من بيروت إلى بغداد يتجمع الرافضون لطائفية زرعتها طهران

المتظاهرون اللبنانيون والعراقيون يساندون بعضهم البعض لمواصلة الحراك الشعبي المطالب بإسقاط الطبقة الحاكمة الفاسدة.

بيروت - وسط ساحات الاحتجاج في مدينة بغداد، يرفرف العلم اللبناني عالياً. وعلى بعد أكثر من 900 كيلومتر، يرد المتظاهرون في وسط بيروت التحية بمثلها وتصدح حناجرهم بأغنية عراقية.

تعزف فرح قدور (26 عاماً) ورفاقها على آلاتهم الموسيقية، مرددين باللهجة العراقية العامية "لا تصدّق بحكي الإشاعة، كلهم حرامية الجماعة (...) والهوية لبنانية، لا لا الساحة ما نتركها".

واستوحت المجموعة أغنيتها من لطمية، وهي نوع من أنواع الأناشيد الرثائية لدى الشيعة، أطلقها المنشد أو "الرادود الحسيني"، كما يطلق عليه في العراق، علي يوسف كربلائي، دعماً لاحتجاجات تعم مناطق عدة في العراق منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر ضد الطبقة السياسية برمّتها.

في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت، يردّد المتظاهرون الأغنية مع العازفين، يتمايلون على أنغامها، يصفقون مراراً ويطلبون إعادتها مرة أخرى.

وتقول فرح "الشارعان (اللبناني والعراقي) يتابعان بعضهما البعض، ويستمدا الأفكار من بعضهما"، مضيفة أن من شأن ذلك أن "يسلط الضوء على القواسم المشتركة التي من خلالها نستطيع أن نقدم الدعم المعنوي لبعضنا البعض".

من بيروت إلى طرابلس (شمالاً) والنبطية (جنوباً)، حمل المتظاهرون اللبنانيون طوال فترة حراكهم الشعبي المستمر منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر الشعارات الداعمة لتظاهرات العراقيين، فالمطلب واحد وهو إسقاط الطبقة الحاكمة مجتمعة.

ومن بين الشعارات التي علت في بيروت "من لبنان إلى العراق، الوجع واحد، الحق واحد والنصر آت (..) من قلب لبنان سلام إلى العراق".

وخلال تظاهرة نسوية الأسبوع الماضي، حملت فتاتان لافتة كتب عليها "زيديني عشقاً يا بغداد"، مستوحاة من أغنية للفنان العراقي كاظم الساهر.

وخلال تظاهرة في مدينة النبطية جنوباً، ردد مئات المتظاهرين "من العراق إلى بيروت، ثورة واحدة لا تموت".

ويُعرف كل من لبنان والعراق بالفساد المستشري في مؤسساتهما الرسمية وارتفاع نسبة الدين وترهل البنى التحتية.

ويحل العراق في المرتبة 168 ولبنان في المرتبة 138 من أصل 180 بلداً في ترتيب منظمة الشفافية الدولية للدول الأكثر فساداً.

وتجاوزت الديون المتراكمة على لبنان 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو من أعلى المعدلات في العالم، وتخطت في العراق 50 في المئة منه.

ويقول سماح، زميل فرح الذي يعزف على الأكورديون، "ما نراه اليوم هو نتيجة تراكم في البلدين، نحن في خندق واحد مع العراق".

وفي ساحة التحرير في بغداد، يشتري المتظاهرون الأعلام اللبنانية من باعة متجولين، وعلق بعضهم علما لبنانيا فوق مطعم تركي مهجور حوّله المتظاهرون إلى غرفة عمليات وبرج مراقبة لدعم المحتجين في حراكهم.

وفي شريط فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، يقول متظاهر عراقي مقنّع "نحن كشعب عراقي، نوجه رسالة إلى (وزير الخارجية اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال) جبران باسيل ونقول له إرحل يا جبران باسيل".

يذكر أن باسيل من بين أبرز السياسيين والوزراء الذين طالب المحتجون اللبنانيون برحيلهم. ويحمل خصوم زعيم التيار الوطني الحر عليه تفرّده بالقرار داخل مجلس الوزراء، مستفيداً من حصة وزارية وازنة لتياره ومن تحالفه مع حزب الله المدعوم من إيران.

وكان مؤيدون لحزب الله الذي شملته هتافات المحتجين المناهضة لسياسته المواليه لإيران على حساب الدولة اللبنانية، فرقوا بالقوة مظاهرات في بيروت واحرقوا خيام المحتجين أواخر اكتوبر/تشرين الأول.

وفي فيديو آخر، تظهر مجموعة من الشبان العراقيين يرددون "لبنان، نحن معك".

واعتمد المتظاهرون في البلدين طرقاً متشابهة للتعبير عن احتجاجهم، ومنها قرع الطناجر أو إغلاق الطرقات الرئيسية بصفوف من السيارات المركونة.

وإذا كان ضغط الشارع اللبناني أجبر رئيس الحكومة سعد الحريري على الاستقالة في 29 تشرين الأول/أكتوبر، فإن الحكومة العراقية لم تحرك ساكناً، وتمّ التوصل إلى اتفاق بين الكتل السياسية السبت على وضع حد للاحتجاجات ودعم حكومة عادل عبدالمهدي.

وخلال أكثر من 20 يوماً من التظاهر، شهدت الساحات اللبنانية مواجهات محدودة مع القوى الأمنية التي استخدمت في الأسبوع الأول فقط الغاز المسيّل للدموع والرصاص المطاطي.

أما في العراق، فشهدت الاحتجاجات أعمال عنف دامية أسفرت عن مقتل أكثر من 300 شخص، غالبيتهم من المتظاهرين، وجرح أكثر من 12 ألفاً آخرين، وفق لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب العراقي والتي أصدرت يوم الأحد أول حصيلة رسمية.

وقتل 15 شخصاً يومي السبت والأحد، بعد اتخاذ السلطات قراراً بالحد من الاحتجاجات، في بغداد والناصرية والبصرة.

وكان مسؤولون أمنيون عراقيون قد أكدوا في وقت سابق أن فصائل مرتبطة بإيران هي التي نشرت القناصة الذين أطلقوا النار على الحشود من أسطح المباني الشهر الماضي.

وأكدت اللجنة التي كلفتها الحكومة بالتحقيق في مقتل المتظاهرين وجود قناصة استهدفوا المتظاهرين لكنها لم تسمي الجهات التي تقف ورائهم.

 ويتهم جزء كبير من الشارع العراقي إيران بأنها مهندسة النظام السياسي في العراق، حيث يتركز غضب المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام خلال الأيام الماضية على إيران صاحبة النفوذ الواسع والدور الكبير في العراق.

وفي مدينة طرابلس في شمال لبنان، يقول المتظاهر عبيدة تكريتي (29 عاماً) "الفرق بين تظاهرتي البلدين اليوم هو الدم الذي سال في العراق"، مشيرا في المقابل إلى القواسم المشتركة في ما يتعلق بالنظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية في البلدين ومعدلات البطالة المرتفعة فيهما.

ويوضح "نحن موحدون في حسّنا الوطني (...) ونصيحتي لهم أن يكملوا طريقهم ليبنوا البلد الذي يحلمون به وألا يرضخوا للضغوط".

وفي جزء من واجهة بيروت البحرية يُعرف باسم "الزيتونة باي"، حيث تنتشر سلسلة مطاعم غالبيتها راق، افترش متظاهرون لبنانيون الأرض صباح الأحد لتناول الفطور، في مكان يُفترض أن يكون ملكاً عاماً وليس خاصاً.

وبين هؤلاء، جلس فوزي، رجل عراقي في السبعينات يعيش في لبنان منذ سنوات. ويقول وقد لف العلم اللبناني حول عنقه وفي باله بلده العراق وما يشهده من أحداث متسارعة، "الهدف واحد".