مقربون من الرئيس التونسي يستعدون لانتخابات مبكرة بحزب جديد

عضو أساسي في حملة الرئيس التونسي قيس سعيّد للانتخابية الرئاسية التي فاز بها يستعد لإطلاق حزب يساري جديد يشارك فيه عدد من الشباب بتصور مختلف.

تونس - يبدو أن تونس تتجه فعليا إلى انتخابات تشريعية مبكرة مع انسداد الأفق أمام حركة النهضة الإسلامية في تشكيل حكومة جديدة بعد فوزها الهزيل في انتخابات أكتوبر الماضي، وهي بوادر استشعرها المقربون من الرئيس التونسي قيس سعيد الذين قرروا إطلاق حزب جديد يمكن أن يقوده الرئيس المستقل مستقبلا.

وكشفت مصادر مقربة من سعيّد أن مجموعة من الداعمين والرفاق المقربين من الرئيس التونسي الذي استلم مهامه في قصر قرطاج 23 يوم أكتوبر الماضي، يقتربون من إعلان تأسيس حزب يحمل اسم "حراك 13 أكتوبر"، في خطوة تبدو أنه يتم التحضير لها تحسبا لانتخابات مبكرة ربما تجري في الأشهر القادمة إذا فشل حزب النهضة في تشكيل حكومة تسير البلاد.

واسم الحزب "حراك 13 أكتوبر" مستلهم من التاريخ الذي صوت فيه التونسيون لاختيار سعيّد رئيسا للبلاد بعد منافسة بينه وبين قطب الإعلام ورجل الأعمال نبيل القروي في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية المبكرة انتهت بنسبة تصويت تجاوزت الـ70 في المئة لأستاذ القانون الدستوري .

ورجحت نفس المصادر أن يستلم رضا شهاب المكي المعروف باسم "رضا لينين" في الأوساط السياسية في تونس والمقرب من سعيّد، الأمانة العامة للحزب الجديد.

ويتوقع أن يكون الرئيس التونسي بعيدا ظاهريا عن الحزب بسبب التزامه طيلة حملته الانتخابية بأنه "ولد مستقلا وسيبقى مستقلا" ولا يتبع أي حزب سياسي.

لكن مقربون من رضا المكي يتوقعون أن يستعد الحزب الجديد لخوض انتخابات مبكرة في حال فشل النهضة في حشد الأحزاب للموافقة على حكومة بقيادتها وهو مستبعد إذا تدور حاليا مشاورات منذ أسبوعين

و"رضا لنين" هو يساري معروف في الأوساط النقابية والسياسية في تونس وعرف بنشاطه القوي في كلية الحقوق والعلوم السياسية، وكان عضوا أساسيا في حملة قيس سعيّد الانتخابية للرئاسة لكنه قليل الظهور إعلاميا.

من المنتظر أن يقود رضا شهاب المكي المعروف باسم "رضا لنين" حزب "حراك 13 أكتوبر" بعد أن نجح في إيصال قيس سعيّد لرئاسة تونس عبر حملة انتخابية ناجحة شارك فيها عدد كبير من الشباب

وعرف "رضا لنين" بالنضال في الاتحاد العام لطلبة تونس ويتذكره الطلاب من الأجيال السابقة في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حيث كان يلقي خطاباته بين الطلاب لتأجيج وعيهم بأهمية المشاركة في الحياة السياسية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعاد اسمه إلى الواجهة مؤخرا بعد قيادته لحملة سعيّد الانتخابية للرئاسة.

ومنيت أحزاب اليسار التي كانت تتصدر المعارضة في تونس بهزيمة كبيرة في الانتخابية التشريعية والرئاسية الأخيرة، بعد أن كان هذا التيار الفكري المتجذر في تاريخ تونس المعاصر يعكس رؤية الشباب خاصة في ساحات الجامعات خلال حكم زين العابدين بن علي الذي مارس دكتاتورية على الأحزاب والمعارضين ومنعهم من المشاركة في السلطة.

وقبل ثورة يناير 2011، كان اليساريون يقودون المعارضة وناضلوا ضد دكتاتورية نظام بن علي لبتصدرون المشهد السياسي المطالب بالتغيير في تونس، لكن في السنوات الأخيرة فشلت كل الأحزاب اليسارية في استقطاب التونسيين وأصواتهم خلال الانتخابات بعد خيبةلأمل من قياديين بارزين شاركوا في حكومات هيمن عليها الإسلاميون.

وتدنت شعبية الأحزاب اليسارية خصوصا بعد اغتيال القيادي اليساري شكري بالعيد في فيفري 2013، وتراجع حجمها السياسي أو حتى الفكري داخل المجتمع التونسي في السنوات التي تلت الثورة، لأنها لم تنجح في تحقيق مطالب الشباب بعدالة اجتماعية ولم تفسح المجال للطاقات الشابة للمشاركة في الحياة السياسية وخلق وتنفيذ أفكار يمكنها أن تضمن تغييرا حقيقا في السلطة وذلك بسبب تشبث أغلب القادة اليساريين المعروفين بنموذج مترهل من المرجعيات السياسية الثائرة التي تغلب عليها الطوباوية بالإضافة إلى تعطش للسلطة وانعدام الخبرة السياسية.

ومن المنتظر أن يطرح الحزب الجديد لـ"رضا لنين" تصورات وتوجهات جديدة بطاقات شبابية استعدادا لفرضية تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.

ويسعى الساهرون على تأسيس حزب حراك 13 أكتوبر" لاستقطاب الشباب الذي ابتعد عن السياسية ولم تعد الأحزاب المشاركة في السلطة حاليا تعكس طموحاته وانتظاراته، على غرار  ما حصل خلال الانتخابات الرئاسية التي شهدت عودة بارزة لعدد من الشباب إلى صناديق الاقتراع.

وحصلت تعبئة واسعة لصالح سعيّد في صفوف الشباب خلال الحملة الانتخابية، حيث بدا واضحا أنها عملية ردّ على منظومة الحكم ورفض لكل الأحزاب وللأداء السياسي.

وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أن تسعين بالمئة من الشباب الذي تتراوح أعمارهم بين 25 و28 عاما صوّتوا لصالح سعيّد.

لا يبدو أن النهضة ستنج في تشكيل حكومة بشخصية تفتقد إلى الخبرة السياسية في وقت صعب تعيشه تونس
النهضة حكمت على نفسها بالفشل عبر تقديم شخصية تفتقد إلى الخبرة السياسية لتشكيل حكومة في ظرف اقتصادي حرج تعيشه تونس

وأصيب الشباب التونسي بخيبة أمل بعد فشل الحكومات المتعاقبة في تنفيذ وعود ثورة 2011 التي أطاحت بنظام بن علي في ظل أزمة اقتصادية شديدة ونسبة بطالة مرتفعة.

ومنذ تسلم رفيق دربه قيس سعيّد السلطة يوم 23 أكتوبر، أصبح رضا لينين بعيدا عن محيط الرئيس، فيما يبدو أنه توجه مدروس لتطوير مشروع سياسي يساري يمكن أن يكون بديلا عن الفشل الذريع الذي منيت به كل الأحزاب والحكومات التي تداولت على السلطة منذ الثورة التي أطاحت بنظام رئاسي يهيمن على كافة مفاصل الدولة.

وسعيّد هو ثاني رئيس لتونس ينتخب بالاقتراع المباشر منذ ثورة 2011 بعد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي ترك تفكك حزبه "نداء تونس" فراغا سياسيا أمام هيمنة حركة النهضة الإسلامية وكتل إسلامية محافظة على السلطة في البرلمان الجديد.

وأفرزت الانتخابات التشريعية الأخيرة برلمانا مشتتا بشكل حاد مما يعقد الوضع على النهضة التي جاءت في المرتبة الأولى بحصولها على 52 مقعدا فقط من إجمالي 217، وهو ما سيتطلب منها تكوين ائتلافات لتشكيل حكومة.

وكلفت النهضة الحبيب الجملي الذي تقول إنه مستقل، بتشكيل حكومة يجب أن يصادق عليها البرلمان بالأغلبية، ولا يزال حاليا يقوم بمشاورات يومية مع الأحزاب والكتل مع تزايد الغموض حول برنامجه وأولويات فريقه في الحكم.

وتشبثت بعض الأحزاب التي لديها مقاعد وازنة في البرلمان بشرط الحصول على وزارات سيادة للمشاركة في حكومة الجملي، حيث تمسك حزب التيار الديمقراطي بالحصول على وزارتي العدل والداخلية إضافة إلى وزارة الإصلاح الإداري للدخول ضمن حكومة النهضة.

ويشكل هذا التمسك خطرا على النهضة خصوصا بعد دخول حزب التيّار الديمقراطي مع حركة الشعب في تحالف برلماني وتوحيد كتلتيهما النيابيتين في كتلة واحدة، الأمر الذي يضعها في المرتبة الثانية مباشرة بعد الحزب الإسلامي صاحبة الكتلة النيابية الأولى.

لكن مراقبون يستبعدون تنازل الحركة الإسلامية عن الوزارات السيادية، وهو ما يعقد وضع النهضة أكثر في مأزق ربما يصل إلى إعلان توجه البلاد لانتخابات مبكرة في حال فشلها في تشكيل فريق حكومي جديد في الآجال الدستورية المحددة بعد أن كانت تطمح إلى وضع يديها بالكامل على الحكومة.

وحسب الدستور التونسي يمكن لرئيس الدولة بالتشاور مع الكتل النيابية اقتراح شخصية تعرض على البرلمان، من أجل تكوين حكومة في حال تعذر ذلك على الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية (النهضة) في المواعيد القانونية المحددة، وهي فترة لا يتجاوز الشهرين على أقصى تقدير.

وأيا كانت الحكومة التي سيتم تشكيلها ستجد نفسها أمام إصلاحات اقتصادية كبيرة ومكافحة الفساد المستشري في مفاصل الدولة وملفات عاجلة تنتظر حلولا ينتظرها التونسيون منذ 2011.

وعند فشل الشخصية التي اقترحها الرئيس (لا يشترط أن تكون من الحزب الفائز بالانتخابات البرلمانية) في تشكيل حكومة في مدة لا تتجاوز الشهرين، يحق لرئيس الجمهورية الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة لتجاوز أزمة البرلمان.