
ملامح انتفاضة وحكومة أزمة مع حالة طوارئ في طرابلس
طرابلس - بينما تعالت الأصوات المطالبة برحيل رئيس حكومة الوفاق فايز السراج مؤخرا في طرابلس ومدن عدة بسبب تردي الأوضاع المعيشية، شنت كتائب الوفاق حملة اعتقالات واسعة ضد عشرات المتظاهرين في العاصمة، فيما تستمر الاحتجاجات في بقية المناطق غرب ليبيا، ما يوحي بملامح انتفاضة في ظل واقع اقتصادي وسياسي متأزم.
وأعلن السراج الاثنين على وقع اندلاع الاحتجاجات المناهضة له، نيته إجراء تعديل وزاري عاجل، خاصة في ما يتعلق بالوزارات الخدمية، حسبما أفادت بوابة الوسط الليبية.
وقال السراج "قد أضطر إلى إعلان الطوارئ من أجل تشكيل حكومة أزمة وسيتم إجراء تعديلات وزارية عاجلة بعيدا عن المحاصصة"، على حد قوله.
وتابع "لن أسمح بإسقاط الشرعية ودخول ليبيا في نفق مظلم نعترف بنصيبنا من المسؤولية كسلطة شرعية ولكننا لا نبسط سيطرتنا على كل تراب الوطن".
وأكد أن هناك مسلحين مندسين بين المحتجين السلميين وقاموا بأعمال تخريب وشغب من أجل إسقاط هيبة الدولة الليبية، داعيا إلى استئناف وتصدير النفط وعدم استمرار سياسيات تجويع الشعب.
والجمعة عقد كل من حكومة الوفاق ومجلس نواب طبرق، اتفاقا على الوقف الفوري لإطلاق النار، وصفه القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر بأنه مناورة سياسية وعسكرية للسراج لترتيب الصفوف وشن هجوم على مدينة سرت.
وزعم السراج استعداده بشكل عاجل تنفيذ أي اتفاق يلقى قبولا وإجماعا من جميع الأطراف الليبية الفاعلة.
وقدم السراج الشكر إلى تركيا، قائلا "وقفت بجوار الليبيين في وقت تخلى فيه الكثيرون عنا".
ويحمل كثيرون مسؤولية ما آلت إليه ليبيا إلى حكومة الوفاق التي جرت البلاد إلى احتدام الحرب وانتشار الفوضى وعززت سيطرة الميليشيات المسلحة على العاصمة طرابلس ومفاصل الدولة.
ويتهم الليبيون السراج بفتح الأراضي الليبية أمام توغل الأتراك والمرتزقة السوريون منذ توقيعه في نوفمبر/تشرين الماضي اتفاقية أمنية وعسكرية مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي عزز نفوذ بلاده في ليبيا لتحقيق أطماعه في بلد غني بالمحروقات.
يذكر أن التحركات الاحتجاجية جاءت استجابة لدعوات نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي التي دعت إلى تظاهرات حاشدة تنديدا بتردي الأوضع المعيشية في وقت تستمر فيه حكومة السراج بمد أنقرة بأموال طائلة ثمنا لدعمها العسكري.

ودعا نشطاء بمواقع التواصل إلى الدخول في حالة عصيان مدني يشمل إغلاق المحلات التجارية والمؤسسات الحكومية في طرابلس.
وتجددت الاحتجاجات الداعية لإسقاط حكومة الوفاق ليل الاثنين أمام مقر الحكومة في طرابلس، حيث تجمع المحتجون هناك ثم انتقلوا إلى ساحة الشهداء، كما اندلعت احتجاجات في مدينتي مصراتة والزاوية.
وأفاد شهود عيان أن حكومة الوفاق تنفذ تزامنا مع اتساع دائرة الاحتجاجات في الأيام الأخيرة حملة دهم واعتقالات ضد عشرات النشطاء في طرابلس.
وأضرم المتظاهرون النار في الإطارات بمناطق الدريبي وقرقارش والسراج في العاصمة طرابلس، فيما قال الشهود أن "كتيبة النواصي" التابعة لحكومة السراج طاردت المتظاهرين في شوارع العامة مع سماع أصوات إطلاق النار.
وخرج مئات المتظاهرين ليل الاثنين رافعين شعارات "ارحل ارحل" و"الشعب يريد إسقاط النظام" وعار عار.. السوري يخلص بالدولار"، وذلك عقب السراج الذي أعلن فيه عزمه إجراء تعديلات وزارية، بهدف امتصاص الغضب الشعبي المتفاقم بسبب تردي الأوضاع المعيشية ونقص كبير في الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء.
والثلاثاء أعلنت عائلات ليبية اختفاء أبنائها خلال مشاركتهم بمسيرات الأحد والاثنين، حيث أعلنت عائلة الشاب عمر قدوم انقطاع الاتصال به منذ التحاقه بالاحتجاجات. وطالب شقيق عمر الكتائب التابعة للوفاق بالكشف عن مصير شقيقه.
وندد رئيس مجلس النواب الليبي المنتخب المستشار عقيلة صالح عيسى بالعنف ضد المحتجين، معتبرا أن ما حدث في طرابلس اعتداء غير مبرر وإساءة استعمال السلطة بحق المتظاهرين السلميين.
وقال صالح في بيان أصدره في وقت سابق اليوم حول الأحداث التي تشهدها مدينة طرابلس "إنني أؤكد على حق المواطن في التظاهر السلمي والتعبير عن رأيه"، لافتا إلى أن ذلك حق من حقوق الإنسان كفلته الشريعة الإسلامية والمواثيق والأعراف والقوانين الدولية شريطة عدم الإضرار بالغير أو بالممتلكات العامة والخاصة"، بحسب وكالة الأنباء الليبية التابعة للحكومة المؤقتة شرق ليبيا.
ودعا رئيس مجلس النواب كافة الأجهزة الأمنية الرسمية بمدينة طرابلس بحماية المتظاهرين السلميين المُطالبين بحقوقهم. كما طالب النائب العام بتحمل مسؤولياته حيال هذا الاعتداء غير المبرر.
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قد دعت في وقت سابق اليوم لإجراء تحقيق فوري وشامل في استخدام القوة ضد متظاهرين في طرابلس الأحد.

وتعاني ليبيا الغارقة في الفوضى منذ سنوات انهيارا اقتصاديا امتدت تداعياته إلى قطاعات عدة، حيث يواجه الليبيون صعوبة في حاجياتهم الأساسية وسط انقطاع الخدمات وشح السيولة، ما دفع كثيرا من الليبيين للخروج إلى الشوارع تنديدا بتدهور الأوضاع داعين إلى إسقاط النظام.
وأفادت تقارير إعلامية بأن السراج أمد حكومة أردوغان بأموال طائلة ثمنا لدعمه العسكري، فيما يعاني الليبيون أزمة اقتصادية خانقة بلغت حد العجز عن استلام أجورهم وودائعهم من البنوك.
وبدل التفاف السراج على الأزمة الاقتصادية التي تعانيها بلاده، هرع إلى تنفيس الاقتصاد التركي المتهالك وإنقاذ تهاوي الليرة المستمر منذ أشهر عدة.
ووقعت تركيا مع حكومة السراج مؤخرا اتفاقا جديدا ستجني من خلاله نحو 35 مليار دولار أميركي، فيما يسعى الرئيس التركي لتنفيس اقتصاد بلاده المتأزم مستثمرا في ليبيا الغارقة في الحرب.
وقبل أشهر من هذا الاتفاق هرعت حكومة السراج لإسعاف الليرة التركية المتهاوية لأدنى مستوياتها مؤخرا، بضخها بالبنك المركزي التركي 4 مليارات دولار من أموال الشعب الليبي الذي يعاني منذ سنوات من شح السيولة وسط أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.
وتعاني المصارف الليبية من أزمة سيولة بلغت ذروتها العام الماضي، ما انعكس سلبا على الحياة اليومية لليبيين الذين يواجهون صعوبة في تأمين حاجياتهم الضرورية وسط ارتفاع مشط لأسعار السلع الأساسية.
ورغم أن ليبيا بحاجة لمساعدات خارجية لوقف الصراع القائم منذ سنوات ونزع فتيل الحرب من أجل التمهيد لحلحلة أزمة اقتصادية متفاقمة وصلت إلى عجز الليبيين عن سحب ودائعهم بالبنوك، يقدم السراج هبات مالية من أموال الشعب الليبي لإنقاذ الاقتصاد التركي الذي يقف على حافة الهاوية.