ملامح حرب تجارية تلوح في أفق العلاقات الأميركية الأوروبية

الاتحاد الأوروبي يهدد بإجراءات انتقامية في حال لم تتوقف الولايات المتحدة عن تقديم الإعانات الضخمة للشركات على أراضيها على خلاف المتفق عليه، ملوحا بملاحقات أمام منظمة التجارة العالمية، ما ينذر بنزاع تجاري جديد بين ضفتي الأطلسي.
الأوروبيون يصعّدون اللهجة ضد النزعة الحمائية في الولايات المتحدة
النزاعات التجارية ترخي بظلالها على حملة الدعم الأميركية الأوروبية لأوكرانيا
أوروبا تدفع ثمنا باهظا لانخراطها في الحملة الأميركية لعزل روسيا
خطة خفض ضريبي أميركية تثير غضب أوروبا

باريس - برزت خلافات تجارية حادة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مسار معاكس لحملة التضامن والدعم الأميركية الأوروبية لأوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي.

ومع أن الملفين منفصلين، إلا أن هذه الخلافات الناشئة والمتجددة في آن بسبب نزعة الحمائية الأميركية، ترخي بظلالها على حملة التضامن المشتركة والتي تدفع أوروبا ثمنها بعد انخراطها بكل ثقلها في الجهود الأميركية لعزل روسيا.

وتواجه دول الاتحاد الأوروبي أزمة طاقة من المتوقع أن تثقل كاهلها ماليا واجتماعيا بينما تأثرت العملة الأوروبية في وقت سابق بالتوترات الجيوسياسية في مقابل صعود الدولار.

وفي علامة واضحة على الخلافات بين الطرفين، صعّد العديد من القادة الأوروبيين لهجتهم الاثنين ضد الإعانات الضخمة التي تمنحها الولايات المتحدة للشركات على أراضيها ملوحين بملاحقات أمام منظمة التجارة العالمية، ما ينذر بنزاع تجاري جديد بين ضفتي الأطلسي.

ويعود تصاعد التوترات بين القوتين الغربيتين الكبيرتين إلى إقرار "قانون خفض التضخم" في الولايات المتحدة في الصيف. ويعد هذا القانون أكبر استثمار تم إقراره في مجال مكافحة تغير المناخ على الإطلاق، إذ يرصد 370 مليار دولار لبناء عنفات الرياح والألواح الشمسية والسيارات الكهربائية.

ومن التدابير التي استقطبت الانتقادات خفض ضريبي يصل إلى 7500 دولار مخصص لشراء سيارة كهربائية من مصنع في أميركا الشمالية مع بطارية محلية الصنع، وبالتالي استبعاد السيارات المصنعة في الاتحاد الأوروبي.

وهذه الخطة تثير غضب أوروبا التي تتّهمها بتوفير دعم استثنائي للشركات المنتجة على الأراضي الأميركية، وهو ما يتعارض تماما، برأي الأوروبيين مع قواعد التجارة العالمية.

والاثنين وبعدما وجّهوا انتقادات على مدى أسابيع، لوّح مسؤولون أوروبيون باللجوء إلى تدابير قضائية.

وخلال مقابلة أجرتها معه قناة "بي.اف.ام بيزنس" التلفزيونية قال المفوّض الأوروبي المكلّف بالسوق الداخلية تييري بروتون "سننظر بالطبع في تدابير انتقامية"، مشيرا إلى إمكانية اللجوء إلى "إلى منظمة التجارة العالمية" لتقديم الحجج الأوروبية إذا أصرت واشنطن على تجاهل انتقادات الاتحاد الأوروبي.

ومن المقرّر تشكيل "فريق عمل" مشترك بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مسعى أولي لتبديد الهواجس الأوروبية. وفي الأسابيع الأخيرة، تم التطرّق صراحة إلى خطر اندلاع "حرب تجارية" بين المنطقتين الحليفتين.

واستخدم وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير العبارة خلال زيارة أجراها إلى برلين في أكتوبر/تشرين الأول، داعيا إلى تجنّب حرب كهذه، كما تطرّق المستشار الألماني أولاف شولتس إلى خطر اندلاع "حرب جمركية كبرى".

وليست الحرب التجارية أمرا مستجدا في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد اضطرت الجهتان إلى تسوية خلافات كثيرة في السنوات الأخيرة. ومن بينها المواجهة بين العملاق الأوروبي للطائرات "إيرباص" ومنافسه الأميركي "بوينغ"، والخلاف تمحور في هذا النزاع أيضا حول الإعانات الحكومية وفرض إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رسوما جمركية إضافية على الصلب والألومنيوم.

وتطرّقت إلفير فابري خبيرة الشؤون الجيوسياسية في مجال التجارة في المعهد الأوروبي جاك ديلور، إلى "تدابير ذات طابع بالغ الهجومية" اتّخذتها واشنطن في حين أن بواعث التوترات التاريخية كانت بالكاد قد هدأت.

وسياسيا ترى فابري في تدابير إدارة بايدن "أجندة داخلية لحماية المصالح الأميركية" أكثر منها "حربا جمركية معلنة" على غرار ما كانت عليه الأمور في عهد ترامب.

وفي أي حال "ليس هناك لدى الأوروبيين ترف إضاعة الوقت، فنحن على مسافة أكثر بقليل من ثلاثة أشهر من فرضها التدابير وما من مؤشرات مشجّعة ترد من الولايات المتحدة تدل على التزام أبعد من الإيضاحات الودية"، بحسب فابري.

ويزداد توجّس الدول الأوروبية إزاء هذا الموضوع من جراء تزايد خطر دخول القارة في ركود العام المقبل من جراء العواقب الاقتصادية للحرب الدائرة في أوكرانيا. وتسجّل أسعار الطاقة ارتفاعا ما يضعف العديد من الشركات.

والاثنين قال لومير في مقابلة أجرتها معه أربع صحف أوروبية "تراوح قيمة الإعانات التي تقدّمها إدارة بايدن بين أربعة وعشرة أضعاف المبلغ الأقصى الذي تسمح بتقديمه المفوضيّة الأوروبيّة"، مشيرا إلى أن هذا الأمر يستدعي "ردا منسّقا وموحّدا وقويّا"، مشددا على أن "استثمارات بعشرة مليارات وآلاف الوظائف الصناعية" على المحك.

ولم يأت الأوروبيون على ذكر تأثير الحرب التجارية التي تلوح في الأفق وتفوح منها رائحة ردود انتقامية من الطرفين، على حملة التضامن الأوروبية الأميركية مع أوكرانيا.

لكن من الوارد جدا أن يتأثر هذا التعاون ليس فقط بسبب الخلافات التجارية الراهنة ولكن أيضا بسبب كلفة الدعم الذي يدفعه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من أموال دافعي الضرائب.

وفي حال تفاقمت أزمة الطاقة التي تهدد أوروبا بسبب نقص الإمدادات وشتاء يتوقع أن يكون قاسيا  مع ارتفاعات قياسية في أسعار الغذاء بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، قد تشهد أوروبا المهددة بركود اقتصادي انفجارا اجتماعيا وهو ما تتوجس منه دول كثيرة.