ملف التعذيب خلال حرب الجزائر يعود للواجهة في غمرة توتر مع فرنسا

20 منظمة جزائرية تطالب الدولة الفرنسية بالاعتراف عن مسؤوليتها عن ممارسة التعذيب خلال حرب الجزائر.

الجزائر - طالبت عدة منظمات غير حكومية وجمعيات، لا سيما من المحاربين القدامى، اليوم الاثنين بأن تعترف الدولة الفرنسية بمسؤوليتها عن ممارسة التعذيب خلال حرب الجزائر، في مبادرة لتهدئة التوتر بين البلدين.

وكتبت نحو عشرين منظمة في ملف أرسل إلى الإليزيه وتم تقديمه في مؤتمر صحافي أن"سلوك طريق فهم الدوامة القمعية التي أدت إلى ممارسة التعذيب والذي شكل الاغتصاب أداته الأساسية ليس تعبيرا عن الندم، بل هو عامل من عوامل الثقة بقيم الأمة" ومن بين هذه المنظمات رابطة حقوق الإنسان و"المجندون السابقون في حرب الجزائر وأصدقاؤهم ضد الحرب".

واتخذت الرئاسة الفرنسية خطوة أولى في هذا الاتجاه قبل عامين، خلال تكريم المحاربين القدامى الذين شاركوا في حرب الجزائر.

وقالت في بيان أصدرته في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي "نعترف مُدركين بأنه في هذه الحرب قامت أقلية من المقاتلين بنشر الرعب وممارسة التعذيب".

واعتبر نيل أندرسون رئيس منظمة "العمل ضد الاستعمار اليوم" أن هذا اعتراف مهم وشجاع، لكنه غير مكتمل لأنه لا يحدد سلسلة من المسؤوليات، خصوصا في أعلى هرم الدولة.

وقال إن "الأمر لا يتعلق بالإدانة ولا بالحكم على أحد، بل بالنظر إلى التاريخ وجها لوجه، بهدف التهدئة" ما "سيسمح لنا بالانتقال إلى الخطوة التالية وهي فهم كيف أمكن حصول ذلك ثم المضي قدما في العيش معا. وهذا مهم لأن المسألة الجزائرية حساسة في الرأي الفرنسي".

وبحسب المنظمات الموقعة على النداء فإنه خلال ما سمّي لفترة طويلة "أحداث" الجزائر "تم التنظير للتعذيب كنظام حرب وتعليمه وممارسته والتستر عليه وتصديره من قبل الحكومات الفرنسية، الأمر الذي ينطوي على مسؤولية الدولة الكاملة".

والدليل الذي قدمته المنظمات هو أن التعذيب "تم تدريسه منذ عام 1955" في المدارس العسكرية الكبرى مثل "سان سير" وأن أولئك الذين عارضوه خلال حرب الجزائر أدينوا في المحاكم.

ومنذ عام 1958، قدم الكاتب الصحافي والمناضل الشيوعي هنري أللاغ شهادته على التعذيب الذي تعرض له من جانب الجيش الفرنسي، في كتاب صادم تم حظره على الفور عنوانه "السؤال".

وبعد أكثر من أربعة عقود، اعترف الجنرال بول أوساريس بممارسة التعذيب. ولدعم مبادرتها نشرت المنظمات غير الحكومية والجمعيات، التي استنكرت عدم استقبالها في الإليزيه، عشرات الشهادات لأشخاص تعرضوا للتعذيب خلال الحرب التي أدت إلى استقلال الجزائر.

وفي هذا السياق، قال حور كبير، الذي وصف اعتقاله في أكتوبر/تشرين الأول 1957 في رسالة إلى المدعي العام في ليون "لقد عانينا من أفظع الانتهاكات"، لافتا إلى التعذيب بالإغراق في حوض الاستحمام أو الصعقات الكهربائية في الأعضاء التناسلية.

وأضاف هذا السجين السابق "مع نهاية هذه الجلسة من التعذيب، مشينا لفترة طويلة وأقدامنا في أحذية داخلها مسامير حادة اخترقت أقدامنا".

من جانبها أوضحت غابرييل بينيشو جيمينيز لمحاميها أنها تعاملت مع هذه المحنة "بكل ثقة في الذات" في تشرين الأول/أكتوبر 195، بعد أن تعرضت للتعذيب بالفعل خلال حرب الجزائر، كما أنها تعرضت للممارسات نفسها في الحرب العالمية الثانية عام 1941.

وأكدت تعرضها للجلد والإجبار على الاستحمام بالماء البارد في فصل الشتاء واللكمات دون أن "تنطق بكلمة" عن المعلومات التي كان يريدها الجلاّدون. وأضافت "لا بد من أنني تسببت بخيبة أمل. فبعد إحدى عشرة ساعة من هذا التعذيب، لم يعد بإمكاني الصمود".

ومنذ عام 2022، كثفت باريس والجزائر جهودهما لإعادة بناء علاقة أكثر هدوءا، من خلال إزالة العقبات تدريجياً من المسائل المتعلقة بفترة الاستعمار الفرنسي وحرب استقلال الجزائر. و تم إنشاء لجنة من المؤرخين الفرنسيين والجزائريين في العام نفسه، من قبل رئيسي الدولتين من أجل "فهم متبادل بشكل أفضل والتوفيق بين الذكريات الجريحة" وفق بيان الرئاسة الفرنسية.

وتتناول المحادثات الجارية ضمن لجنة التاريخ والذاكرة الجزائرية الفرنسية إعادة ممتلكات ترمز إلى سيادة الدولة، فيما اشترطت الجزائر استعادة سيف وبرنس الأمير عبدالقادر لإجراء الزيارة التي كان مقررا أن يجريها الرئيس عبدالمجيد تبون إلى فرنسا العام الماضي وتأجلت أكثر من مرة.