معركة ضرب المرأة والتطور الحقوقي

عين التناقض اذ كيف تحمي وتشرعن فعلا مصنفا اصلا كجريمة. لا تستجدوا المؤسسات الدينية. بعد التغيير في القانون سنقرأ ونسمع عن ان هناك اصولا في الدين هي التي منعت الزوج من ضرب زوجته.
سنقرأ ونسمع عن وجود أصول في الدين منعت الزوج من ضرب زوجته
الانسان الحديث يجد نفسه بين شقي رحى: نصوص واضحة وتطور حقوقي في ازدياد

تطل علينا بين الحين والاخر معارك تراثية يكون أطرافها المؤسسات الدينية والوسطيون والعامة كالمثارة حاليا حول ضرب الزوج لزوجته وأنا أراها في الحقيقة معركة للحداثة ضد ممارسات القرون الوسطى. وهي معارك صحية الى حد بعيد اذا نظرنا اليها نظرة استشرافية. وبغض النظر عن تمسك المؤسسات الدينية بموقفها فان هناك اتجاهات اخرى تحاول التبرير وهذا ما يدل على ان الامر مستهجن ومشعر بالحرج لديهم لدرجة التبرير ومحاولة لي اعناق النصوص لجعل الامر اكثر تقبلا لدى انسان العصر الحديث. فنجد الكلام عن الضرب بالسواك او الضرب غير المبرح او حصر الضرب على جريمة الزنا او الحديث عن تلذذ المرأة بالضرب وكلها محاولات واهية لان الانسان الحديث يجد نفسه بين شقي الرحى. فالنصوص واضحة من جهة والتطور الحقوقي في ازدياد من جهة اخرى، والمحرك الاساسي الذي يحرك هذا الاتجاه لدفع الشبهة عن الدين هو استشعاره الحرج من فكرة العقوبة البدنية التي لا يمكن ان تمر عبر ضمير حي رغم تحفظي على لفظ العقوبة كما سيتضح لاحقا. ولكن في الحقيقة هناك سؤالا في غاية الاهمية وربما تكون أجابته حلا للإشكال.

لماذا هناك قضايا مثل ضرب الزوجة وغيرها من العقوبات البدنية التي تثير الاشكاليات الحقوقية حاليا قد اقرت منذ ازمنة القرون الاولى للتشريع ولماذا لم يستبشعها القدماء كما يستبشعها انسان العصر الحديث؟ ما الذي جعل تلك القضايا مسكوتا عنها سابقا ولماذا تثار حاليا؟

بإجابة هذه الاسئلة نصطدم بحقيقة ان تلك القضايا بوجه عام كانت مقبولة زمنا ما واما الان فقد تجاوزها الزمن وتطورنا نحو الافضل والاحسن. يجب ان نعترف بذلك لنكون موضوعيين. فباستقراء دساتير القرون القديمة والوسطى نجد ان العقوبات البدنية المستبشعة كانت عرفا مقبولا وغير مستهجن بين الناس في تلك الازمنة بل كانت طبيعية واحيانا مستحسنة حتى ان فقرات لتسلية الجمهور في الامبراطورية الرومانية كانت القاء المسيحيين للأسود تفترسهم امام الناس الذين كانوا ينتشون لتلك المشاهد ويسعدون بها، ونجد ايضا ان الات التعذيب والتي كانت تستخدم على نطاق واسع لمعاقبة المذنبين اصبحت معروضة في المتاحف الان. فمع التطور والتغير في مفهوم حقوق الانسان وارتقاء منظومة العقوبات، بل وتغير فلسفة العقوبة ذاتها اصبحت تلك القضايا مستهجنة. ولعل هذا هو ما يجعلنا نتقبل روايات وحوادث تاريخية تراثية ولكننا نرفضها عندما تجسدها داعش على ارض الواقع لذلك يجب وضع تلك الممارسات في سياقها التاريخي لنفهم اننا يجب ان نتجاوزها ويجب علينا التطور والسير مع حركة الزمن نحو الأفضل.

هذا اذا سلمنا اساسا بأحقية الزوج في انزال عقوبة ما بالزوجة وهو الامر الذي اصبح هو الاخر من ممارسات القرون المتخلفة التي كان الزوج يمتلك فيها زوجته ويتصرف بها كما يشاء. فكل انسان هو كيان مستقل بغض النظر عن جنسه او دينة او عرقة او انتمائه وله كل الحقوق وعليه كل الواجبات. وهكذا يجب ان يتحول النقاش حول الضرب الى نقاش حول ارتكاب جريمة اعتداء يعاقب عليها القانون وتقابل بالاستهجان وكما قال نصر حامد ابو زيد في كتابة "دوائر الخوف"، "ان اجتثاث ملف حقوق المرأة من ملف حقوق الانسان ومناقشته من منظور ديني فقط يطمس الجانب الاجتماعي فيه". فالمعركة مع كل الاطراف هي معركة حقوقية بحتة وليست دينية. فالمرجعية الوحيدة التي يجب ان يخضع لها الجميع هو القانون الذي يساوي بين الناس، ولكن قصور التشريع عن تغليظ عقوبات الاعتداء على المرأة والتمييز ضدها بكل أشكاله هو انعكاس للنظرة الدونية الموجودة في المجتمع. لكننا نغطي كل هذا بقشرة واهية من الحضارة وتحت شعارات التكريم نتمسح في التبرير ولي اعناق النصوص الدينية.

وعلى الرغم من ان النظرة الذكورية الابوية للمرأة قد تطورت وتغيرت بل وتختلف من عصر لعصر ومن مكان لمكان، يبدو ان المؤسسات لدينا لا تواكب العصر الا بعد إكراه كما حدث عند الغاء الرق والاتجار بالبشر من العالم وتوقيع الاتفاقيات الدولية، ومن بعد ذلك بأنا نسمع ونقرأ عن ان الدين هو أول من بدأ معركة الغاء الرق والاستعباد. لذلك فان الطريق الصحيح هو المعارك الحقوقية والقانونية. ولكن حتى الان فان هناك مادة في قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته السارية حتى الان تحمي من ارتكب فعلا مجرما اصلا ولكن كانت مرجعيته الشريعة.

ينص قانون العقوبات المصري الباب التاسع تحت عنوان "أسباب الإباحة وموانع العقاب" المادة 60 "لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة."

وهذا عين التناقض اذ كيف تحمي وتشرعن فعلا مصنفا اصلا كجريمة. هذا ما يفتح الباب لكل العنف الموجه ضد المرأة بداية من الضرب وحتى ما نسميه بجرائم الشرف وكلها جرائم تسلب المرأة حقوقها بداية من كرامتها وانتهاء بحياتها. لذلك، ولأن الحقوق تنتزع ولا تستجدى، فان المعركة الحقوقية يجب ان تخاض من اجل حماية النساء وان الحل يكمن في استصدار قوانين لحماية المرأة واعتبار كل عنف موجه ضدها جريمة والكف عن استجداء المؤسسات الدينية على ثقة بان هذه المؤسسات ستخضع للأمر الواقع بعد حين.

سوف نقرأ ونسمع بعد ذلك عن ان هناك اصولا في الدين هي التي منعت الزوج من ضرب زوجته.