مواقع أثرية تتحول الى ملاذ للنازحين في سوريا

نازحون يسكنون مجموعة من المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي ويهربون من المخيمات المكتظة ومن كارثة صحية وشيكة بسبب انتشار فيروس كورونا.
مئات المواقع الأثرية تضررت نتيجة المعارك والنهب
الحياة في مناطق مهجورة ليست سهلة في ظل انتشار العقارب والأفاعي

باقرحا (سوريا) - وسط ما تبقى من جدران وأعمدة معبد روماني يعود بناؤه الى القرن الثاني، وضع عبدالعزيز الحسن خيمة تؤويه وعائلته مفضلاً هذا الموقع الأثري في منطقة باقرحا على مخيمات النازحين المكتظة في شمال غرب سوريا.
وعلى غرار عبدالعزيز، اختارت عائلات نازحة عدة الإقامة في مواقع أثرية في منطقة باقرحا وجوارها، المدرجة على قائمة التراث العالمي للبشرية التي تعدها اليونسكو، بعدما أجبرها هجوم لقوات النظام بدعم روسي نهاية العام الماضي على ترك قراها وبلداتها في جنوب إدلب.
ويقيم نحو 1,5 مليون نازح في أكثر من ألف مخيم على طول الحدود بين إدلب وتركيا. ويبدو أن ابتعاد تلك العائلات عن الاكتظاظ جاء في مصلحتها مع انتشار فيروس كورونا المستجد والخشية المتصاعدة من "كارثة" صحية.
ويقول عبدالعزيز، الوالد لثلاثة أطفال، "اخترت هذا المكان لضمان راحة البال وللابتعاد عن الأماكن المزدحمة وتلك التي يوجد فيها أمراض".
وضع الرجل الثلاثيني، نحيل البنية، خيمته بين ما تبقى من ثلاثة جدران أثرية، وحولها حجارة ضخمة وبقايا أعمدة سقطت على مر التاريخ تعود إلى معبد زيوس بوموس الروماني ويعرفه السكان اليوم باسم "برج باقرحا". وفي المنطقة آثار كثيرة تعود إلى الحقبتين الرومانية والبيزنطية.
قرب الخيمة، وبين حجارة ضخمة تحميه من الرياح، وضع عبدالعزيز موقداً صغيراً يشعل فيه الحطب للطبخ ولوحاً يعمل على الطاقة الشمسية لتأمين مياه ساخنة للاستحمام. وعلق بين جدران المعبد حبلاً للغسيل.
ويقول المدير العام السابق للمديرية العامة للآثار والمتاحف مأمون عبدالكريم في دمشق، إن باقرحا "من المواقع الهامة كونها تلقي الضوء على التطور الريفي في هذه المنطقة خلال العصرين الروماني والبيزنطي"، مشيراً إلى أن ثمة مباني ما زالت "في حالة من الحفظ الجيد".
ويعود المعبد الروماني الذي صمدت واجهته، إلى القرن الثاني الميلادي، بحسب الكتابات اليونانية الموجودة في الموقع.
وتقع بالقرب منه كنيستان، تعود الأولى إلى العام 501 ميلادي والثانية وهي بازيليك كبيرة إلى العام 546.
ويضم شمال غرب سوريا حوالى أربعين قرية، بينها باقرحا، تعود إلى ما بين القرنين الأول والسابع للميلاد من الحقبة البيزنطية. وقد وضعتها اليونسكو على قائمة التراث العالمي.
وتشمل، وفق موقع المنظمة، معالم أثرية لعدد من المساكن والمعابد الوثنية والكنائس والأحواض والحمامات العمومية. وتُعد "دليلاً مهماً على الانتقال من التاريخ الوثني للإمبراطورية الرومانية إلى الحقبة المسيحية في العصر البيزنطي".
لكن الحياة في هذه المنطقة المهجورة ليست بالأمر السهل، إذ يجدر على أطفال عبدالعزيز السير مسافة حوالى 1,5 كيلومتر للوصول إلى مدرسة القرية في منطقة تنتشر فيها العقارب والأفاعي، حتى أنهم يتأخرون أحياناً عن دوامهم، على حد قوله.
ويروي "منذ يومين قتلت أفعى كانت بالقرب من باب (الخيمة) بعدما دخل علي ابني وهو يرتجف" من الخوف. ويضيف "كل يومين نقتل عقرباً.. لكننا لم نجد أفضل من هذا المكان".
مرّ حوالى العام على نزوح عبدالعزيز، ولم يتمكن حتى اللحظة من العودة.
وفي سوريا، كنوز تعود لحقبات الرومان والمماليك والبيزنطيين، مع مساجد وكنائس وقلاع صليبية. إلا أن مئات المواقع الأثرية تضررت خلال السنوات الماضية نتيجة المعارك والقصف فضلاً عن أعمال السرقة والنهب.
لم يلجأ عبدالعزيز وحده إلى الموقع الأثري، بل رافقه صهره صالح جعور وأولاده بعدما فقد زوجته، شقيقة عبدالعزيز، وأحد أولاده جراء القصف.
ويقول صالح (64 عاماً)، الذي غزا الشيب شعره وذقنه، "اخترت هذا المكان لأنه قريب من الحدود التركية، وفي حال حصل شيء ما، نذهب سيراً إلى تركيا".
ويضيف "إنه مكان بعيد عن الزحمة والضجيج".
وفي الآونة الأخيرة، طلب مسؤولون محليون منهم المغادرة المكان، لكن العائلة رفضت لعدم قدرتها على تأمين بديل، فيما تعاني لتأمين قارورة غاز أو مياه من القرية المجاورة.
ويتساءل صالح "إلى أي نذهب؟"، فلا قدرة له على الترحال ووضع خيمة من جديد أو حتى استئجار سيارة لنقل أغراضه، رغم تخوفه من فصل الشتاء والمصاعب التي ستأتي معه.
وبهدف إبعاد النازحين من المنطقة الأثرية، يسعى المجلس المحلي في قرية رأس الحصن المجاورة إلى ايجاد حلول بديلة. ويأمل أن تساعد المنظمات المعنية على نقلهم إلى مخيمات يتم إنشاؤها في منطقة قريبة.
إلا أن عبدالعزيز يقول "اعتدنا على المكان".