منْ يقرأ «كاتالوج» التشغيل للاجهزة الحديثة؟

تتباين الشعوب في سلوكياتها تجاه استخدام الأجهزة المتطورة فمنهم من يقرأ دليل التشغيل "الكاتلوج" ويستوعبه جيداً ليستفيد من كافة المميزات ويوظف الإمكانيات بكل جهاز لخدمته، ومنهم لا يطيق قراءة الأدلة ويلجأ للاستفسار ومنهم من يعتمد على التجربة ليتعرف بشكل عملي على كل المميزات.
ورغم ولع الأمريكيين بشراء الأجهزة المتطورة مثل أجهزة الكمبيوتر وآلات التصوير الرقمية والسيارات الحديثة والهواتف الجوالة، وكل ما هو جديد، إلا أنهم لا يقرأون الكاتالوج ولهذا فهم دائما يسألون، ويستفسرون حتى أصبحت ظاهرة تنتشر في المجتمع الأميركي، ولمعرفة أهمية أدلة التشغيل كان هذا التحقيق.
يعترف كونسيدر باتاجليا وأحد مستخدمي الأجهزة المتطورة بأنه لا يقرأ أبداً دليل التشغيل إذا اشترى آلة تصوير أو كمبيوتر ويعتبره مهدر للوقت ولا يوجد عنده صبر لقراءته ويفضل أن يراقب شخص يستعمل الأجهزة وينهال عليه بالإستفسارات والأسئلة حتى يتعلم كيف يستخدم جهازه.
بينما فيرفاكس بام جرينير يقول "أنا ذاتي التعلم. أتعلم بالعمل ولا أفضل أن أدفع مالا لكي أحصل على دورة تدريبية في تعلم تشغيل جهاز الكمبيوتر الجديد. ولكن التجربة هي السبيل الوحيد لكي يتعلم الإنسان."
ويعيب توم كونيلان، وهو زبون دائم للاجهزة الالكترونية المتطورة،على الكاتالوج أنه يحتاج إلى خبير لفهمه. فالكاتالوج عادة ما يكون مصمما بحيث يبدو للمستهلكين وكأنه لغز محير. كما أن بعضها كتبت خصيصا لمخاطبة الخبراء، وليس المستهلك البسيط، ودائما مكتوبة بطريقة مملة خاصة الأدلة المترجمة من لغات أجنبية اخرى.
وبعيداً عن طريقة كتابتها، كما يقول كونيلان، فالمضمون لا يكفي لتعليم المستهلك خاصة في أجهزة التقنية مثل الكمبيوتر والألعاب الإلكترونية وألعاب الانترنت بل يتعمد المنتجون تسليم أدله ملونة وصغيرة فقيرة في مضمونها بما يكفي لتعليم المستهلكين بل تجعلهم كالأغبياء إذا أرادوا الاستفادة منه.
ويرى ريتشارد لامير، مؤلف كتاب "الميل إلى الإستكشاف" ورئيس تنفيذي للشركة العامة للإستشارات"آر إل إم" والتي تقدم خدماتها لشركات النشر والتقنية، أن هناك مجتمعات كثيرة خاصة المجتمع الأميركي لا يقرأون أدلة تشغيل الهاتف الجوال ولا أي دليل حتى ولو كان يتعلق بأدوات المطبخ.
ويضيف لامير "لقد اشتريت الكثير من الأجهزة الحديثة ولا أعرف بأن هناك دليل تشغيل حيث يوجد في مكتبي ملف كامل ممتلئ بأدلة تشغيل ولم أقرأ واحداً منها. ما أريده هو تشغيل الأجهزة دون قراءة أي تفاصيل مع علمي بأن ذلك يقلل من الإستفادة بمميزات الأجهزة."
ورأي لامير يعكس حقيقة يدركها اغلبية المستخدمين الذين يكتفون بعدد محدود مما توفره لهم الاجهزة من خدمات دون محاولة لاستكشاف غيرها. فمثلا الهاتف الجوال أصبح لإجراء إتصالات وإرسال رسائل فقط في حين يمكن أن يكون تقويما يوميا ومركز إتصال بالكمبيوتر بالإضافة للخدمات المتعارف عليها. وأيضا بالنسبة للغسالات فالجميع يحدد إستخداماتها في الغسيل والتنشيف فقط دون معرفة الدرجات الحرارية اللازمة لكافة أنواع الملابس وتشغيل كافة البرامج بما يعظم الاستفادة من التكنولوجيا المضافة للغسالات والتي يمكن معرفتها بقراءة دليل التشغيل.
ويؤكد العالم النفسي فيور بيركيلي أنه يعاب على الإرشادات الموجودة بدليل التشغيل لمعظم الأجهزة أنها متعددة الخطوات وتستعمل لغة أكاديمية أو غامضة أو مجردة بحيث تبدو مملة وغير مفهومة أو مستساغة، كما أن المستهلكين يريدون تشغيل فوري دون الحاجة إلى قراءة دليل التشغيل خاصة وأن البيانات الموجودة في أدلة التشغيل تحتاج لصبر وتركيز لفهمها وتنفيذها.
ويتفق الخبراء التسويقيون ومستشارو خدمات الزبائن ومدراء الشركات على الظاهرة ويؤكدون أن الناس يكرهون قراءة أدلة التشغيل لأجهزتهم الجديدة، رغم أن الخدمات والمميزات المتعددة بالأجهزة قفزت خلال السنوات القليلة الماضية بما فيها تعدد الوظائف والمنافع بالاضافة إلى زيادة التكنولوجيا المعقدة في نفس الوقت الذي يتراجع المستهلكين في المعرفة وقراءة أدلة التشغيل للإستفادة من هذه الخدمات.
ويؤكد الخبراء أن المستهلك، خاصة الأميركي، يميل إلى قراءة دليل التشغيل الخاص بالسيارات عن المنتجات الاستهلاكية الأخرى لأن السيارات قد تعرض سائقها للموت اذا لم يعرف كافة الإمكانيات ولهذا فهو يلجأ لفهم كافة المميزات والإحتياطيات الازمة والأخطاء التي يجب تجنبها قبل إستعمال السيارة.
بينما يرى المنتجون أن تردد المستهلكين في قراءة أدلة التشغيل يؤدي إلى إتهام الأجهزة بالقصور وعدم الفوز برضاهم رغم توافر كافة المميزات والامكانيات بفضل التكنولوجيا المتطورة المستخدمة في تصنيع الأجهزة الحالية.
ويشير تشوك ويستفال مدير مساعد في قسم المعلومات التقنية في شركة كانون العالمية المتخصصة في ماكينات التصوير وتجهيزات المكاتب إلى البيانات الواردة من الباعة والمنتجين والتي تؤكد أن المستهلكين لا يقرأون دليل تشغيل الآلات والأجهزة المتطورة الأمر الذي يؤدي إلى تراجع الاستفادة من كافة المميزات الموجودة بالأجهزة الجديدة وبالتالي فإن الأجهزة الجديدة متهمة دائما بالقصور.
من ناحية أخرى اضطرت شركات الإنتاج إلى توفير مراكز خدمات هاتفية للإجابة على كافة استفسارات المستهلكين. وقد أشارت المراكز إلى تزايد معدل الاستفسارات بشكل كبير ومعظمها أسئلة مكررة واجاباتها موجودة في دليل التشغيل، مثل "لماذا غسالتي لا تعمل؟ لأن الغطاء غير مغلق" او "لماذا طابعتي لا تعمل؟ والسبب قد يكون عدم وجود ورق أو عدم وجود حبر أو مغلقة."
ولكن من أظرف الأسئلة هي ما رواه ناطق بلسان شركة "كيتشينيد" المتخصصة في تصنيع الغسالات حيث يقول أن سيدة سألت عن أفضل البرامج في غسالة الملابس لغسل وتجفيف الخضراوات حيث كانت تغسل ورق الخس في الغسالة ثم تستفسر عن كيفية إزالة اللون الأخضر "الكلوروفيل" من الغسالة لأنها تلطخ الملابس باللون الأخضر.
ويرى يوسف بارستيس مدير العلاقات الخاصة بالعملاء في شركة سوبارو الأمريكية المحدودة للسيارات أن الأسئلة التي يتلقاه مكتب الخدمات بالشركة تؤكد أن نسبة كبيرة من الزبائن لا تعرف كيف يتعاملون مع كافة الإمكانيات والأنظمة الموجودة بالسيارة ومن بين خمسة أسئلة تأتي إلى مركز خدمة العملاء يكون هناك سؤال موجود في دليل التشغيل الذي يستلمه المالك مع السيارة وهو عبارة عن مجلد صغير يشرح بشكل مبسط كيفية علاج المشاكل الأساسية مثل كيف تشغل كشافات الإضاءة والمساحات الزجاجية وغيرها من المعلومات العامة عن جميع الإمكانيات بالسيارة.
ويضيف بارستيس أن الشركة تراجعت عن فكرة زيادة خطوط الهاتف الخاصة بخدمة العملاء وذلك لسببين أهمهما حث الزبائن على قراءة دليل التشغيل قبل التسرع في طلب هاتف الخدمة والثاني بسبب التكلفة.
كما تشجع الشركة تجار السيارات على تقديم شرح مفصل للزبائن عن جميع إمكانيات السيارة وتفاصيل التشغيل الحرجة وكافة المعلومات أثناء البيع بما يكفيهم بالاستغناء عن دليل التشغيل.
بينما يقول تشارلز جونز نائب رئيس تصميم المستهلك العالمي لشركة سايكلون المتخصصة في إنتاج غسالات الصحون أن الشركة تحاول تعليم المستهلكين على كيفية الاستفادة من مميزات وإمكانيات المنتجات عن طريق إتباع طرق جديدة منها استخدام لاصقات ملونة تشير إلى الخدمات والمميزات بالمنتج، بالإضافة إلى ذلك تعطي الشركة شرائط فيديو تعليمية للمستهلكين.
كما تهدف الشركة، كما يقول جونز، إلى تقديم منتجات ليست بحاجة إلى أوامر متخصصة. فمثلا تبيع الشركة نوع من غسالات الصحون في أوربا مصحوبة ببرامج للاتصال بالمستخدمين من خلال عرض رقمي تتحدث فيه الغسالة مع المستخدم حيث تسأل الغسالة أولا أي لغة تستخدم "فرنسي؛ إيطالي؛ هولندي؛ ألماني؛ إنجليزي" ثم تسأله بعد تحديد اللغة عن عدد الصحون المراد غسلها ونوعية الصحون "معدني؛ بلاستيك؛ فخار؛ صيني؛ زجاجي، وغيرها" وبعد ذلك تحدد الغسالة أي درجة من الحرارة يجب أن تستخدمها وحجم الماء للقيام بالغسيل. وبالتالي يمكن للمستخدم أن يسيطر على التقنية ويوظفها للقيام بالخدمات المطلوبة.
ويضيف جونز أن الشركة تبيع في الولايات المتحدة أفران المايكرويف ولأنها تفهم طبيعة المستهلك الأميركي فإن الأفران مزودة ببرنامج يسأل المستهلكين عن نوع الدجاجة "مطبوخة أم غير مطبوخة؛ بعظم أم بدونه؛ مع الصلصة أم بدونها" وبالتالي يتمكن الفرن من تحديد وقت الطبخ والطريقة التي يجب استخدامها وبعد تحديد الإجابات يبقى على المستهلك أن يبدأ التشغيل لتكون الوجبات جاهزة بعد دقائق معدودة.
وبعد فترة تصبح هذه الأسئلة غير ضرورية على الأقل في وجبات العشاء حيث يكون المستهلك أصبح خبيرا في استخدام أفران المايكرويف.
في حين يؤكد توني سويرس مهندس نوعية منتج لخدمات تقنية المعلومات أن الشركات أدركت مؤخراً أهمية خطوط الهاتف المجاني في المساهمة في توعية وتعريف جمهور المستهلكين بكيفية تشغيل المنتجات والاستفادة من كافة المميزات والإمكانيات بكل جهاز.
ويضيف سويرس في إشارة إلى ضرورة زيادة خطوط هاتف الخدمات أن كثير من الناس يفضلون وجود 800 خط لتقديم الاستشارات والإجابة على كافة الاستفسارات المتعلقة بتشغيل الأجهزة للاتصال بدلا من قراءة دليل التشغيل.
وعن اتجاه بعض الشركات إلى عمل كتيبات صغيرة تكفي للتشغيل السريع خاصة في أجهزة الكمبيوتر يرى سويرس أن الكتيبات السريعة ليست فعالة ومن المبكر جداً استخدامها حيث يتردد المستهلكون في قراءة أي إرشادات ويتضح ذلك أكثر في عقود التأمين الصحي فلا يقرأ الناس كتاب المنافع الخاص بعقد التأمين الصحي في أعمالهم فكيف يقرأون كتيب وأدلة الإرشادات لتشغيل أجهزتهم.
ويرى روبرت والتن نائب رئيس قسم خدمات العملاء في شركة كومباك للكمبيوتر أنه يعتقد أن عدم قراءة دليل التشغيل مشكلة يختص بها المجتمع الأميركي بينما في البلدان الأخرى لا توجد هذه الظاهرة حيث يفضلون الناس قراءة أدلة التشغيل فعلى سبيل المثال فقد استغرقنا كثيراً من الوقت لتحضير أدلة للسوق الياباني يشتمل على النصوص والرسومات ليبدو وكأنه كتاب هندسي وليس دليل تشغيل لضرورة القراءة عند اليابانيين.
ويضيف والتن أن الأمريكان يترددون في قراءة الأدلة, فقد وصلتنا ملايين المكالمات الهاتفية بأسئلة نصفها على الأقل موجود إجاباتها في أدلة التشغيل وهو ما جعل كومباك تصمم دليلا صغيرا ملونا به الكثير من الصور التوضيحية الكبيرة الحجم والكلام القليل بغرض تشجيع المستهلكين على قراءة دليل التشغيل وذلك بهدف الوصول إلى رضا واستحسان المستهلكين مع تلوين التوصيلات بأجهزة الكمبيوتر ليسهل فهم وتشغيل الأجهزة.
كما يستقبل مشتري أجهزة كومباك رسالة ترحيب فور دخوله على شبكة الانترنت بها عنوان موقع الشركة على الشبكة لتلقي أي إستفسارات والإجابة عليها مباشرة وهو ما يقلل من الزحام على المكالمات الهاتفية الخاصة باستفسارات المستهلكين.
وتؤكد باميلا تي ميلير نائب رئيس مشروع بلو كروس بولاية نيوجيرسي "أن المستهلكين يظهرون استيائهم من قراءة أي إرشادات أو أدله تشغيل مما يعظم الاستعمال الخاطئ لكثير من الأجهزة ويعرضهم لفقد كثير من المال، وقد اتبعنا أسلوبا جديدا في حل هذه المشكلة من خلال دعوة بعض الأعضاء للإستماع إلى المنافع الصحية وتجنب العادات السيئة في جلسات تستغرق من 15 إلى 30 دقيقة يمكن فيها أن يوفروا الكثير من المال والألم والوقت والتي تضيع في الذهاب إلى الطبيب."
وتضيف ميلر "أن الفكرة حازت على إعجاب 60 % من العملاء ونسعى لتطبيقها لتشمل نسبة 88% من إجمالي عملائنا حتى يتم تعميمها بالكامل."
نفس الفكرة تكررت مع شركة بيع الكمبيوتر حيث استحدثت فكرة للبيع من خلال موقع على الانترنت يتم من خلاله تنظيم دورات تدريبية وإعداد فصول وجلسات للراغبين في تعلم الانترنت في مقابل 99 دولار بحيث ترغب الناس في الانترنت بتعليمهم طريقة عمل المواقع والتميز على الشبكة وبذلك تفتح منافذ لبيع أجهزة الكمبيوتر من خلال المترددين على فصول التعليم.
تبقى، اخيرا النكتة الكلاسيكية التي تردد كلما جاء الحديث عن جهل المستخدمين لامكانيات اجهزتهم. فوحدة خدمات الكمبيوتر لشركة كبرى تسلمت مكالمة هاتفية من زبونة تعترض على العطل المبكر "لمساكة فنجان القهوة" في جهاز الكمبيوتر الجديد لديها. وبعد اخذ ورد وجدل مع الموظف المختص الذي كان يصر على ان احهزة الكمبيوتر المنتجة في شركته لا تحمل مثل هذه "المساكة"، تبين ان السيدة كانت تستخدم ملقم الاقراص المدمجة "سي دي روم درايف" كمساكة لفنجان قهوتها الصباحي!