مهجّرو ريف دمشق يجتمعون على عشق كرة القدم

كرة القدم تجمع أهالي المناطق القريبة من العاصمة السورية الذين أخرجوا إلى محافظة إدلب بعدما أجبرتهم العمليات العسكرية واتفاقات الإجلاء على مغادرة قراهم.
يعيش في إدلب حوالي مليون ونصف نازح من مناطق سورية عدة
بطولة لكرة القدم تهدف إلى زرع الالفة والمحبة عبر الرياضة

ادلب (سوريا) - في ملعب يقع قرب حقل زيتون في شمال غرب سوريا، يركض زكريا عبدالوهاب خلف الكرة متجهاً بسرعة نحو المرمى بأمل تسجيل هدف لصالح فريق مدينته القريبة من دمشق والتي تركها مجبراً قبل أكثر من عام.
زكريا هو واحد من عشرات آلاف الأشخاص الذين أخرجوا إلى محافظة إدلب بعدما أجبرتهم العمليات العسكرية واتفاقات الإجلاء على مغادرة مناطقهم التي كانت لسنوات تحت سيطرة فصائل معارضة، وأبرزها بلدات ومدن عانت حصاراً طويلاً ومحكماً قرب دمشق بدءاً من مضايا إلى الغوطة الشرقية.
وفي مبادرة من احدى المنظمات، يلتقي زكريا مع رفاقه "المهجرين" أيضاً للمشاركة في بطولة لكرة القدم بدأت الشهر الحالي تحت مسمى "الغوطة في قلوبنا"، بمشاركة 16 فريقاً تحمل اسماء أحياء في جنوب دمشق أو مدن وبلدات في محيطها يتنافسون مع فرق أخرى من قرى وبلدات محافظة إدلب أو منظمات إغاثة عاملة فيها.
ويقول زكريا (29 عاماً) "أشارك في البطولة مع فريق بلدتي مضايا للتسلية، وللتعرف ولننشئ صداقات مع أشخاص هجروا مؤخراً من الغوطة (الشرقية) والقلمون" قرب دمشق.
في العام 2017، خرج زكريا من بلدته مضايا قرب دمشق، التي شكلت لسنوات رمزاً لسياسة الحصار المتبعة في سوريا، في حافلات اعتادت على نقل المغادرين بموجب اتفاقات إجلاء من مناطق كانت تسيطر عليها الفصائل المعارضة.
وها هو اليوم يرتدي زي "فريق مضايا" الرمادي اللون، ويستريح بعد مباراة كرة قدم منهكة مع فريق "بنفسج" التابع لمنظمة إغاثة محلية في إدلب.
يضحك زكريا حين يتحدث عن المباراة ويقول "خسرنا تقريبا 14 هدفاً في مقابل ثلاثة فقط".

لكن يبدو أن الخسارة لا تعني له الكثير، فهو يشارك في البطولة لأسباب أخرى بينها أيضاً "التعرف أكثر على أهالي إدلب".
يتألف الفريق الواحد من ستة لاعبين بينهم حارس المرمى، ولكل فريق زيه الخاص ولونه الخاص ومشجعوه أيضاً. 
ويقول زكريا، الذي كان يكتفي واصدقاء له في مضايا بلعب كرة القدم في باحة إحدى المدارس، "كنا محاصرين حصار موت"، مضيفاً "ليس هناك فرق كاملة اليوم، فهناك من استشهد ومن بقي في مناطق النظام وآخرون هجروا" إلى مناطق أخرى.
يقاتل زكريا اليوم في صفوف احد الفصائل المعارضة في مقابل راتب يراوح بين 50 و60 دولاراً.
ويعيش في إدلب حالياً 2,5 مليون شخص نصفهم من النازحين من مناطق سورية عدة، إن كان من درعا جنوباً أو حمص وحماة (وسط) أو محيط دمشق وغيرها. 
ومنذ سنوات، تشهد سوريا على عمليات إجلاء لعشرات آلاف المقاتلين والمدنيين من مناطق كانت تسيطر عليها الفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وآخرها العام الحالي من محافظة درعا وقبلها من أحياء في جنوب العاصمة مثل القدم واليرموك ومن مدن وبلدات الغوطة الشرقية.
نعرف كيف نفرح
وتستمر البطولة حتى 25 اغسطس/آب الحالي، وهي تهدف وفق مسؤول في المنظمة الراعية لها "إيد كونفوي" إلى زرع "الالفة والمحبة والود ولتستمر الحياة" عبر جمع الفرق من الغوطة الشرقية وجوارها بفرق إدلب وريفها.
إلى جانب ملعب كرة القدم الصغير، يتحضر محمد ناصر (29 عاماً) لخوض مباراة فريق القلمون الغربي، المنطقة التي يتحدر منها قرب دمشق. 
ويطمح الشاب الذي كان قبل الحرب مدرب رياضة في دار للأيتام بالوصول إلى نهائيات البطولة والفوز بالكأس.
ويقول الشاب الأسمر ذو اللحية السوداء، وهو يرتدي زي فريقه البرتقالي اللون، "بطولة بهذا الشكل تجمعك بأشخاص يتحدرون من مناطق قريبة من بلدتك".

ويضيف "صحيح أن أهلنا في إدلب لم يقصروا معنا، لكن الإنسان بحاجة إلى شعور بالانتماء" يتحقق حين "تلتقي بأهالي داريا والغوطة والقلمون الشرقي".
لم تكن حياة محمد سهلة خلال سنوات النزاع، فهو فرّ قبل أربع سنوات من بلدته النبك في القلمون الغربي ليصبح لاجئاً في بلدة عرسال في شرق لبنان، قبل أن يغادرها العام الماضي ويأخذ من إدلب مسكناً جديداً له.
وتعد إدلب آخر أبرز معاقل الفصائل بعد طردها تدريجاً من مناطق عدة في البلاد، وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاَ) على الجزء الأكبر منها. وكررت دمشق في الآونة الأخيرة أن هذه المحافظة على قائمة أولوياتها العسكرية، في وقت تحذر الامم المتحدة من تداعيات التصعيد نتيجة الكثافة السكانية فيها.
ويعتبر محمد أن بطولات بهذا الشكل تُعد بمثابة "رسالة للنظام، اننا نعيش برغم كل شيء من قصف وقتل وتدمير، الهدف من هذه البطولة (أن نقول) اننا نعرف كيف نعيش حياتنا وكيف نفرح".
ويضيف "اذا نظر إلى هذه الوجوه، سيجد أن لا يمكنه الانتصار على هذا الشعب".

كنا محاصرين حصار موت، ليس هناك فرق كاملة اليوم، فهناك من استشهد ومن بقي في مناطق النظام وآخرون هجروا