مقديشو تفضل التشدد على التنمية

مساعدات إماراتية كبيرة لدعم الشعب الصومالي

مقديشو ـ فضلت الحكومة الصومالية التشدد على التنمية مع اقترابها أكثر من قطر وتركيا وابتعادها عن الإمارات التي ساهمت على مدى سنوات عديدة في رفع سقف التنمية ودعم الشعب الصومالي بجهود إنسانية جمة الى جانب المساهمة الفعالة في دحر الإرهاب ومكافحة المتشددين.

وباقتراب الحكومة الصومالية من اللوبي القطري التركي فان مقديشو قد فضلت التشدد والارتماء في أحضان قوى داعمة للتشدد والتنظيمات المتطرفة ونكران الجميل للإمارات التي دفعت بكل جهودها ماليا وعسكريا لرفع التنمية في البلاد وتخليص الشعب الصومالي من براثن الإرهاب.

ودخلت قطر في صراع يشبه الحرب الباردة في الصومال، لتوسيع الهوة بين الحكومة الفيدرالية الصومالية والإمارات، التي ضخت على مدار أربعة أعوام الملايين من الدولارات في مشروعات تنموية، على رأسها ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال، وتدريب قوات عسكرية تابعة للجيش المركزي وقوات أمنية في إقليم بونت لاند، الذي يحظى بحكم ذاتي.

ويعارض سياسيون ينتمون إلى ما صار يعدّ "اللوبي القطري – التركي" في مقديشو الحضور الإماراتي في الصومال، ويسعون إلى إثارة الجدل حول وضع الإمارات العسكري والأمني والاقتصادي في البلد، الذي يحظى بموقع استراتيجي في منطقة القرن الأفريقي، منذ أن قطعت الإمارات والسعودية ومصر والبحرين علاقاتها مع قطر في يونيو من العام الماضي.

وقال مراقبون ان موقف الحكومة الصومالية يعود بالضرر على الشعب الصومالي الذي استفاد بشكل كبير من الدعم الإماراتي إنسانيا وأن قطر لن تقدم الى الصومال سوى المزيد من التوترات والاضطرابات الأمنية خاصة مع دور الدوحة الجلي في دعم التنظيمات الإرهابية.

وتسعى قطر دائما الى دعم الجماعات الإرهابية لبث الفوضى في العديد من المناطق والاستثمار في الاضطرابات الأمنية لغايات ضيقة تخدم مصالحها لا غير غير عابئة بمصالح الشعوب.

ووجدت مقديشو نفسها تحت ضغط كبير من قبل مسؤولين قطريين وأتراك لاتخاذ مواقف معادية للدعم الإماراتي مما دفع إلى تراجع في منسوب العلاقات الإماراتية الصومالية في وقت يبدو فيه الصومال في أمس الحاجة إلى مثل هذا الدعم.

ووصلت العلاقات إلى حدّ قررت معه الإمارات إنهاء برنامج تدريب عسكري في الصومال، ردا على مصادرة الملايين من الدولارات كانت مخصصة لدفع رواتب عسكريين صوماليين، وقامت قوات الأمن الصومالية باحتجاز طائرة إماراتية لفترة وجيزة الأسبوع الماضي.

جهود الإمارات تقلق قطر وتركيا

تقلق جهود الإمارات في دعم الشعب الصومالي، تركيا، كما قطر وإيران أساسا، باعتبار أن أجنداتها "الإنسانية" تبطن غايات سياسية. فقطر مثلا تلعب على كل الأطراف في مقديشو وتستغل تواطؤ الحكومة، لتحويل الصومال إلى أفغانستان جديدة في أفريقيا، عبر دعمها للحركات المتشددة، خاصة حركة الشباب المتطرفة.

وتركيا استغلت نفوذها في هذه الأزمة وضغطت على الحكومة الفيدرالية الصومالية من أجل التصعيد المفاجئ، ما جعل وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش يعرب عن استغرابه من سرعة وتيرته غير المبررة رغم جهود الإمارات لتعزيز العلاقات بين الجانبين.

كما تعرض مستشفى الشيخ زايد في مقديشو لمضايقات من قبل الحكومة، اضطرت معها أبوظبي، الاثنين، للإعلان عن إغلاقه.

وقال دبلوماسي غربي في المنطقة بحسب ما نقلت صحيفة "العرب اللندنية" في تقرير لها الثلاثاء إن "دخول قطر إلى الصومال تم تسهيله من قبل تركيا، وكان يهدف بالأساس إلى تقويض العلاقات المتنامية مع الإمارات، حتى لو استغرق ذلك وقتا".

وتقول تقارير غربية إن عدد السياسيين في مقديشو الذين باتوا يتلقون أموالا مباشرة من قطر في تزايد، كما أن تركيا تتحول مع الوقت إلى أحد أكبر المستثمرين في الصومال.

وأدخل صعود النفوذ القطري المستحدث في مقديشو الحكومة في فوضى عارمة، خصوصا بدفع من سياسيين كبار ارتبطوا ماليا وسياسيا بالدوحة. وفي 9 أبريل اضطر رئيس البرلمان الصومالي محمد عثمان جواري إلى تقديم استقالته، بعدما خسر معركة مع الحكومة كادت أن تدخل البلاد في حرب أهلية، بسبب إصراره على تمرير قانون يلغي مشروع تطوير ميناء بربرة من قبل الإمارات.

خسارة كبرى للصومال

يقول متابعون إن الصومال ستخسر كثيرا بخارها الابتعاد عن الإمارات على خلفية الدور الكبير الذي كانت تلعبه ابوظبي بتقوية القوات العسكرية والأمنية والصومالية الى جانب الدعم الإنساني السخي لسنوات عدة.

وفي هذا السياق قررت دولة الإمارات إنهاء مهمة قواتها التدريبية في الصومال لبناء الجيش الصومالي الذي بدأ عام 2014. يأتي هذا القرار على خلفية حادثة احتجاز السلطات الأمنية الصومالية طائرة مدنية خاصة مسجلة في دولة الإمارات يوم8 أبريل/نيسان 2018 في مطار مقديشو الدولي، وعلى متنها عناصر من قوات الواجب الإماراتية، وعلى خلفية قيام بعض العناصر الأمنية بالاستيلاء على المبالغ المالية المخصصة لدعم الجيش الصومالي ودفع رواتب المتدربين الصوماليين.

وأعربت الإمارات عن استنكارها لهذه الحادثة، التي ترى فيها ما يناقض الأعراف والتقاليد الدبلوماسية المستقرة بين الدول وما يخالف مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين، فيما يؤطّر خبراء ومراقبون هذا التصعيد ضمن سياقات استراتيجية ترتبط من جهة بالأجندات الخارجية في منطقة القرن الأفريقي.

ويأتي اهتمام الإمارات بدعم الصومال، من مبدأ المصلحة، وإن كان استقرار الصومال يعني نجاح عمليات مواجهة القرصنة في الساحل الأفريقي وحماية السفن التجارية الإماراتية والدولية. لكنه، يأتي تنفيذا لوصية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في مد يد العون والسند للجميع، وخاصة في مجال الدعم التنموي والإنساني لجميع الدول العربية والإسلامية، وفي مقدمتها جمهورية الصومال، وكذلك اليمن.

ودعمت الإمارات العديد من المؤتمرات الدولية لمكافحة القرصنة في الصومال تزامنا مع تزايد هجمات القراصنة واختطاف العديد من السفن التجارية التي تعبر الحدود المائية للصومال.

ترتبط دولة الإمارات والصومال بعلاقات تعاون تاريخية قامت على أساس الاحترام المتبادل، وقد نفّذت قوة الواجب الإماراتية عدة دورات تدريبية تخرج منها الآلاف من الصوماليين تم تدريبهم لبناء الجيش والأجهزة الأمنية الصومالية، كما تقوم دولة الإمارات بدفع رواتب 2407 جنود صوماليين، وبناء 3 مراكز تدريب ومستشفى وطواقم طبية إماراتية لعلاج الصوماليين.

وتشرف الإمارات على برنامج قوات الشرطة البحرية في إقليم بونتلاند المعنية بمكافحة الإرهاب والقرصنة. وساهمت في رفع قدرات المؤسسات الأمنية والعسكرية الصومالية، وكذلك دعم وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب بالتعاون مع عدة أطراف دولية والقوات التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال.

وقدمت الإمارات عبر هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لشعب الصومال منذ عام 1993 وحتى نهاية 2016، أي خلال 24 عاماً، مساعدات بلغت 277 مليوناً و553 ألف دولار، بالإضافة إلى 165 مليوناً حصيلة حملة “لأجلك يا صومال” والتي تم إطلاقها عام 2017، ليصل مجموع المساعدات 442 مليوناً و553 ألف دولار، المساعدات شملت العديد من المشاريع التنموية، وبرامج الإغاثة ومشاريع رمضان والأضاحي والأيتام والمساعدات الإنسانية للمحتاجين.