معركة ليّ أذرع لكن لا مصلحة لواشنطن وطهران في الحرب

أمام تصلب الرئيس الأميركي الجديد الذي توقعت الفصائل أن يكون أكثر مرونة معها مقارنة بسلفه دونالد ترامب، ضاعف الموالون لإيران من حدة هجماتهم ضمن حملة ضغوط خدمة لطهران.
الكاظمي بات مرغما على تقديم المزيد من التنازلات للحشد الشعبي
الأميركيون لا يرغبون في حرب بينما هم بصدد الانسحاب من مناطق متعددة
الكاظمي ينفتح على إيران قبل الانتخابات التشريعية بينما يستعد لزيارة واشنطن
طهران بصدد مراجعة إستراتيجية قاسم سليماني في الشرق الأوسط

بغداد - تقف الساحتين السورية والعراقية على أعتاب تجدد دوامة العنف على ضوء التصعيد الأخير بين الولايات المتحدة وميليشيات إيران في البلدين.

وخلطت الغارات الأميركية ليل الأحد الاثنين على الحدود العراقية السورية وما أعقبها من قصف مدفعي متبادل بين مقاتلين موالين لإيران والأميركيين، الأوراق من جديد.

إلا أن الوضع الراهن على الرغم من خطورته، قد لا يتطور إلى مواجهة عسكرية فإيران تريد الخروج من حالة العزلة وتسوية ملفها النووي بما يرفع عنها العقوبات، فيما تعمل واشنطن على تقليص حروبها الخارجية.

وفاز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي، فيما حل الديمقراطي جو بايدن محلّ الجمهوري دونالد ترامب، بينما لم تتوقف إصدار الأوامر بقصف ميليشيات عراقية مسلحة موالية لطهران.

وقد أثارت الضربات الجوية الأميركية التي أوقعت قتلى في صفوف هذه الفصائل في العراق وسوريا مخاوف من تصعيد جديد بين الخصمين اللدودين. وعلى الرغم من أنهما تأملان في إحياء اتفاق عام 2015 بشأن برنامج إيران النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق (ترامب)، هل تخاطر واشنطن وطهران بمواجهة جديدة متفجرة؟

وقتل 25 مقاتلا من فصائل عراقية موالية لإيران في ضربة جوية نفذتها الولايات المتحدة نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019، أعقبها هجوم استهدف السفارة الأميركية في بغداد ونفذه الحشد الشعبي وهو تحالف من الميليشيات الشيعية التي جرى دمجها في القوات الحكومية العراقية.

وبعد ذلك، في الثالث من يناير/كانون الثاني 2020، نفذت طائرات مسيرة أميركية ضربة جوية استهدفت موكب مهندس الإستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني و نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية أبومهدي المهندس، قرب مطار بغداد أسفرت عن مقتلهما.

وأثارت تلك العملية مخاوف لفترة محدودة من اندلاع صراع مفتوح في العراق، بين حليفتي بغداد الولايات المتحدة وإيران.

وجاءت العملية ردا على تعرض المصالح الأميركية في العراق لهجمات صاروخية متكررة، فيما نفذت واشنطن ضربات ضد ميليشيات إيران في العراق تتهمها بالوقوف وراء تلك الهجمات.

وتتواصل الهجمات حاليا ضد المصالح الأميركية في العراق، لكن بأساليب تشكل تهديدا أكبر وتوقع أضرارا أكبر، لا سيما مع استخدام الطائرات المسيرة المفخخة ضد الأميركيين كما حصل في مطار أربيل، عاصمة إقليم كردستان الذي كان يعدّ حتى الآن موقعا آمنا.

وعموما، بدأت الفصائل المولية لإيران مثل الحوثيين في اليمن والفصائل المتواجدة على الحدود العراقية السورية، باعتماد تقنيات هجومية موحدة على مستوى أعلى باستخدام طائرات مسيرة إيرانية الصنع بإمكانها أحيانا الإفلات من الدفاعات الجوية الأميركية المنتشرة لردع الهجمات الصاروخية.

وقال المحلل المختص بالجماعات المسلحة العراقية حمدي مالك إن "الخطوط الحمراء بالنسبة لإدارة بايدن قد تغيرت، فلم تعد واشنطن ترد على مقتل أميركي، إنما ردها يأتي على أي تصعيد ضد قواتها خصوصا الهجمات المتطورة بالطائرات المسيرة".

وأمام تصلب الرئيس الأميركي الجديد الذي توقعت الفصائل أن يكون أكثر مرونة معها مقارنة بدونالد ترامب، ضاعف الموالون لإيران من حدة هجماتهم، فقد حذر زعيم عصائب أهل الحق أحد أبرز فصائل الحشد الشعبي العراقية، في تصريحات له مساء الثلاثاء، من أن "عمليات المقاومة انتقلت لمرحلة جديدة"، مضيفا "سننتقم للدماء الغالية لرجالنا بدماء جنود الاحتلال والعين بالعين والسن بالسن".

وارتفعت أصوات عديدة من ضمن عناصر الحشد الشعبي للدعوة إلى شن هجمات مباشرة ضد "الاحتلال". وخلال مراسم التشييع الرمزي الثلاثاء لمن قضوا في القصف الأميركي، طالب مقاتلون في الحشد قيادييهم بالتحرك.

ويرى هؤلاء أنه بات ضروريا اتخاذ خطوات عملية في هذا الصدد، فيما نددت بغداد رسميا بالقصف واعتبرته "انتهاكا لسيادتها".

وبات رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي يعتبر الحليف الأول للأميركيين في العراق، مرغما على تقديم المزيد من التنازلات للحشد الشعبي، فيما يبدو أنه يتجه للانفتاح أكثر فأكثر نحو إيران مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في أكتوبر/تشرين الأول.

وفي حين ينوي الكاظمي القيام بزيارة رسمية قريبة إلى واشنطن، بات أول مسؤول يتلقى دعوة من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يوم فوزه بالرئاسة في انتخابات 18 يونيو/حزيرانلزيارة طهران.

ويطمئن خبراء بأن كل الأطراف حتى الآن تحاول إظهار قوتها ورسم حدود للخصم، فلا توجد مصلحة لأي منها بتفجير الأوضاع، غير أنها وفي الوقت ذاته مرغمة على مواصلة التصعيد الكلامي ومقابلته بأفعال ملموسة من أجل إعادة ترتيب توازن القوى في ما بينها.

وقد أخذت إدارة بايدن "وقتها في الرد" على مقتل المتعاقدين الأميركيين في العراق مطلع العام وعلى هجمات الطائرات المسيرة المفخخة ضد مصالحها في البلاد، كما أوضح دبلوماسي غربي، مضيفا أن "حاليا، بات ممكنا أن يتجه جو بايدن نحو المزيد من التصعيد".

وعلى الرغم من المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران حول الملف النووي الإيراني في فيينا، لكن "يبدو أن بايدن يميز بين طاولة المفاوضات وبين هذه الفصائل التي تضغط لتحسين شروط التفاوض لصالح إيران"، كما يوضح الباحث في الشؤون السياسية العراقية إحسان الشمري.

ويرى حمدي مالك أنه وبالنتيجة "وعلى الرغم من أن إيران تشجع المجموعات المسلحة العراقية على مواصلة هجمات محدودة ضد الأميركيين، لكنها لا تريد حربا حقيقة".

ويظهر أيضا أن الأميركيين لا يرغبون كذلك في مثل هذه الحرب، فهم بصدد الانسحاب من مناطق متعددة ويريدون كذلك تقليص عدد قواتهم في الخارج لا سيما في العراق.