مكافحة الفساد ورقة عون الأخيرة لامتصاص غضب الشارع
بيروت - بات الحديث عن مكافحة الفساد والتصدي للفاسدين العنوان الأبرز لمختلف السياسيين في لبنان بما فيهم الرئيس ميشال عون في ظل احتجاجات لم تهدا منذ اكثر من اسبوعين رفضا للنخبة السياسية.
وأكد عون، الأربعاء، أن التحقيقات المنتظرة مع مسؤولين حاليين وسابقين لن تستثني أحدا من المتورطين، مشيرا إلى إحالة 17 ملفا تتعلق بالفساد إلى التحقيق.
جاء ذلك في لقاء جمع عون بالمدير الإقليمي لمجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ساروج كومارجاه، بالقصر الرئاسي شرق العاصمة بيروت.
ونقل بيان للرئاسة اللبنانية عن عون قوله خلال اللقاء، إن "الحكومة العتيدة ستضم وزراء يتمتعون بالخبرة والكفاءة ومن ذوي السمعة الحسنة وبعيدين عن شبهات الفساد".
وأضاف أن "التحقيقات التي ستتم مع مسؤولين حاليين وسابقين تدور حولهم علامات استفهام، لن تستثني أحدا من المتورطين".
واعتبر عون أن "لبنان على مفترق طرق دقيق خصوصا من الناحية الاقتصادية، وهو بأمس الحاجة إلى حكومة منسجمة قادرة على الإنتاج ولا تعرقلها الصراعات السياسية والمناكفات، وتلقى الدعم المطلوب من الشعب".
وأشار إلى أن "المشاريع الاصلاحية التي اقترحها لاستكمال منظومة مكافحة الفساد، باتت في عهدة مجلس النواب (البرلمان)، وأهمها رفع السرية المصرفية، ورفع الحصانة عن المرتكبين (المورطين)، واستعادة الأموال المنهوبة، وإنشاء المحكمة الخاصة بالجرائم المالية".
وأكد عون أنه "يعمل على معالجة إرث عشرات السنين من الفساد، وسيواصل العمل حتى يتمكن من اجتثاثه ووضع حد للهدر والفوضى في إدارات الدولة ومؤسساتها".
كما شدد على أنه لن يتردد في طرح أي قانون إصلاحي يتناغم مع أولوية المرحلة المقبلة. مشيرا أن "الملفات التي أحيلت على التحقيق، وعددها 17 ملفا تتعلق بالفساد، سيتم السير بها، والمحاسبة ستشمل جميع المتورطين والمشتركين والمسهلين".
ووفق البيان نفسه، نقل كومار جاه إلى عون وجهة نظر البنك الدولي من التطورات الراهنة، مؤكدا استمرار تقديم المساعدات للبنان في المجالات التي يطلبها.وفي بيان، الأربعاء، دعا البنك الدولي إلى تأليف حكومة سريعا تلبي توقعات اللبنانيين. معتبرا أن الوضع في لبنان يصبح أكثر خطورة بمرور الوقت وتحقيق التعافي ينطوي على تحديات أكبر.
ومساء الثلاثاء، خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، تصنيفها للبنان إلى "Caa2" مدفوعا بتصاعد احتمالات حول عجز لبنان عن سداد ديون مستحقة عليه.
وقدّم رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، استقالته الشهر الماضي، بعد احتجاجات حاشدة استمرت نحو أسبوعين في مختلف أنحاء البلاد.
ورغم استقالة الحريري، إلّا أن المتظاهرين ما يزالون في الشوارع مُتمسّكين بقائمة مطالبهم المُتمثّلة في تشكيل حكومة تكنوقراط مُصغرّة، ومُحاسبة جميع الفسادين في السلطة، ورفع السريّة المصرفيّة عن السياسيّين.
ويبدو ان طرح ملف مكافحة الفساد في هذا التوقيت بمحامله السياسية أقرب للاستهلاك الإعلامي وتهدئة الغضب الشعبي أكثر منه تجاوبا مع مطالب المحتجين ودفعا لترسيخ معايير الشفافية والمحاسبة.
ويرى متابعون للشأن اللبناني أن النخبة السياسية الحاكمة في لبنان أهدرت الكثير من الوقت في الصراعات السياسية والنزاع على التموقع والنفوذ، فيما كانت شواغل اللبنانيين آخر اهتمامهم، لا يسلط عليها الضوء إلا في المناسبات إما ضمن مزايدات سياسية أو ضمن محاولات الاستقطاب.
وأفرزت تلك الصراعات مناخا من عدم الثقة بين اللبنانيين والنخبة الحاكمة كما أدخلت لبنان في نفق مظلم سياسيا واقتصاديا ووضعته على حافة الإفلاس في الوقت الذي كان اللبنانيون يتطلعون فيه إلى تحسين أوضاعهم بعد أن أنهت صفقة جاء بموجبها عون للرئاسة وسعد الحريري لرئاسة الوزراء، حالة الشغور الرئاسي منذ نهاية ولاية الرئيس السابق إميل لحود. ودام الشغور في منصب الرئاسة أكثر من عامين ونصف العام إلى أن تم انتخاب عون رئيس للبنان بعد تصويت مجلس النواب اللبناني في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016.
ويعتبر خبراء اقتصاديون أن الفترة الفاصلة بين إنهاء حالة الشغور السياسي في أكتوبر/تشرين الأول 2016 وتاريخ اندلاع الاحتجاجات العابرة للطائفية في نفس الشهر من العام الحالي، كانت كافية لوضع البلاد على سكة الإصلاح ومكافحة الفساد وإنعاش الاقتصاد المتعثر.
لكن السير في هذا الاتجاه (الإصلاح ومحاربة الفساد) كان بطيئا إن لم يكن منعدما في مرحلة كان يحتاج فيها لبنان لإرادة سياسية تدفع باتجاه ترميم الشروخ السياسية والاقتصادية وتحصين البلاد من الهزات الجيوسياسية ومن التدخلات الخارجية.

وكان يفترض أن تنهي انتخابات مايو/أيار 2018 التي فاز فيها حزب الله وحلفاؤه بالأغلبية، حالة الجمود، إلا أنها أدخلت لبنان مجددا في متاهة أكبر مع تعاظم نفوذ الجماعة الشيعية المدعومة من إيران وهيمنتها على الشأن العام اللبناني، فيما عمّقت تدخلاتها الخارجية ومن ضمنها الانخراط بكل ثقلها في الحرب السورية واندفاعها في دعم الحوثيين في اليمن تدريبا وتسليحا ومساعدة في شن اعتداءات إرهابية على السعودية، أزمة لبنان.
وليس غريبا أن يرفع الرئيس اللبناني شعار مكافحة الفساد في خطاباته المتكررة في مغازلة للمتظاهرين الساخطين على كل المنظومة السياسية، إلا أن توقيتها يشير بدرجة أولى إلى أن الفساد لم يعد حالة استثنائية بل واقعا متجذرا في مؤسسات الدولة المحكومة بنظام المحاصصة الطائفية والتي يهيمن عليها حزب الله وحلفاؤه.
ويعكس في الوقت ذاته حالة من الإرباك في التعاطي مع الأزمة فعون يدرك مثله مثل باقي مكونات النخبة الحاكمة أن هذا العنوان الفضفاض، لم يعد يقنع المتظاهرين الذين ضاقوا ذرعا بوعود لم يتحقق منها شيء.
وإلى حدّ الآن لم تنجح دعوات الرئيس اللبناني وتطميناته وتجاوبه مع مطالب المحتجين في تهدئة الشارع اللبناني وإن تراجع زخم الاحتجاجات عن الأيام الماضية.
وتشير شعارات رفعها المحتجون في بيروت ومدن أخرى إلى أن اللبنانيين لم يعد لهم ثقة في منظومة الحكم ورموزها.