مواجهة كورونا.. في الدول الهشة والفاشلة

وجود الحرس الثوري في إيران والحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان يكشف عجز هذه الدول عن مواجهة أي كارثة طبيعية أو صحية.

بقلم: عماد بوظو

تقع الكثير من الدول العربية والشرق أوسطية ضمن تصنيف الدول الهشّة أو الفاشلة، بعضها انهارت فيها تماما مؤسسات الدولة مثل سوريا واليمن وليبيا وبعضها تتحكم فيها ميليشيات لا تتطابق أهدافها مع مصالح شعوبها، مثل "الحرس الثوري" في إيران و"الحشد الشعبي" في العراق و"حزب الله" في لبنان، وعندما تتعرض هذه الدول لأزمة طارئة أو كارثة طبيعية أو صحية ينكشف عجزها وفشلها، كما يحدث اليوم في طريقة التعامل مع فيروس كورونا.

مرض "كوفيد-19" الذي يسبّبه فيروس كورونا 2019، هو عدوى تصيب الطرق التنفسية بسلالة جديدة من الفيروسات التاجيّة التي طرأ عليها تحوّل في نهاية عام 2019 في مقاطعة هوبي وسط الصين مكنها من الانتقال من أحد الحيوانات إلى الإنسان ثم نقل العدوى من إنسان إلى آخر بحيث انتشر الوباء خلال بضعة أسابيع في عشرات البلدان وأصاب عشرات آلاف الأشخاص وتسبب في وفاة عدة آلاف منهم، مما خلق أجواء من القلق والرعب انعكست ببوادر أزمة اقتصادية عالمية.

تشبه أعراض كوفيد-19 أعراض الإنفلونزا من حمّى وسعال وصعوبة تنفس، تسبقها فترة حضانة تتراوح بين يومين وأسبوعين وتتفاوت شدّة المرض بين شخص وآخر، فثمانين في المائة من المرضى لا تبدو عليهم أعراض شديدة مما يسمح لهم بممارسة حياتهم المعتادة وبالتالي نقل العدوى للآخرين. وتشير الإحصائيات حتى الآن بأن نسبة الوفيات من هذا المرض تتراوح بين 1 و2 في المائة.

في إيران كان لهذا المرض قصة مختلفة، فبعد ساعات من الإعلان عن إصابة شخصين من مدينة قم بكورونا، تم الإعلان فجأة عن وفاتهما، وخلال خمسة أيام تم الإعلان عن 61 إصابة و12 وفاة، وكانت أرقام البيانات الإيرانية المتتالية دوما أقل بكثير من الشهادات المتسرّبة من الداخل، كما كان عدد الوفيات فيها مرتفعا مقارنة مع العدد المعلن من الإصابات بحيث احتلت إيران المركز الثاني بعد الصين في عدد ضحايا المرض.

وقال بول هنتر أستاذ الطب في جامعة إيست أنجليا أن معدل الوفيات البالغ 17 في المائة مرتفع جدا، وتابع أن "إيران والشرق الأوسط مكان مثالي لكي يتفشّى الفيروس، وربما إيران لا تتستر على الفيروس بل لا تملك الإمكانيات لتحديد دقيق للحالات والمجموعات المصابة وهذا أكثر خطورة".

رجّح باحثون كنديون أن سبب عدد الوفيات المرتفع في إيران يعود إلى أن عدد المرضى أكبر بكثير من الأرقام التي تعلنها الحكومة، وقدّروه ـ وقت إعداد الدراسة ـ بحدود 18 ألف إصابة، دون إهمال حقيقة أن انهيار الوضع الصحي في إيران ساهم أيضا في رفع أعداد ضحايا كورونا فيها مقارنة مع بقية البلدان، والناتج عن انخفاض مستوى المعيشة وانتشار إدمان المخدرات والأعداد الكبيرة لمرضى الإيدز والأمراض المزمنة الأخرى.

انتقل التخبط الإيراني في طريقة التعامل مع كورونا إلى العراق وسوريا ولبنان. في العراق ولبنان تأخّر لأسباب سياسية قرار إيقاف الرحلات الجوية مع إيران وإغلاق الحدود البرية، وحتى عندما تم الإعلان عنه لم يتم الالتزام به، فالمعابر البرية بين العراق وإيران وبين لبنان وسوريا لا تخضع لسلطة الحكومات بل لميليشيات مرتبطة بإيران.

لم يتم الإعلان في العراق ولبنان حتى الآن سوى عن إصابات معدودة بعكس بقية الدول المجاورة لإيران التي أعلنت عن عشرات الإصابات لقادمين منها، وفي سوريا حيث يوجد عشرات آلاف عناصر الميليشيات الإيرانية والتي تترافق مع حركة تنقّل كثيفة بين البلدين لم يعلن حتى كتابة هذا المقال عن إصابة واحدة بفيروس كورونا.

وعندما لا تكون مؤسسات الدولة قادرة على الاعتراف بوجود الأزمات الطارئة وبالتالي مواجهتها يقع على الأفراد والمجتمعات المحلية مهمة حماية أنفسهم. وفي حالة وباء كورونا تكون البداية بتشديد إجراءات الوقاية عبر تجنّب الأماكن المغلقة مثل وسائل المواصلات العامّة والمجمّعات الاستهلاكية والأسواق المغطاة ودور العبادة وصالات السينما، وعدم الذهاب إلى المستشفيات والمراكز الصحية إلا للضرورة.

وعند ارتفاع خطر العدوى يجب الامتناع عن الذهاب للمدارس والجامعات وأماكن العمل حتى لو لم تتخذ الحكومة قرارا بذلك، مع تجنب الاتصال القريب بالآخرين مثل العناق والتقبيل، والابتعاد تماما عن أي شخص أتى من منطقة موبوءة حتى لو لم يحمل علامات أي مرض، والعمل على إقناعه بالدخول في حجر صحّي طوعي بمنزله لمدة أسبوعين.

مع الحرص على إتباع وسائل النظافة الشخصية مثل غسل اليدين مرارا وتجنب لمس الأنف والعينين، وقد يساعد استعمال أنواع معينة من الكمّامات تغطي الفم والأنف بإحكام في تأمين بعض الحماية، على أن تتكون من عدة طبقات وأن يتم استبدالها يوميا وألا يتم لمسها سوى من أماكن تعليقها على الأذنين.

من الممكن صنع أنواع مقبولة منها من مكوّنات بسيطة متوفرة في المنازل، لأن توفّر أعداد كافية من القناع الواقي الحقيقي المعروف باسم "إن 95" صعب في الدول الفاشلة، كما أن من مسؤولية الشخص تجاه محيطه ومجتمعه ألا يختلط مع الآخرين عند شعوره بأن وضعه الصحي ليس على ما يرام، وألا ينتظر تطور أعراض تنفسية ليقوم بذلك فقابليته لعدوى الآخرين تبدأ قبل ظهور الأعراض.

مثل بقية الأمراض الفيروسية لا يوجد علاج لكوفيد-19، ومن المستبعد توفّر لقاح له بمتناول العموم في العام الحالي، أي أن مواجهة هذا المرض تعتمد على رفع مناعة الجسم من خلال الراحة في غرفة جيدة التهوية، مع التغذية الصحية التي تعتمد على الطعام الطازج الغني بالفيتامينات مع ضرورة الانتباه لتجنّب المواد السكريّة والحلويات والعصائر المحلاة لأنها تقلل من مناعة الجسم، ويمكن استعمال بعض المعالجات العرضية لتخفيف إزعاجات المرض.

وبما أن عائلة الفيروسات التاجية تستهدف دائما الرئتين فيجب البقاء بحالة الجاهزية لاحتمال الاضطرار للذهاب للمشفى إذا اشتد السعال أو زادت صعوبة التنفس، ولتجنّب نقل العدوى للآخرين يجب تغطية الأنف والفم عند السعال، وعزل ملابس المريض وكل ما يستخدمه من أدوات بأوعية منفصلة وتنظيف غرفته وفراشه وأدواته بمواد تنظيف مركّزة، لأن بعض الأبحاث تقول بأن الفيروس يستطيع الحياة لعدة أيام في درجة حرارة الغرفة ضمن رذاذ السعال والعطاس.

وبما أن وباء كورونا الحالي أكثر خطورة على الرجال فوق الخمسين من العمر فيجب تطبيق الإجراءات السابقة بصرامة أكبر عليهم، وكذلك على من لديهم حالات صحية سابقة، مثل مرضى القلب والسكري والمدخنين ومدمني المخدرات، ولمن عندهم نقص في المناعة أو يتناولون أدوية تثبّط المناعة.

من الممكن أن تتعاون المجتمعات المحلية في القرى والأحياء لمتابعة تنفيذ هذه الإجراءات، وحتى تخصيص منزل صحّي كمركز طبي مؤقت، كما يجب الضغط على الحكومات لتوفير حماية كافية من العدوى للفئات الأكثر تعرضا لخطر المضاعفات، مثل السجناء والعسكريين والعاملين في المجال الطبي والمقيمين في دور العجزة.

ومن المفيد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعريف الناس والعالم الخارجي على حقيقة ما يحدث في هذه الدول، مثل المقطع المصوّر الذي أرسلته الممرضات الإيرانيات الشجاعات في مشفى كامكار في قم اللواتي كشفن فيه عن وجود 42 مريض في مشفاهن بعضهم في حالة حرجة وطلبن من المواطنين عدم الخروج من منازلهم لتجنب الإصابة، أو النشطاء الذين نقلوا صور المقابر الجماعية لمرضى كورونا في إيران والتي علّق عليها النائب عن مدينة رشت غلام إيمانبادي، "يمكنك إخفاء الأرقام لكن لا يمكنك إخفاء المقابر الجماعية"، أو ما قاله الصحفي العراقي أجود المحمدي، أن "الرحلات الجوية من العراق لإيران لم تتوقف رغم قرارات الحكومة لأن ارتباط بعض التيارات العراقية بإيران أقوى من خضوعها لقرارات الحكومة العراقية". فضح هذه الممارسات يلعب دورا رئيسيا في مواجهة المرض، لأن غياب الشفافية واللجوء للإنكار والتطمين الزائف هو الذي أدى إلى هذا الانتشار الواسع للعدوى وهو الذي أوصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم.

نُشر في شبكة الشرق الأوسط للإرسال