مفارقات انتخابات لبنان النيابية

الغاضب من واقعه غير قادر على التغيير او حتى التعبير عما يجول في خلده.
البرلمان القادم يواجه الاستحقاقات الملحة للإصلاح الاقتصادي والمالي
منسوب منخفض من الحماس الانتخابي يعم مختلف الشرائح اللبنانية

انطلقت الانتخابات النيابية اللبنانية في ظروف هي الأشد قسوة في تاريخ لبنان الحديث، وعلى الرغم من ان هذه الظروف لا تعتبر سابقة في الحياة السياسية والانتخابية، الا ان جميع من يشارك فيها يعلق آمالا كبيرة على متغيرات وتداعيات يمكن ان ترسم وجها آخرا لصورة لبنان القادمة. ورغم الحراك الداخلي والخارجي لاجرائها، فثمة من يتخوّف من عدم اجرائها في اللحظة الأخيرة رغم انطلاقتها المبدئية في القسم المتعلق بانتخابات المهاجرين اللبنانيين.
والمفارقة في هذه الانتحابات تحديدا انها تجرى وفقا لنظام انتخابي نسبي هجين الكل طالب به سابقا، والكل وجه أسهمه واعتراضاته عليه لاحقا، ورغم انه جُرب في انتخابات 2018، الا ان كثيرا من الانتقادات التي وجهت اليه ولم يتمكن احد من تعديله او تبديله بنظام آخر. والمفارقة الأخرى في هذا المجال ان طبيعة الصعوبات التي تحيط بالعملية الانتخابية تجعل من تفاصيل اجرائها وتنفيذها امرا دونه عقبات كثيرة، فالمواطن على سبيل المثال الذي سيشارك في العملية الانتخابية سيجد صعوبات هائلة في عملية تنقله اقله لجهة الكلفة المادية التي يمكن ان تصل الى ما يوازي راتبه الشهري، الامر الذي سيؤدي الى احجام الكثيرين عن ذلك، علاوة على منسوب الحماس المنخفض الذي يعم مختلف الشرائح اللبنانية الناجم عن عدم الايمان بالقدرة على التغيير للطاقم السياسي الحاكم منذ ثلاثة عقود والذي يعتبر بنظر الكثيرين المسؤول عما وصلت اليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
ثمة انقسام عامودي وشرخ كبير في الرؤى للواقع القائم وكيفية تجاوزه والخروج منه ولو عبر إعادة تكوين السلطة بالانتخابات وهي الطريقة الأمثل لكنها غير الممكنة عمليا في لبنان، اذ ان مختلف الشرائح السياسية التي ترشحت للانتخابات هي نفسها او ورثتها السياسية والطائفية، وبالتالي ستكون النتائج متطابقة مع واقع لن يختلف عما سبقه، سيما وان البرامج الانتخابية بعيدة عن حاجات ومتطلبات المواطنين لا سيما الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والحاجات الماسة المتصلة بحياتهم اليومية الأساسية.
في المقلب السياسي الاجتماعي الآخر ثمة مقاطعة واسعة من بعض الشرائح الوازنة في الحياة السياسية اللبنانية وغيابها سيشكل مشكلة لجهة غياب الميثاقية الوطنية في حال توسعت عمليات المقاطعة بفعل الاعتراض او عدم القدرة على الجذب والمشاركة او غيرها من الأسباب التي يمكن ان تصل الى حد الطعن في الانتخابات ونتائجها.
علاوة على ذلك، ثمة خوف  وعدم اطمئنان كبيرين من قبل كافة الأطراف المشاركة وحتى المقاطعة من عدم قدرتها على التأثير المباشر في النتائج الحاسمة، وبالتالي إمكانية تحقيقها للاغلبية الموصوفة عبر التحالفات او المطلقة حتى، وبالتالي بقاء المجلس القادم مشتت القوى غير قادر على تمرير أي رؤية تغييرية. فالاستحقاق الذي سيلي الانتخابات النيابية سيكون انتخاباب رئيس للجمهورية بعد خمسة شهور أي في فترة انطلاقة المجلس النيابي الذي سيتوجب عليه ان يكون قادرا على التوصل للاتفاق على شخصية الرئيس وبرنامجه في وقت شكلت الانتخابات الرئاسية محطة دائمة للاختلاف وصولا الى مراحل فراغ رئاسي كما حصل لثلاث محطات خلت بعد كل من الرئيس امين الجميل واميل لحود وميشال سليمان.
 ومن ابرز ما ينتظر المجلس القادم استحقاقات بالغة الأهمية من بينها مشاريع الإصلاح الاقتصادي والمالي التي تطلبها المنظمات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي الدي اشترط من حيث المبدأ القيام بجملة إصلاحات منذ سنوات ولم ينفذ منها شيئا، الامر الذي حرم لبنان مشاريع مساعدات هو بأمس الحاجة اليها في ظل انهيار مالي شامل وخطير.
لبنان على موعد داهم مع انتخابات يعتبرها كثيرون انها ستكون فاصلة، لكنها في واقع الامر وقياسا على انتخابات سابقة وفي ظروف مماثلة لن يكون حجم التغيير متوافقا مع تطلعات معظم اللبنانيين، وهي مفارقة عجيبة غربية ان يكون المتململ من واقعه غير قادر على التغيير او التعبير عما يجول في خلده، انها فعلا مفارقة بحد ذاتها لن يتمكن أحدا من حل احجيتها!