مقطوعات شعرية عبَرَت التاريخ والجغرافيا

"للبحر صوت آخر على جسر ريالتو" للهواري غزالي تمثل عبوراً ذا صبغة زمانية ومكانية.
يَشْتَعِلُ وَهْجُ امْرَأَةٍ لمْ تَخْرُجْ بَعْدُ مِنْ سَحَابَتِهَا الهَادِئَة
الشاعر تناول الأحداث السياسية التي عرفها بلده الجزائر مؤخراً

عمّان ـ تمثّل المجموعة الشعرية "للبحر صوت آخر على جسر ريالتو" للشاعر الجزائري الهواري غزالي عبوراً ذا صبغة زمانية ومكانية؛ فالقصائد من ناحية تشهد على تجربة عبرت من قرن إلى قرن؛ أي من تسعينيات القرن العشرين حتى نهاية العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، وهي كذلك عبور جغرافي من بيئة نشأ فيها الشاعر في قريته الجزائرية قبل أن يقيم في أوروبا مع بداية الألفية الجديدة.
والمجموعة الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن جاءت في مئة وخمس وتسعين صفحة من القطع المتوسط، وضمت عدداً كبيراً من المقطوعات والقصائد التي انتمى عدد منها إلى شعر التفعيلة، وعدد آخر إلى عمود الشعر العربي. وصنفها غزالي بحسب زمان ومكان كتابتها، إذ كان منها ما كُتب في مدينة ضرابين الواقعة بين تلمسان وسيدي بلعباس وعنون مجموعتها بنصوص الزمن الضرابيني، وأخرى كتبت في تلمسان، ثم قصائد أخرى كتبت في بوردو المدينة الفرنسية التي استقر فيها الشاعر خلال تحضيره لرسالة الدكتوراه.
في المجموعة التي زُيّن غلافها بصورة التقطتها الفنانة التشكيلية بدور الريامي، سرد الهواري غزالي في أكثر من خمس صفحات قصة اكتشاف مخطوطة شعرية في اليمن مكتوبة بالخط النبطي، وافترض أن تكون هذه المخطوطة للشاعر الجاهلي امرئ القيس. وقد حدّد ذلك نظراً للأحداث الواردة في المخطوط، التي تتقاطع مع قصة امرئ القيس من حيث وجوده المذكور تاريخياً في القسطنطينية عندما كان جوستينيان حاكماً لبيزنطة آنذاك.
 كما تناول الشاعر الأحداث السياسية التي عرفها بلده الجزائر مؤخراً، إذ طالب الجزائريون بتغيير نظام الحكم جذرياً، وعدَّ الغزالي هذه المطالبة مرحلةً تعرفت فيه الذات الجزائرية على كامل تنوعاتها وثرائها الثقافي والفكري واللغوي، وفرصة للقضاء على العالم السوداوي المظلم الذي عاناه الجزائريون منذ مدة طويلة. وأشار إلى أن الكتابة الأدبية ستأخذ منحى جديداً، وقصد في ذلك المنحى النضالي الذي عرفه أيضاً الجزائريون في السبعينيات من القرن الماضي.
يقول غزالي في قصيدة "غرفة":
فِي االليْلِ.. ماَ يَزَالُ جَنْبَ المِذْياعِ فَاتِحاً مُقْفِلاً
مُقْفِلاً فَاتِحاً    
قَدْ يَتَوَقَّفُ الأَثِيرُ مِنْ جِهَةٍ
وَمِنْ أُخْرَى يَعُودْ
لَكِنَّ عَلَى قَدَمَيْهِ المُسْتَلْقِيَتَينِ كَانَ يَرْقُصُ تَارِيخٌ بِأَكْمَلِهِ
وَفِي نَظَّارَتَيْهِ التي عَلَى مَدْرَجِ السَّرِيرِ
يَشْتَعِلُ وَهْجُ امْرَأَةٍ لمْ تَخْرُجْ بَعْدُ مِنْ سَحَابَتِهَا الهَادِئَة
ماَ يَزَالُ كُلَّمَا اسْتَلْقَى عَلَى الوِسَادَةِ مُنْهَكاً
يَتَمَنَّى أَنْ يَسْمَعَ مَرَّةً نِدَاءَهَا بالتَّخَلِّي الأَخِيرْ
والهواري غزالي شاعر ومترجم وأستاذ محاضر في قسم الدراسات العربيَّة في جامعة باريس. وقد صدرت له دواوين شعرية هي: أناشيد النبوءات المتوحِّشة (2009)، وقلبٌ لا يُحسِن التَّصديق (2013). بالإضافة إلى ترجمات شعرية إلى العربيَّة للشاعر الفرنسي جون بول ميشال من بينها: مجموعة هذه النَّار (2008)، وكتاب الحماسة (2010)، وتأمُّلات إيطاليَّة (2011).