مها حسن: الزمن وحده هو من يحدد الفرق بين كاتب طارئ وكاتب أصيل

الكاتبة السورية تحرصُ أن لا تكتبَ لمجرد ازدياد العناوين في قائمة مؤلفاتها بقدر ما تسعى إلى إغناء تجربتها الروائية بأعمال مميزة.
هناك فارق بين كاتب لديه مشروع، وبين شخص يطمح في الحصول على ميزات من خلال الكتابة
على الكاتب الحريص على منتجه وتميزه، أن يراقب ذاته ويفكك أدواته من عمل لآخر

حوار أجراه: كه يلان محمد
تتوالى الأعمال الروائية التي ترصدُ وقائع الصراع والحروب الدائرة في بلدان المنطقة، إذ سبقت الرواية الأجناس الأدبية الأخرى في التفاعل مع الحدث وتحويله إلى مادة مسرودة، وما يَصعبُ مهمة أي كاتب في ظل هذا الزخم الروائي هو نحت أسلوب خاص وعدم الوقوع في مزالق التكرار، وتجنب المعالجات المُعتادة.
وتحرصُ الكاتبة السورية مها حسن - المقيمة في باريس - أن لا تكتبَ لمجرد ازدياد العناوين في قائمة مؤلفاتها بقدر ما تسعى إلى إغناء تجربتها الروائية بأعمال مميزة وتختبرُ أشكالا وصيغا جديدة، وفي ذلك تراهن على حنكة القاريء المخفي على حد قولها، كان لنا مع صاحبة "مترو حلب" هذا الحوار حول خصوصية اشتغالاتها الروائية وما يجب على أي كاتب توخيه لكي يكون مُتجددا.
وترى مها حسن أن هناك فارقا بين كاتب لديه مشروع، وبين شخص يطمح في الحصول على ميزات من خلال الكتابة، كالمال أو الشهرة. وأظن أن المقياس الذي يحدد أهمية الكتابة هو الزمن. الزمن وحده هو من يحدد الفرق بين كاتب طارئ وكاتب أصيل. وهناك أيضاً القراء. لهذا برأيي أن على الكاتب الحريص على منتجه وتميزه، أن يراقب ذاته ويفكك أدواته من عمل لآخر. وحول تجربتي الشخصية، أحسست أنني بعد روايتي الأخيرة، يجب أن أتوقف لفترة عن النشر. صرتُ محكومة بالتيمة السورية، وخاصة المنفى والحرب. لهذا، وخشية على كتابتي من الوقوع في فخ التكرار، سأتوقف قليلاً وأمنح نفسي فرصة الذهاب في عوالم أخرى مختلفة إبداعياً.

في مرحلة معينة كنتُ أعتبر نفسي امتدادا لكافكا. ثم رحتُ أشعر بتقاطعات مع كتاب آخرين

وعن روايتها "مترو حلب" قالت إنها هي رواية تخييلية بحتة، قد تتقاطع بعض أجواء الرواية من حيث  المنفى والعيش في باريس مع تجربتي الشخصية، لكن هذا لا يعني أبداً أنني وظّفت تجربتي الحياتية وعلاقتي مع المنفى في هذه الرواية، على العكس تماماً مما حصل في "عمتِ صباحا أيتها الحرب"، حيث أربكتني هذه الرواية، إذ أوثّق فيها قصص التشرد بسبب الحرب، محاولةً في نفس الوقت الاحتفاظ بالبنية الفنية للعمل، وفاءً مني للرواية بشكل عام. فأنا أعتبر نفسي روائية قبل أي تعريف آخر لي. 
حاولت في هذه الرواية، التوفيق بين موقفي الأخلاقي مما يحدث في بلدي، وبين موقفي الفني من الكتابة، بحيث لا أسقط في التوثيق الفج. لهذا اعتمدت على حيلة إسناد السرد لأمي الميتة. وهذا ما عنيته بالدمج بين الموقفين الأخلاقي والفني، لأن أمي شهدت الحرب وعاشت تفاصيلها، بينما أتمتع أنا بالسلام والأمان في فرنسا. لهذا فإن إعطاء أمي دور الساردة أو شهرزاد الحرب، هو أيضاً تقدير مني لضحايا هذه الحرب، وبنفس الوقت حبل نجاة فني، تمكنت أمي من اللعب عليه لتقلّب الزمن بين الموت والحياة، وتحوّل الموت إلى خرافة، فتخرج من قبرها لتروي.   
وأوضحت أنها أنا لا تكتب لإيصال رسائل من هذا النوع. وقالت: لا أعتقد أنه يمكننا التصالح مع الحرب. ربما كنت أسخر من الحرب عبر لعبة سرد الموتى، حيث هناك ساردات أخريات ينضممن للأم ويرقدن معها في ذات المقبرة. كنت أخفّف على نفسي، وعلى القارئ، ذعر الحرب. هذه لعبة فنية، لا علاقة لها بالمنطق خارج الرواية. الحرب هي الحرب، بشعة وقاسية ويجب على العمل إنهائها. 

الهوية أحد أكبر هواجسها
أنا لا أبحث عن قارئ كسول

وتعتقد مها حسن أنها تتحاور مع القارئ حيث تعتبره شريكاً في الكتابة. وتوضح قائلة: قارئي دائماً نبيه وذكي، ويلتقط الإشارات، ويتتبّع النص بمهارة. أنا لا أبحث عن قارئ كسول، وكتابتي لا تمتع هذا النوع من القراء. وأنا أثق بالقارئ. تجربتي في أعمالي السابقة، قدمت لي نماذج من قراء استفدت من إضافتهم لنصوصي. في العموم، هناك قارئ خفي في العالم العربي، بعيد عن المشهد العام، قارئ نهم متتبّع، يضع العلامات والنجمات في مواقع القراءة، ويقيّم الكتاب بحياد مطلق دون أية علاقة شخصية مع صاحب النص. هذا النوع من القراء يبهرني ويدفعني للثقة واحترام مستوى وعيهم، فلا أخشى من نحتي الروائي. 
وتعتبر مها حسن نفسها امتداداً لكتاب آخرين جاؤوا قبلها. وقالت: في مرحلة معينة كنتُ أعتبر نفسي امتدادا لكافكا. ثم رحتُ أشعر بتقاطعات مع كتاب آخرين، وفي (الراويات) يظهر اسم ساباتو كأحد أبطال الرواية. لكنني أسعى لنحت أسلوبي الخاص بي، بمعنى أن زمن التأثر أو الولاء لكتّاب آخرين قد رحل. وأعتقد أن هذا يظهر خاصة في عمليّ الأخيرين، شديدي الخصوصية المكانية والزمانية "الحرب الاستثنائية في سوريا"، حيث  قمت بنحت وجهي الخاص بي، وهذا لا يمنع أنني لا أزال قلقة على طريقة استقبال عملي الأخير من قبل القراء. 
وهي ترى أن الهوية أحد أكبر هواجسها. فقد كتبت "حبل سري" في حدود الخمسمائة صفحة، لتعبر عن هذا القلق. كردية، سورية، فرنسية، متعددة الهويات. في كل مرة تظهر إحداها وتغيب الأخريات. وقالت: أعاني ولكن بطريقة إيجابية تثري كتابتي من البحث الدائم عن إشكاليات الهوية.