منظومات الدفاع وعمل الموساد الدقيق سر التفوق الاسرائيلي على إيران
القدس– تمتلك إسرائيل منظومة دفاعات جوية متعددة المستويات التي تعتبر إلى جانب القدرات الكبيرة لجهاز الاستخبارات الخارجية "الموساد" سر التفوق في مواجهة هجمات إيران التي أطلقت مئات من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة المتفجرة على إسرائيل خلال اليومين الماضيين، وذلك فيما تبادل الخصمان اللدودان الضربات العنيفة.
وتعمل إسرائيل على تعزيز دفاعاتها الجوية منذ تعرضها لهجمات صواريخ سكود العراقية في حرب الخليج عام 1991، فضلا عن تلقيها مساعدات من الولايات المتحدة التي قالت إنها أرسلت إلى إسرائيل منظومة متقدمة مضادة للصواريخ لتعزيز دفاعاتها.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي السبت إن منظومة الدفاع حققت "نسبة نجاح تتراوح بين 80 و90 بالمئة"، لكنه أكد أنه لا يوجد نظام مثالي بنسبة 100 بالمئة، ما يعني أن بعض الصواريخ الإيرانية اخترقت منظومة الدفاع.
وصممت إسرائيل منظومة الصواريخ آرو-2 وآرو-3 بعيدة المدى مع الأخذ في الحسبان التهديد الصاروخي الإيراني، بهدف التعامل مع التهديدات داخل الغلاف الجوي وخارجه. وتحلق هذه الصواريخ على ارتفاع يسمح بالانتشار الآمن لأي رؤوس حربية غير تقليدية.
والمتعهد الرئيسي لهذا المشروع هو شركة صناعات الطيران والفضاء الإسرائيلية (إسرائيل إيروسبيس إندستريز) المملوكة للدولة، في حين تشارك بوينج في إنتاج الصواريخ الاعتراضية. وجرى تصميم منظومة ديفيدز سلينج (مقلاع داود) الصاروخية متوسطة المدى لإسقاط الصواريخ الباليستية التي يتم إطلاقها من مسافة تتراوح بين 100 و200 كيلومتر.
مسيّرات هُرّبت بشكل مسبق إلى إيران إلى جانب الصواريخ والطائرات الحربية، كانت ضمن الأسلحة التي استخدمتها اسرائيل في الهجوم
وجرى تطوير وتصنيع المنظومة بشكل مشترك بين مؤسسة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة المملوكة لإسرائيل وشركة آر.تي.إكس الأميركية، التي كانت تعرف سابقا باسم ريثيون، وهي مصممة كذلك لاعتراض الطائرات والطائرات المسيرة وصواريخ كروز.
وتم بناء القبة الحديدية وهي منظومة دفاع جوي قصيرة المدى، لاعتراض صواريخ مثل تلك التي تطلقها حركة حماس من غزة. وطورت شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة منظومة القبة الحديدية بدعم من الولايات المتحدة، وصارت جاهزة للعمل في عام 2011.
وتطلق كل وحدة محمولة على شاحنة صواريخ موجهة بالرادار لنسف تهديدات قصيرة المدى مثل الصواريخ وقذائف المورتر والطائرات المسيرة في الجو.
ونشرت إسرائيل نسخة بحرية من القبة الحديدية لحماية السفن والأصول البحرية في عام 2017. وتحدد المنظومة ما إذا كان الصاروخ في طريقه لإصابة منطقة مأهولة بالسكان، وإذا كان الأمر غير ذلك، تتجاهل الصاروخ وتسمح له بالسقوط دون ضرر.
ووُصفت القبة الحديدية في بداية الأمر بأنها توفر تغطية تكفي لمدينة ضد صواريخ يتراوح مداها بين أربعة و70 كيلومترا، لكن خبراء قالوا إن هذا المدى زاد منذ ذلك الحين.
وقال الجيش الأميركي في أكتوبر/تشرين الأول إنه أرسل إلى إسرائيل منظومة ثاد المتقدمة المضادة للصواريخ.
وتعد منظومة ثاد مكونا رئيسيا في أنظمة الدفاع الجوي للجيش الأميركي، وهي مصممة لاعتراض وتدمير تهديدات الصواريخ الباليستية ذات المدى القصير والمتوسط وفوق المتوسط خلال المرحلة النهائية من تحليقها.
وقال مسؤول أميركي إن جيش الولايات المتحدة ساعد على إسقاط صواريخ إيرانية أطلقت على إسرائيل يوم الجمعة باستخدام أنظمة على الأرض. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن مدمرة تابعة للبحرية الأميركية في شرق البحر المتوسط، ساعدت أيضا على إسقاط صواريخ باليستية قادمة.
وأفاد مسؤولون عسكريون بأن طائرات هليكوبتر ومقاتلات إسرائيلية أطلقت صواريخ جو-جو لتدمير طائرات مسيرة أطلقت باتجاه إسرائيل. وذكرت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية أن سلاح الجو الأردني اعترض صواريخ وطائرات مسيرة دخلت مجاله الجوي الجمعة.
ويؤكد محللون أن الهجوم الإسرائيلي على إيران لم يقتصر على العملية العسكرية وحدها، بل استند كذلك على عمل دقيق نفذه جهاز "الموساد" الذي حقق اختراقات في الجمهورية الإسلامية منذ سنوات.
وبصرف النظر عمّا إذا كانت عملية "الأسد الصاعد" ستقضي على قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية، وهو ما تنفي طهران أصلا السعي إليه، يؤكد محللون أنها ستسجّل ضمن أبرز الإنجازات التي حققها عملاء استخبارات إسرائيليون.
ولاحظ داني سيترينوفيتش من معهد تل أبيب لدراسات الأمن القومي في حديث لوكالة فرانس برس أن "هذا يُظهر تفوّق إسرائيل العملاني والاستخباري على إيران".
وسبق للجمهورية الإسلامية أن تلقّت نكسة كبيرة في يوليو/تموز الفائت باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران. ورأى سيترينوفيتش أن إيران لم تتمكن مذّاك "من سدّ الثغر في نظامها" الأمني.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية وأميركية بأن مسيّرات هُرّبت بشكل مسبق إلى إيران كانت، إلى جانب الصواريخ والطائرات الحربية، ضمن الأسلحة التي استخدمتها الدولة العبرية في هجوم 13 يونيو/حزيران.
وأوضح الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد أن "المئات من عملاء الموساد، سواء داخل إيران أو في المقر الرئيسي للجهاز في إسرائيل، شاركوا في العملية، ومن ضمنهم وحدة خاصة من العملاء الإيرانيين الذي يعملون لحساب الموساد".
ففي وسط إيران "نصبت (وحدات كوماندوس) في العراء أنظمة حربية قابلة للتوجيه بالقرب من منصات إطلاق صواريخ أرض-جو إيرانية"، بحسب رافيد. وأضاف أن "الجهاز نشر سرا أنظمة حربية وتقنيات متطورة مخبأة في مركبات".
وأدّت هذه الأسلحة التي نُشِرت مهمة تدمير الدفاعات الجوية الإيرانية، لتمهّد الطريق أمام الطائرات المقاتلة والصواريخ الإسرائيلية، وضربت كذلك منصات يمكن أن تستخدمها الجمهورية الإسلامية في ردها على العملية.
وقدّرت وسائل الإعلام الإسرائيلية بما بين ثمانية أشهر وسنتين مدة التحضير للعملية التي تُذكر بالهجوم الأوكراني الأخير بمسيّرات في روسيا. لكنّ ضربة الجمعة اعتمدت على اختراق إسرائيلي حصل قبل وقت أطول بكثير.
وأكد الخبير الجيوسياسي الإسرائيلي مايكل هوروفيتز أن "إسرائيل تتابع البرنامج النووي الإيراني منذ أكثر من 15 عاما". ورأى أن ضربات الجمعة تشكّل "تتويجا لجهود متواصلة منذ سنوات لجمع المعلومات الاستخبارية واختراق الجمهورية الإسلامية".
وأسفرت الضربات الأولى عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين، يتقدمهم رئيس الأركان وقائد الحرس الثوري وضباط كبار في قيادة القوة الجوفضائية للحرس، إضافة إلى تسعة علماء نوويين.
ولاحظ مصدر أمني أوروبي أن "العملية اتسمت بدرجة مذهلة من الدقة والإتقان"، رغم كونها تسببت في خسائر جانبية.
وسبق للموساد أن أذهل العالم في سبتمبر/أيلول بتفجيره أجهزة اتصال مفخخة كان يحملها عناصر في حزب الله، ما أدى بحسب السلطات اللبنانية إلى مقتل 39 شخصا وإصابة الآلاف بجروح، بينهم عدد كبير من المدنيين، ما أثار موجة إدانات لإسرائيل.
وكان للموساد قبل ذلك سجّل حافل بعمليات الاغتيال التي استهدفت أعداء للدولة العبرية على مدى عقود.
وبعد عملية أجهزة الاتصال، تولّد لدى الرجل الثالث سابقا في جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي آلان شويه اقتناع بأن "لدى إسرائيل ستة منظومات قادرة على التحرك في أي وقت" في إيران.
وكرر شويه قناعته هذا، متوقعا أن يكون الموساد قادرا على "تحريك عدد كبير من العملاء". وشرح أن "مكافحة التجسس الإيرانية هي عبارة عن جهاز أمني يركز بشكل أساسي على التهديدات الداخلية".
وأدى ذلك إلى اختراق إسرائيلي كان له وقع الكارثة في الجمهورية الإسلامية، وعبّر كبار المسؤولين الإيرانيين علنا عن انزعاجهم منه، ولا تعوّضه عمليات الإعدام المنتظمة لأشخاص صدرت في حقهم أحكام إدانة بالعمالة لإسرائيل.
أما دور الإدارة الأميركية، وهي الحليف الوثيق لإسرائيل، فلا يزال اليوم بالغ الغموض. لكنه يبدو حقيقيا، سواء عن أكانَ عن قصد أو بغير قصد.
ووُصفت العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخيرا بأنها متدهورة، إذ توالت أخيرا مفاجآت ترامب لنتنياهو، ومنها توقيع اتفاق من دونه مع الحوثيين في اليمن، وإجراء محادثات مباشرة مع حماس، وزيارة للخليج من دون المرور بالدولة العبرية، ورفع العقوبات عن سوريا.
وفي اليوم السابق للعملية الإسرائيلية، دعا ترامب حليفه إلى عدم ضرب إيران، معتبرا أن الاتفاق النووي "وشيك" ولا يريد أن يراه "ينهار".
وثمة خلاصة أخرى من الضربة الإسرائيلية، ومفادها أن للعمل الاستخباري والعمليات السرية دورا محوريا بالغ الأهمية في الحرب بمفهومها الحديث.
وشدد بنجامين جينسن من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أن صعق العدو وشلّ حركته يتطلبان "الجمع بين استخدام القوة الجوية واللجوء إلى العمليات الخاصة، بهدف إحداث تأثيرات متزامنة في عمق ساحة المعركة".