان الأخرى.

وذكر تقرير للأمم المتحدة أن وزارة الصحة تعتزم تجهيز 1433 سريرا لمرضى كوفيد-19. وقالت مصادر بوزارة الصحة إن البلاد لا تملك سوى ما بين 300 و400 جهاز تنفس صناعى يتشاركها جميع المرضى، لكن الأطباء يقولون إن هناك حوالي 200 جهاز آخر في الطريق .

ويقول عبدالحميد البشرى وهو طبيب في منشأة العلاج الرئيسية بحي جبرة بالخرطوم "في الأيام العادية في السودان، لا يمكنك العثور على جهاز للتنفس الصناعي. ستحدث كارثة. من لديهم مناعة سيعيشون ومن ليست لديهم مناعة لا يملكون سوى الدعاء".

كورونا ينضاف لقائمة أزمات تثقل كاهل الحكومة الوليدة
كورونا ينضاف لقائمة أزمات تثقل كاهل الحكومة الوليدة

وجاء الوباء في الوقت الذي يسعى فيه رئيس الوزراء المدني عبدالله حمدوك للتخلص من إرث البشير، بما فيه من تضخم سريع وفساد وحركات تمرد وعصيان مسلح، فقد خاض معركة شاقة لإنهاء الطوابير أمام منافذ بيع الخبز والوقود في ظل اقتصاد توقع صندوق النقد الدولي مؤخرا أن ينكمش بنسبة 7.2 بالمئة هذا العام.

وقالت ندى عبدالمجيد الأستاذة المساعدة في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي "الحكومة في وضع يتعين عليها فيه اتخاذ قرارات شديدة الصعوبة".

وتراجع المانحون الدوليون عن تقديم قروض ومنح للسودان، مطالبين بوضع خطة إصلاح ورفع الدعم عن الوقود الذي يستنزف حوالي 3.5 مليارات دولار سنويا.

وأرجأ المانحون المحتملون من الغرب والخليج عقد مؤتمر اقتصادي بعنوان "أصدقاء السودان" من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران ومع الوباء قد يحدث مزيد من التأخير.

وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 80 مليون يورو (86.62 مليون دولار) والولايات المتحدة بتقديم 13.7 مليون دولار للمساعدة في جهود احتواء الفيروس. ووصلت شحنتان من الإمدادات من الملياردير الصيني جاك ما.

لكن وزير الصحة السوداني يقول إن استيراد المعدات والأدوية أصبح صعبا مع إعطاء الدول أولوية لاحتياجاتها الخاصة.

وقالت جوليا بولسون رئيسة منظمة أطباء بلا حدود في السودان، إن ملايين الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات النازحين والمساكن المؤقتة، ضمن إرث النزاعات المسلحة في غرب السودان وجنوبه خلال حكم البشير، معرضون للخطر على نحو خاص نظرا لصعوبة التباعد الاجتماعي هناك.

ويقع الكثير من العبء على كاهل الأطباء الشبان مثل البشرى الذين يعملون لقاء أجر زهيد أو بدون أجر منذ سنوات. وفي عهد البشير، غادر آلاف الأطباء البلاد للعمل في الخارج.

وأدخلت الحكومة الجديدة تحسينات لكن "نظام الرعاية الصحية لم يحصل على نصيبه من الثورة" على حد قول محيي الدين حسن وهو طبيب مقيم آخر ناشط في جهود مكافحة فيروس كورونا المستجد.

ويقول بعض الأطباء إنهم يتعرضون للهجوم من قبل عائلات المرضى الذين يلومونهم على فشل نظام الرعاية الصحية وهو أمر تحاول الحكومة القضاء عليه بفرض عقوبات صارمة.

ويترتب على نقص الكمامات والمعاطف الطبية استمرار استخدام الأطباء لنفس الأدوات لساعات. وقال البشرى "تتراكم الأبخرة على النظارات الواقية حتى تتعذر الرؤية. بعض الأطباء يأتون لمدة ساعة ويشعرون بعدم الارتياح لدرجة أنهم يضطرون للمغادرة".

لكنه أضاف "لو كان الناس سيموتون، فسأكون جنديا يحمل بندقية في مواجهة عدو يحمل مدفعا رشاشا، لكنني لن أركن للجلوس في البيت".