مقتل البغدادي ضربة قاصمة لتنظيم داعش لكنها لا تنهيه

خبر مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية سيدفع حتما القادة الآخرين الذين اعتادو العيش في السرية للخروج والتدبير لتخطي هذه الخسارة باعتداءات انتقامية في الشرق الأوسط.
فرنسا تؤكد على أن الحرب مستمرة لإنهاء داعش نهائيا
تحذيرات من أن داعش لا يزال يشكل تهديدا حقيقيا عبر خلاياه النائمة المنتشرة حول العالم
'قسد' تعلن عن مقتل المتحدث باسم البغدادي أبوحسن المهاجر

العراق - يشكل مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي ضربة قاسية للتنظيم الذي سيطر في وقت من الأوقات على مناطق شاسعة تمتد بين سوريا والعراق، غير أن خبراء يرون أن هذا لا يعني زوال خطر الجهاديين الذين أثبتوا قدرتهم على الصمود والاستمرار.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الأحد أنّ مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي "ضربة موجعة لداعش، ولكنّها لا تمثّل سوى مرحلة"، مضيفاً أنّ إلحاق الهزيمة النهائية بالتنظيم يعدّ "أولوية" فرنسا.

وكتب الرئيس الفرنسي على صفحته في موقع تويتر أنّ "مقتل البغدادي ضربة موجعة لداعش، ولكنّها لا تمثل سوى مرحلة، فالمعركة مستمرة إلى جانب شركائنا في التحالف الدولي حتى هزيمة التنظيم الإرهابي نهائياً. هذه أولويتنا في المشرق"

من جانبها قالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي "نهنأ حلفاءنا الأميركيين على العملية"، لافتة إلى "مواصلة القتال من دون هوادة ضدّ التنظيم".

وقالت على موقع تويتر إنّه "تقاعد مبكر لإرهابي، ولكن ليس لتنظيمه".

ويعدّ البغدادي المطلوب الأول في العالم إذ يعتبر مسؤولا عن العديد من الفظاعات والجرائم المرتكبة في العراق وسوريا والاعتداءات الدامية في دول عدة.

وأصبح أيضاً في مرمى القضاء الفرنسي، بعد خمس سنوات على موجة الاعتداءات الدموية المستوحاة من أعمال تنظيم الدولة الإسلامية أو تبناها مباشرة، خاصة اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 (130 قتيلاً وأكثر من 350 جريحاً في باريس وسان-دوني).

وقرر قضاة مكافحة الإرهاب في باريس في بداية أكتوبر/تشرين الأول فتح تحقيق جديد ضد البغدادي، وصدرت بحقه مذكرة توقيف دولية.

بدوره رحب وزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان بـ"الضربة القوية التي تلقاها داعش بعد هزيمته ميدانياً".

وقال لودريان بعد لقاء نظيره الإماراتي في أبوظبي، إنّ "ما حصل ينبغي أن يشجعنا على مواصلة جهودنا للقضاء على الإرهاب، والترحيب بالجهد الأميركي وجهد التحالف الدولي ضد داعش والذي لم ينه عمله".

وبعد أن كان أنصار التنظيم المتطرف يواجهون في وقت من الأوقات جيوشا، أصبحوا في السنوات الأخيرة يشنون هجمات على غرار حرب العصابات وعمليات انتحارية. وفي بعض الحالات أعلن التنظيم مسؤوليته عن فظائع مثل تفجيرات سريلانكا في ابريل نيسان والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 250 شخصا.

ولا يتأكد على الدوام ضلوع التنظيم في الهجمات لكن حتى إذا كانت الصلة تتعلق بالأفكار العقائدية لا بالجوانب العملية فلا يزال التنظيم يعتبر مصدر تهديد أمني في العديد من الدول حول العالم، ما يؤكد انتشار خلاياه النائمة في جميع انحاء العالم.

ويحذر الخبراء من أن قادة التنظيم الآخرين في سوريا والعراق الذين اعتادوا العيش في السرية، قادرون حتما على تخطي هذه الخسارة والاستمرار في تدبير أو تشجيع اعتداءات في الشرق الأوسط والعالم بأسره.

ويرى الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس جان بيار فيليو أن مقتل البغدادي "يشكل ضربة فظيعة لتنظيم أُعلن عليه عام 2014، لكن ليس من المؤكد أن مثل هذه الخسارة الرمزية تشكل ضربة في الصميم لقيادة لداعش التي باتت منذ زمن طويل موكلة إلى محترفين متمرسين".

وأضاف  "من هذا المنطلق قد تكون وطأة هذه الخسارة مستقبلا أقل من وطأة تصفية أسامة بن لادن على تنظيم القاعدة".

وتبقى هيكلية قيادة تنظيم الدولة الإسلامية سرية إلى حد بعيد، وهي تضم في قسم منها قادة سابقين في الجيش أو أجهزة الاستخبارات العراقية من عهد صدام حسين، التقاهم أبو بكر البغدادي أثناء اعتقاله عام 2003 في سجن كمب بوكا الأميركي في العراق.

ففي هذا المعتقل الضخم الذي لقب لاحقا بـ"جامعة الجهاد"، أقام البغدادي الذي لم يكن في ذلك الحين سوى زعيم مجموعة جهادية صغيرة، علاقات مكنته بعد سنوات من فرض نفسه كقيادي للمقاتلين السنة المتطرفين مبايعا تنظيم القاعدة أولا، ثم بالابتعاد عن تنظيم أسامة بن لادن لإقامة تنظيم الدولة الإسلامية.

ويرى الباحث هشام الهاشمي أحد أكبر الاختصاصيين في التنظيمات الجهادية في المنطقة، "الأرجح أن مقتل البغدادي سيقود إلى فترة صمت وتوقف في الهجمات الإرهابية، كما حصل بعد قتل أبو عمر البغدادي"، زعيم تنظيم القاعدة في العراق الذي انبثق عنه تنظيم الدولة الإسلامية عندما قتل عام 2010.

ويقول الهاشمي "إنه في ذلك الحين احتاجت القاعدة إلى أربعة أشهر لإعادة تفعيل عملياتها".

ويتابع "أعتقد أن الخلافة أفلتت من أيدي العراقيين"، مرجحا أن تعود "إلى تونسي أو شخص من شبه الجزيرة العربية".

ورأت مديرة موقع مجموعة 'سايت' الأميركية لمراقبة الحركات الجهادية ريتا كاتز الأحد في سلسلة تغريدات على موقع تويتر، أن "مقتل البغدادي في حال تأكد، سيشكل ضربة فظيعة لتنظيم الدولة الإسلامية وشبكته".

لكنها حذرت من أن "التاريخ علمنا بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي وغيره من القادة أن الحركة قادرة على الصمود على صعيد العمليات وستبني على مقتل البغدادي للتجنيد والدعوة إلى اعتداءات جديدة".

وتابعت كاتز "سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف ومتى سيرد تنظيم الدولة الإسلامية على مقتله، في حين لم يصدر عنه حتى الآن أي رد فعل"، مشيرة إلى أن "التنظيم لم يعين يوما خلفا محتملا ولم يعرّف يوما بشكل رسمي عن قادته لأسباب أمنية، باستثناء المتحدث باسمه أبو حسن مهاجر الذي تبقى هويته الحقيقية مجهولة".

وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية قبل قليل مقتل المتحدث باسم التنظيم المتطرف أبو حسن المهاجر في "عملية جديدة" في شمال سوريا.

وأوضحت كاتز أن "المواقع المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية تقول الأحد أنه حتى لو كان النبأ صحيحا، فإن الجهاد مستمر، معتبرة أن البغدادي حقق هدف الجهاد الأخير الموت شهيدا. ورواد الإنترنت المناصرون لتنظيم الدولة الإسلامية يشبهون مقتله بمقتل قادة جهاديين مثل أسامة بن لادن أو الزرقاوي".

الخبراء يرجحون أن الخلافة التي أفلتت اليوم من العراق ستعود حتما إلى شخص من شبه الجزيرة العربية، مثلما حصل بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة الذي انبثق عنه تنظيم داعش

وكان ترامب قد أعلن في وقت سابق اليوم الأحد مقتل البغدادي في غارة نفذتها القوات الخاصة الأمريكية في شمال غرب سوريا، موجها الشكر لروسيا وتركيا وسوريا والعراق على ما قدمته هذه البلدان من دعم.

لكن وكالة الإعلام الروسية نقلت عن وزارة الدفاع قولها "إن لا علم لديها بشأن مزاعم تقديم روسيا مساعدة للقوات الجوية الأميركية في عملية قتل البغدادي".

ونقلت الوكالة عن الميجر جنرال إيجور كوناشينكوف قوله "لا علم لدينا بشأن المساعدة المزعومة التي سمحت للطيران الأميركي بالتحليق في المجال الجوي لمنطقة خفض التصعيد في إدلب خلال هذه العملية".

من جانبه اعتبر رئيس الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي البغدادي على يد قوة أميركية خاصة، "انتصارا للاستخبارات العراقية".

وقال عبدالمهدي في بيان إنه "بعد أن تمكن إخوانكم في القوات المسلحة من هزيمة داعش عسكريا واستئصال وجوده من مناطق العراق، يستكمل اليوم جهاز المخابرات الوطني العراقي هذا الإنجاز بنصر استخباري نوعي أطاح من خلاله بزعيم داعش الإرهابي".

وأضاف أن هذا النصر تحقق في ضوء "متابعة استخبارية مشتركة وتوجيهات مباشرة" منه، والتي كان لها "الدور الكبير في تعّقب البغدادي في عملية نوعية بدأت منذ شهر يونيو/حزيران من العام الماضي".

وأوضح رئيس الحكومة العراقية أن عملية التعقب "أسفرت عن إلقاء القبض على ناقلين ومقربين من عائلة البغدادي، أسهمت في الوصول إلى المكان الذي يتواجد فيه داخل الأراضي السورية".

وأشار إلى إسهام "مجلس القضاء الأعلى (العراقي) في التحقيق وكشف الحقائق مع المعتقلين المقربين من قيادات داعش"، موجهاً الشكر إلى ضباط جهاز المخابرات العراقي الذين ساهموا في هذا نجاح العملية.

وقالت خلية الإعلام الأمني التابعة لوزارة الدفاع العراقية، "إن الاستخبارات العراقية هي من قدمت إلى الأميركيين المعلومات الدقيقة عن مكان تواجد البغدادي في سوريا".

وولد البغدادي واسمه الحقيقي ابراهيم عواد البدري في العام 1971 وكان مولعا بكرة القدم، ويطمح أن يصبح محاميا، لكن نتائجه الدراسية لم تسمح له بدخول كلية الحقوق.

أبدى أيضا طموحا للالتحاق بالسلك العسكري، لكن ضعف بصره حال دون ذلك، فقادته الأمور في نهاية المطاف إلى الدراسات الدينية في بغداد قبل ان يصبح إماما في العاصمة العراقية في عهد الرئيس السابق صدام حسين.

وطوال حياته التي تبقى طي السرية، لم يقم سوى بظهور علني واحد دخل التاريخ، حين ألقى خطابا في تموز/يوليو 2014 نصب نفسه فيه “خليفة” داعيا المسلمين في العالم إلى مبايعته.