مقابل دعم عسكري، حكومة بورتسودان تفتح الباب لتمدد روسي أوسع
الخرطوم/موسكو – أمنت حكومة الأمر الواقع في السودان من خلال عدة اتفاقيات وقعتها مع موسكو، موطئ قدم ثابت للروس مقابل الحصول على دعم عسكري من شأنه أن يضمن للجيش السوداني تحقيق المزيد من المكاسب الميدانية في مواجهة قوات الدعم السريع التي خسرت في الفترة الأخيرة مناطق استراتيجية كانت تحت سيطرتها.
ووجدت روسيا التي استغلت الفراغات الأمنية والعسكرية التي خلفها الانسحاب الفرنسي الأوروبي من بعض الدول الافريقية، فرصة مواتية لتعزيز تمددها. وفتحت لها الأزمة القائمة في السودان طريقا سالكة لتثبيت وتوسيع وجودها العسكري من بوابة الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية.
وقد أثارت تلك الاتفاقيات جدلا واسعا في الساحة السودانية المتوترة، بينما تعثرت الجهود الإقليمية والدولية في إيجاد مخرج للأزمة ودفع طرفي القتال إلى طاولة الحوار لإنهاء الحرب الأهلية التي تسببت في أحد أكبر الأزمات الإنسانية في القارة الافريقية.
وشملت الاتفاقيات وفق ما هو معلن من قبل الحكومة السودانية والجانب الروسي، إقامة قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر وهي منطقة تكتسي أهمية جيوستراتيجية بالغة بالنسبة للروس، بينما يثير التقارب الروسي السوداني مخاوف قوى دولية منافسة لموسكو، من تأجيج الصراع من جهة وتوسع الوجود الروسي في المنطقة من جهة أخرى.
وفي مقابلة مع موقع إذاعة مونت كارلو الدولية، كشف وزير الدفاع السوداني الفريق ياسين إبراهيم وقبله وزير الخارجية علي يوسف شريف عن حزمة الاتفاقيات مع روسيا وتفاصيلها من بينها انشاء نقطة الدعم المادي والفني للأسطول الحربي الروسي، فيما قالا إنه جرى مناقشة الاتفاقيات في العام 2019، لكن عرضها على البرلمان تعثر بسبب الأحداث التي شهدتها البلاد.
وبحسب المصدر ذاته، أوضح شريف في ختام جولة محادثات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف أن موسكو والخرطوم اتفقتا على كل التفاصيل حول انشاء قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر وأن الاتفاق يسمح بحرية أوسع لحركة السفن الروسية وبوجود 4 سفن تابعة للأسطول الروسي في القاعدة مع نشر نحو 300 عسكري روسي.
وفي مقابل ذلك ستتولى موسكو دعم الجيش السوداني بالأسلحة وما يحتاجه من معدات حربية وهو ما يعني عمليا مساعدة القوات السودانية في مواجهة قوات الدعم السريع في أوج الصراع بين طرفي الحرب.
وكان يمكن لهذه الاتفاقيات أن تكون في اطار التعاون بين البلدين، لكن توقيتها الراهن يشير إلى تدخل روسي في الأزمة بما يقوض كل المساعي الإقليمية والدولية الرامية لإنهاء النزاع المسلح كما يثير حفيظة الولايات المتحدة التي تنظر بعين الريبة للتحركات الروسية في عموم افريقيا.
وأكد وزير الدفاع السوداني من جهته أن الاتفاقيات تضمن تبسيط إجراءات حركة ودخول السفن الروسية للموانئ السودانية وأن روسيا كانت من أوائل الدول التي دعمت "الحكومة الشرعية" في إشارة إلى حكومة الأمر الواقع بقيادة مجلس السيادة، مضيفا أن انشاء نقطة الدعم المادي والفني للأسطول الحربي الروسي، سيساعد في مكافحة الإرهاب وتطوير القوات المسلحة السودانية.
ومن الواضح أن روسيا تريد إيجاد موطئ قدم في الساحل الافريقي تمهيدا لتمدد عسكري أوسع بما يشمل انشاء مركز إقليمي في افريقيا وقد مهدت لذلك من خلال نشر عناصر من مجموعة فاغنر شبه العسكرية في دول افريقية بعد إعادة تأهيلها، بينما تعمل أيضا على استثمار تقاربها مع السودان للاستثمار في قطاعات اقتصادية حيوية من بينها التعدين ومناجم الذهب والطاقة وهي قطاعات تعمل الصين المنافس الرئيسي للولايات المتحدة وفرنسا، على الاستحواذ عليها.
ويمكن لموسكو إيجاد صيغة تفاهم مع بكين لتقاسم الاستثمارات في هذه القطاعات الحيوية في مواجهة القوى الغربية الأخرى التي تريد بدورها تعزيز وجودها الاستثماري والاقتصادي في السودان ودول افريقية أخرى.
ومن المتوقع أن تتعاطى الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب بشدة مع فتح حكومة الأمر الواقع الباب للتمدد الروسي ومن بين الإجراءات التي قد تتخذها عقوبات أشد صرامة بحق قيادة مجلس السيادة الذي شملته اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ومن الواضح أن لعبة المصالح ستحدد مسار العلاقات الغربية السودانية وإلى أي مدى يمكن أن تذهب واشنطن وحلفاؤها في الضغط على حكومة الأمر الواقع وقواتها المسلحة.
وإلى حد الآن لم تظهر مؤشرات واضحة حول الخلافات داخل مجلس القيادة في ما يتعلق بتحديد أي معسكر يمكن يتعامل معه الأخير، لكن تقارير متطابقة تحدثت عن ضغوط يتعرض لها رئيس المجلس عبدالفتاح البرهان لتعزيز الانخراط في المحور الروسي الصيني.
وفي الوقت ذاته يخشى البرهان من أن يؤدي ذلك إلى مفاقمة عزلته الدولية، بينما من المرجح أن يستثمر الاتفاق مع روسيا للحصول على أسلحة تساعده على قلب موازين القوى لصالحه خاصة مع تحقيق قواته انتصارات ميدانية في الفترة الأخيرة ما كان ليحققها لولا حصوله على أسلحة من جهات أجنبية من بينها إيران.
وكانت تقارير أميركية قد أكدت حصول القوات السودانية على مسيّرات من إيران كان لها الفضل في تحقيق مكاسب ميدانية ودفع قوات الدعم السريع للتخلي عن بعض المواقع الاستراتيجية، في انسحابات عزتها لمراجعات وحسابات تكتيكية.