ملتقى النقد الأدبي الثاني يعاين المكان وتجلياته في الشعر الأردني المعاصر

الدكاترة حسن المجالي وابراهيم الدهون وصفاء الشريدة وحنين ابداح يحاضرون في اليوم الثاني من فعاليات بيت الشعر المفرق، بحضور مدير البيت فيصل السرحان ورئيس قسم اللغة العربية في الجامعة الاردنية الدكتور عبد الله المانع وعدد من أساتذة اللغة العربية والمختصين والمهتمين.

تواصلت فعاليات "ملتقى النقد الأدبي الثاني" في يومه الثاني والذي ينظمه بيت الشعر– المفرق بالتعاون مع قسم اللغة العربية في الجامعة الاردنية صباح الثلاثاء، على مدرج الكندي في كلية الآداب بالجامعة الاردنية، حيث أدار الجلسة التي حملت  عنوان "المكان وتجلياته في الشعر الأردني المعاصر: نماذج مختارة" الدكتور عبدالحليم الهروط وتحدث فيها: الدكتور حسن المجالي، والدكتور ابراهيم الدهون والدكتورة صفاء الشريدة والدكتورة حنين ابداح بحضور مدير البيت فيصل السرحان ورئيس قسم اللغة العربية في الجامعة الاردنية الدكتور عبد الله المانع وعدد من أساتذة اللغة العربية والمختصين والمهتمين.

الورقة الأولى كانت للناقدة الدكتورة صفاء الشريدة حيث "المدينة في القصيدة المعاصرة وتجلياتها النصّية" حيث ذكرت أنه في كتاب الأعمال الكاملة لحيدر محمود تظهر المدن إما في العناوين أو في المضامين؛ فنجد قصائد بعنوان: "الطريق إلى القدس"، و"ست رسائل شوق لعمان"، و"أغنية شتائية لعمان"، و"ترويدة عمانية"، و"بحثا عن عمان"، و"جراسيا"، و"قصيدة المفرق"، و"حيفا" ويتوسع المكان عنده فتظهر قصائد بعناوين مثل: ترويدة للوطن، وهذا وطني، وأغنية للأرض، ووطني، وهذا هو الأردن. وفي المضامين نجد عناوين كثيرةَ تتناول فكرة المكان والمدينة في مثل: استطراد لنشيد الصعاليك، وهنا كان، وفي انتظار تأبط شرا، مؤكدا أن المدن في قصائد حيدر محمود تشكل موضوعا وقضية. 

الورقة الثانية كانت للناقد الدكتور حسن المجالي عاين "الوطن في القصيدة المعاصرة" أكد أن ثيمة المكان لم تغادر الشعر العربي منذ أن وقف امرؤ القيس على الديار واستوقف فبكى وأستبكى مروراً بكل من جاءوا بعده. ولعل المكان يغدو أشدّ حضوراً في الذات الشاعرة عندما تغادره فيغوص عميقاً فيها ويشتبك مع زمانها ويرفدها بطاقة تصويرية تعمل على أمكنة الأشياء والأفكار والرؤى والصور التي تبدو صادرة عن رؤية مكانية يتجاوز فيها المكان صفته الفيزيائية وأبعاده الهندسية وثباته وجموده ليصير نابضا بالحياة فاعلاً فيها وصانعاً للزمان ومهيمناً حدّ القداسة.

وأشار بأن الشاعر الأردني حبيب الزيودي لعله من أكثر شعرائنا التصاقاً بالمكان وتعلقاً فيه وحضور المكان في تجربته لم يكن حضوراً سطحياً عابراً بقدر ما كان حضوراً عميقاً يفيض حيوية وفعالية فهو حاضر بكل محمولاته الاجتماعية والثقافية والفنية الجمالية وبكل ما ارتبط به من ذكريات يرجع إلى حضنها الشاعر في لحظات الوجد والحنين للعيد رسم صورة المكان النابض بالحياة والحركة والطمأنينة التي يجهد في البحث عنها عبر إغفاءة الحلم... ومعلوم في الدرس النقدي أن المكان الفيزيائي لا قيمة له في النص الشعري إن لم يتعالق معه وفيه عبر شبكة معقدة من العلاقات الشعرية النفسية التي تتدخل في بناء الصورة وتساير الحالة الشعورية للذات الشاعرة.

وذكر د. مجالي بأن  قصيدة الزيودي "منازل أهلي" يبدو حضور المكان طاغياً فيها ويقود القول الشعري نحو فضاءات تعبيرية عالية رغم بساطة اللغة وبراءتها من ألعاب المجاز إلا أنها غارقة في ماء الشعر ففي عنوان القصيدة علامات تحيل إلى دلالات معجمية ومرجعية وسياقية فكلمة منازل تحيل إلى أمكنة النزول والسكنى وهي الدلالة المباشرة ومرجعياً تحيل إلى قرية الشاعر تحديدا في حين أنها لها ظلالاً تذكر بالمتنبي وبيته الشهير : "لك يا منازل في القلوب منازل/أقفرت أمت وهنّ منك أواهلُ" فحبيب من عشاق جده المتنبي ودلال المتنبي بادية في حديقة شعره. 

وبيّن د. المجالي أن قراءة أعمق لكلمة "منازل" تحيل إلى النزول بمعناه المجازي النزول إلى عمق الذات وإلى نواتها وكتلتها الصلبة التي تعني الهوية والذات بأخصّ ما فيها من الذكريات والصور والرؤى والأحلام والمخاوف...أما استهلال القصيدة فالمجال يضيق بتفصيل القول فيه لكني أشير إلى مسألتين:الأولى مفردة الاستهلال "كلما" التي تجعل من دندنة العود فعلاً مرشحاً للتكرار والدوام وهو ما يكشف أن الرجوع إلى منازل الأهل رجوع متكرر على خلفية الإنصات لدندنة العود أما الثانية فتضعيف الفعل في مشهد الاستهلال (رجّع، تحوّم) قبل أن يبدأ تكوّن المشهد المدهش: "أبي في المضافة" فينطلق الخيال الشاعر لخلق مشهد يعجّ بالحياة حيث الصوت والحركة والرائحة "العبق" واللون يراه الشاعر ويعيشه في لحظة الحلم ويضيف د. المجالي، ولعل أبرز ما في القصيدة تلك الثنائيات الضدية التي فجرت ممكنات اللغة وعمقت دلالاتها وعبرت عن قلق الشاعر من مثل "الحلم والصحو/الماضي والحاضر/الحياة والموت..." وهي التي صنعت المفارقة وأنتجت فضاءات من الشعرية العالية التي وضعت حبيب في مصاف شعرائنا الكبار.

من جهته درس الناقد الدكتور إبراهيم الدهون "الطبيعة في القصيدة المعاصرة قراءة سيميائية في نماذج مختارة" أشار في إلى أن الشاعر الأردني المعاصر وقف على الطبيعة من حوله متأملا أنماطها بتفكر وتدبر ليس مألوفين، فأفاد منه مادة ومحتوى/منهجا وأسلوبا، طوّر أشياءها، ومن أجل ذلك فقد عمد بحثه  إلى استنطاق المنهج السيميائي بخصوص ما يمكن أن يقدمه من مقاربات نقدية وارهاصات جمالية في تحليل المادة الشعرية، مؤكدا أن السيميائية تؤدي دورا مهما في آليات القراءة النقدية وفهم طبيعة المقاصد والمعاني وخاصة أن النص الشعري المعاصر يمارس علينا إغراءاته في التفاتات ذكية تحمل تحمل ثراء الرؤية وانثيال الاشارات التعبيرية.

الورقة الأخير في اليوم الثاني كانت للناقدة الدكتورة حنين ابداح ودرست "جماليات المكان في شعر حبيب.. منازل أهلي أنموذجا" أكدت أن الزيودي أحد الشعراء الذين شكّلوا المكان بفعل خيالهم الشعري، كما هو حال المبدع الذي ما ينفك يحاول نقل المكان من مفهومه الهندسي إلى العمل الفني، فإنما ينقله مستخدمًا أسلوب الانزياح باللغة عن دلالتها المألوفة، وينقلنا المكان من المألوف بمحسوساته المادية إلى عالم من المجاز.

وأشارت د. ابداح يميل بأن الزيودي يميل إلى تفضيله المكان المجازي في سرده الشعري، ولسان شِعره يقول: في الحقيقة إني أُفضل المكان المجازي دون الابتعاد مع المكان الحقيقي الجغرافي فليس الفن الشعري مُتحققًا في الواقع وهو في الوقت نفسه لا يتحقق بالمجاز وحده، إنه مزيج خلّاق بين الحقيقة والمجاز بلغةٍ شعريةٍ رشيقةٍ وروحٍ مُلهمةٍ.