مقتل "غنيوة" يعزز نفوذ الميليشيات المتحالفة مع الدبيبة

توطيد السلطة في طرابلس من شأنه أن يعزز من قوة الدبيبة بعد محاولات متكررة لاستبداله بالقوة على مدى السنوات الماضية.

طرابلس - أدى مقتل قائد إحدى الجماعات المسلحة التي تحظى بالنفوذ في العاصمة الليبية مساء الاثنين إلى اندلاع اشتباكات عنيفة استمرت لساعات وطرد جماعته من معقلها الرئيسي، وهو ما قد يؤدي إلى تعزيز نفوذ ميليشيات متحالفة مع حكومة طرابلس التي يواجه رئيسها عبدالحميد الدبيبة اتهامات بالفشل في وضع حد لفوضى السلاح وغض الطرف عن الانتهاكات التي ترتكبها الفصائل بهدف البقاء في السلطة.

ويمكن أيضا أن يكون لمقتل عبدالغني الككلي، الذي كان يسيطر على مساحات شاسعة من طرابلس على مدى سنوات، تداعيات على استقرار نطاق أوسع من المنطقة.

وكان الككلي، المعروف باسم "غنيوة"، رئيسا لجهاز دعم الاستقرار، وهو من الجماعات المسلحة القوية في طرابلس المتمركزة في منطقة أبوسليم المكتظة بالسكان.

وليبيا من البلدان الرئيسية المصدرة للطاقة، وتشهد انقساما منذ فترة طويلة بين فصائل شرقية وغربية متنافسة. وهي نقطة انطلاق للمهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط إلى أوروبا وساحة معارك لقوى متنافسة في المنطقة. واجتذب الصراع روسيا وتركيا ومصر.

وبعد مقتل الككلي، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية استكمال عملية أمنية ضد ما سماه رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة جماعات مسلحة غير نظامية.

وأدار المسلحون الموالون لغنيوة سجونا وشغلوا مناصب في وزارات ومؤسسات مالية حكومية. وقال طارق المجريسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "كان الككلي ملك طرابلس بحكم الأمر الواقع إذ سيطر بعض أتباعه على جهاز الأمن الداخلي بينما فرض أتباع آخرون سيطرتهم على توزيع التحويلات النقدية من البنك المركزي. كما كانوا يسيطرون على العديد من الشركات العامة والوزارات".

ومن شأن توطيد السلطة في طرابلس أن يعزز من قوة الدبيبة، حليف تركيا ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، بعد محاولات متكررة لاستبداله بالقوة على مدى السنوات الماضية، ويدعم أيضا موقفه في المواجهة الشاملة مع فصائل شرق ليبيا.

وبعد تصاعد التوتر بين ميليشيات مسلحة في ساعة متأخرة من مساء الاثنين، انتشرت صور على الإنترنت تظهر جثة الككلي ملطخة بالدماء ومسدسا إلى جانبها.

الدبيبة قائد محبط اضطر للتعايش مع منافسيه داخل طرابلس

وتمكنت فصائل تابعة لحكومة الوحدة الوطنية بقيادة الدبيبة من الاستيلاء سريعا على الأراضي والقواعد التي سيطرت عليها جماعة جهاز دعم الاستقرار برئاسة الككلي منذ فترة طويلة. ومن بين الأراضي منطقة أبو سليم، معقل الجماعة.

ومع سقوط غنيوة، ربما تكتسب الفصائل التي تنضوي تحت لواء وزارة الدفاع والمتحالفة مع الدبيبة دورا أكبر، ولا سيما اللواء 444 بقيادة محمود حمزة واللواء 111 وقوة العمليات المشتركة من مصراتة.

وربما يؤدي توحيد حلفاء الدبيبة إلى أن يصبح غرب ليبيا أشبه بالشرق حيث استولى القائد خليفة حفتر على السلطة قبل عشر سنوات بعد أن قضى على منافسيه وأجبر الجماعات الأخرى على الخضوع لسيطرته.

وقال عماد الدين بادي الباحث بالمجلس الأطلسي "هذا يمهد الطريق لمستويات غير مسبوقة من السيطرة على الأراضي في طرابلس والحد من عدد الجماعات المسلحة".

ولم تشهد ليبيا استقرارا يُذكر منذ انتفاضة 2011 التي دعمها حلف شمال الأطلسي. وانقسمت البلاد في 2014 بين طرفين متناحرين أحدهما في الشرق والآخر في الغرب. وبينما وحّد حفتر الجماعات في الشرق، ظلت السيطرة في طرابلس في الغرب مجزأة بين جماعات مسلحة متنافسة.

وعُين الدبيبة رئيسا للوزراء عام 2021 في إطار عملية مدعومة من الأمم المتحدة سعت في نهاية المطاف إلى إجراء انتخابات في وقت لاحق من ذلك العام. لكن العملية الانتخابية انهارت، واستمر في السلطة رغم معارضة البرلمان المتمركز في شرق البلاد.

وفشلت عدة محاولات للإطاحة بالدبيبة بالقوة بعد اشتباكات في طرابلس. وقبل عامين نجحت جماعات متحالفة معه في الإطاحة بفصيل مسلح رئيسي آخر هو كتيبة النواصي.

وقال جلال حرشاوي من المعهد الملكي للخدمات المتحدة "الدبيبة قائد محبط اضطر للتعايش مع منافسيه داخل طرابلس. إنه يبعث برسالة مفادها أنه لن يرحل، وعلى حفتر احترامه".

ويتبقى في طرابلس فصيل مسلح رئيسي آخر هو قوة الردع الذي يُنظر إليه على أنه غير متحالف بشكل وثيق مع الدبيبة بينما يسيطر على مطار معيتيقة الرئيسي وأنحاء من وسط المدينة.

وكان الككلي خبازا في عام 2011 عندما أشعل ما سُمي الربيع العربي شرارة الانتفاضة ضد القذافي، وحينها حشد جيرانه في أبوسليم للسيطرة على ثكنة عسكرية في المنطقة.

ومع انقسام ليبيا، صار جهاز دعم الاستقرار برئاسة الككلي واحدا من أقوى الفصائل المسلحة المتحاربة في البلاد إذ احتل مواقع ذات قيمة استراتيجية في محيط طرابلس وسيطر على مؤسسات تابعة للدولة.