مفارقات انتخاب رئاسة الجمهورية اللبنانية

الاستثناء هو القاعدة في انتخابات الرئاسة في لبنان.
بشير الجميل هو الرئيس المنتخب الذي اغتيل قبل ان يتسلم سلطاته الدستورية
اربع رؤساء للجمهورية انتخبوا بعد توليهم قيادة الجيش، اثنان منهم انتهت ولايتهم بفراغ

لطالما شكلت انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان معضلة في الحياة السياسية في مختلف الحقب، ذلك بالنظر لارتباط الموضوع بالعديد من القضايا الداخلية والخارجية. وتكاد لا تستثنى عملية انتخاب من مفارقات تتكرر بشكل مستمر حتى يصبح الاستثناء قاعدة يقاس ويبنى عليها. فدستوريا يشكل الأول من سبتمبر/أيلول القادم بداية المهلة الدستورية ليتحول مجلس النواب الى هيئة ناخبة للرئيس، في وقت هناك حكومة تصريف اعمال ولا افق لتشكيل حكومة تتسلم السلطة وكالة في حال لم يتم انتخاب رئيس وهو الامر الأكثر ترجيحا.

ثمة اربع عشرة رئيسا تم انتخابهم منذ العام 1943، ولكل حالة صفات ومميزات تختلف عن الأخرى، رغم وجود الكثير من حالات التشابه، كحالات التأثير الخارجي او التمديد او الانقسام العامودي والوصول الى حالة الفراغ في سدة الرئاسة. وتشكل حالة التمديد مثلا شائعا بدأ مع الرئيس الأول بشارة الخوري والذي لم يتمكن من اكمال ولايته الثانية الممددة فاستقال في نصفها بعد ثورة بيضاء أوصلت الرئيس كميل شمعون للرئاسة، الذي انهى ولايته بحرب أهلية في العام 1958 نتيجة الانقسام اللبناني الحاد حول العديد من قضايا السياسة الخارجية ابرزها الموقف من العدوان الثلاثي على مصر وتداعيته الداخلية والعربية.

لقد انتخب قائد الجيش آنذاك العماد فؤاد شهاب ضمن تسوية داخلية عربية كان لمصر اثر واضح فيها، ومفارقة الرئيس شهاب انه الوحيد الذي رفض التجديد او التمديد له رغم اجماع القوى اللبنانية على ذلك نظرا لبصماته قي بناء دولة المؤسسات والقانون. خلفه في الرئاسة الرئيس شارل حلو الذي اعتبر وريث الشهابية رغم افتراقه عنها في نهاية ولايته التي شهدت احداثا عربية ضاغطة كحرب 1967 وبداية انتقال المقاومة الفلسطينية الى لبنان واتفاق القاهرة الذي نظم ذلك الانتقال. وفي محاولة لابعاد الشهابية عن الرئاسة تم انتخاب الرئيس سليمان فرنجية بفارق صوت واحد فقط ضد مرشح الشهابية الياس سركيس، حيث كان لصوت زعيم الحركة الوطنية اللبنانية كمال جنبلاط الكلمة الفصل في ذلك، مفارقة الرئيس فرنجية ان قبل نهاية عهده بستة اشهر جرى انتخاب الرئيس الشهابي الياس سركيس برعاية سورية، وهي سابقة لم تتكرر في عمليات الانتخاب اللاحقة.

اما الرئيس المنتخب الذي اغتيل قبل ان يتسلم سلطاته الدستورية فكان بشير الجميل الذي انتخب خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، والذي خلفه شقيقه الرئيس امين الجميل الذي شهد عهده احداثا داخلية قاتمة ولم يتمكن مجلس النواب في نهاية عهده من انتخاب رئيس جديد، فتم تعيين قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون على رأس حكومة عسكرية بمواجهة حكومة الرئيس سليم الحص المستقيلة آنذاك. استمر فراغ الرئاسة الأولى الى حين انجاز اتفاق الطائف والذي تم انتخاب الرئيس رينيه معوض الذي اغتيل بعد اقل من شهر على انتخابه ليكون الرئيس الثاني الذي يغتال بعد الانتخاب. خلفه في سدة الرئاسة الرئيس الياس الهراوي الذي مدد له نصف ولاية وانتهت بانتخاب قائد الجيش العماد اميل لحود وهو القائد الثالث للجيش الذي ينتخب رئيسا والثالث الذي مددت ولايته ثلاث سنوات، انتهت بفراغ رئاسي وانقسام عامودي، حيث تم انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان بعد اتفاق الدوحة والذي انتهى عهده بفراغ رئاسي، انتخب بعده العماد ميشال عون رئيسا ضمن تسوية إقليمية ودولية.

اربع رؤساء للجمهورية انتخبوا بعد توليهم قيادة الجيش، اثنان منهم انتهت ولايتهم بفراغ في سدة الرئاسة وثمة مؤشرات قوية على فراغ رئاسي بعد ولاية الرئيس العماد عون. اثنان من الرؤساء تم اغتيالهم، الأول قبل تسلم مهامه والثاني بعد اقل من شهر من ولايته. يتشارك جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم بتسويات داخلية وخارجية لوصولهم لسدة الرئاسة، كما ساد معظم ولايات الرؤساء احداث وحروب داخلية ذات ابعاد خارجية باستثناء ولاية الرئيس فؤاد شهاب نسبيا، في 21 سبتمبر/أيلول تم تعيين حكومة عسكرية برئاسة العماد ميشال عون بمواجهة حكومة مستقيلة. فهل تنتهي الأمور في 31 اكتوبر/تشرين الأول بحكومة تواجه الحكومة المستقبلة حاليا؟ ثمة مؤشرات تعزز هذه الفرضية بين سيناريوهات متعددة مطروحة اليوم.