"موعد مع الشيطان" أقل قسوة من الموعد مع الإنسان

أحداث رواية وائل البيطار تدور حول قصة رجل تعرّض لكل أنواع التعذيب والتنكيل وهو قابع في أقبية السجن؛ عقابا له على جريمة لم يرتكبها.
الإنسان تفوّق على الشيطان في ارتكاب ما لا يخطر على البال من الفظائع
الكاتب يصوّر الشيطان بصورة جديدة

عمّان ـ لا يوجد مخلوق في العالم أكثر وحشية من الإنسان، حيث نافس الإنسانُ الشيطانَ حتى غلبه وتفوّق عليه، لا سيّما في بلداننا العربية.
حول هذا المضمون تدور أحداث رواية الكاتب الأردني وائل البيطار "موعد مع الشيطان" الصادرة مؤخرا عن الآن ناشرون وموزعون - عمّان، حيث تناول الكاتب في روايته التي تقع في 96 صفحة من القطع المتوسط  قصة رجل تعرّض لكل أنواع التعذيب والتنكيل وهو قابع في أقبية السجن؛ عقابا له على جريمة لم يرتكبها.
يسرد البيطار في الفصل الأول من هذه الرواية التي تشتمل على ثلاثة فصول أحداث رحلة خيالية قام بها بطل الرواية الأربعيني رفقة إبليس، حيث التقى به في إحدى الحدائق العامة وهو جالس مستغرق في قراءة رواية "الجريمة والعقاب"، حتى ظهر له فجأة دون سابق إنذار رجل يرتدي بذلة سوداء أنيقة ونظارة داكنة تخفي نظراته، جلس بقربه رغم أن الحديقة مليئة بالمقاعد الشاغرة، ارتعب البطل من هذا الرجل واحتار في أمره، اعتقد أنه من رجال المخابرات أو مخبر يريد استجوابه بطريقة غير مألوفة، ولم يكن هذا الرجل الباذخ الأناقة سوى إبليس.
صوّر الكاتب الشيطان في روايته بصورة جديدة حيث بدا لنا وحيدا مهموما حزينا أراد أن يشارك البطل آلامه، فهو بعد آلاف السنين من العمل المتواصل الدؤوب في إغواء الناس وإشعال الحروب وتخريب كل شيء جميل أصبح الآن عاطلا عن العمل، فقد تفوّق الإنسان عليه في ارتكاب ما لا يخطر على البال من الفظائع إذ أصبح أقوى وأفصح من الشيطان في الغواية وابتداع المنكرات.
وفي أثناء الرحلة الاستكشافية التي اصطحب فيها الشيطانُ البطلَ جعله يرى العالم على حقيقته من الداخل والخارج، بصورة مختلفة عما رآه عليها في الكتب والروايات، فدخل معه إحدى المدن المنكوبة ووجد فيها طفلا يكاد يموت من البرد يبحث في التراب عن أي شيء يأكله، بينما كان هنالك قصر خرافي يتلف ما يزيد من موائد الطعام واللحوم التي تكفي مدينة كاملة، وفي مشهد آخر يجد البطل نفسه في أحد الملاهي الليلية التي يسهل فيها الفجور بين الرجال والنساء وهنا يتحسّر الشيطان على أنه لم يعد له حاجة في الإغواء فمواقع الإنترنت تقوم بلحظة بما لم يستطع هو القيام به عبر قرون.
وفي مشهد آخر عرض الشيطان ما يعانيه السجناء في أقبية أحد السجون العربية المخصصة للتعذيب والقتل والاغتصاب والتفنن العجيب في ابتكار الألم وسط ابتهاج السجّانين، وقد ازداد حنق الشيطان بعد هذه المشاهد على الإنسان، إذ أصبح يشعر أنه تلميذ أحمق في مدرسته العريقة، كما ازداد حقد البطل أيضا على أبناء جنسه بسبب ظلمهم وبطشهم.
وفي الفصل الثاني من الرواية يتعرّض الكاتب لحياة بطله في مراحلها المختلفة حيث عاش وحيدا منعزلا بين ضعف أُمٍ لا حول لها ولا قوة، وجبروت أب لا يعرف المشاعر، فبدأ يدمن على القراءة للتغلّب على هذه الوحدة  حتى ظهرت في حياته سراب "ياسمينة دمشقية معطّرة بآلام وطنها، متوشّحة ببياض أخّاذ كأكفان الشهداء، معتقة بحزن الأمويين، مسكونة بعشق أندلسي دمشقي، موشومة في روحها وعقلها بأفراح وأحزان شامها المسلوب".
طالبان في الجامعة تشاركا معا هموم الأمة وأحزانها حتى توحّدت روحاهما، وحّدتهما الأفكار والآلام والضحكات المخنوقة بمآسي الأمة، فأصبح كل منهما عالم الآخر وكيانه.
ماتت سراب بعدما اشتاقت إلى دمشق وقرّرت الرجوع إليها، لحظة وصولها تعرّضت لأبشع أنواع التعذيب والاغتصاب، وراح هو يهتف: "تسقط الأنظمة العربية، يسقط المتخاذلون، يسقط المعربدون على جثثنا، يسقط من باع شامنا وعراقنا وفلسطين من قبل".
وفي الفصل الأخير من الرواية يجد البطل نفسه في غرفة التحقيق غارقا في دمائه، تنهال عليه الضربات في كل مكان حتى تمزّق جسده، لم يبق فيه جزء إلا وفيه كدمة أو جرح، فشلت أساليبهم التقليدية كلها - على تنوّعها - في جعله يصرخ، فقرّروا إذلاله وسحقه بالكامل وهزيمته روحيا وجسديا ونفسيا، حينها تذكّر سراب وهي في الموقف نفسه، شعر بآلامها تتجمع مع آلامه فكان صراخه مرعبا.
استطاع أن يكتب مذكّراته في السجن قبل أن يموت تحت التعذيب، وقبل أن يزعموا أنه قد مات منتحرا.
من خلال استعراض فصول رواية "موعد مع الشيطان" ذات السرد العفوي المترابط، واللغة الجريئة، والأحداث المتسلسلة المحكمة، والوقوف عند نهايتها المفجعة، نجد أن الكاتب وائل البيطار كتب روايته السياسية التي تتقاطع مع أدب السجون من أجل كل المصلوبين في سبيل أوطانهم أو بسببها، من أجل كل من عشق وتألم بصمت، من أجل كل من قال لا، ودفع الثمن غاليا، فهو لم يجعل لبطل روايته اسما؛ ليكون رمزا لكل سجين قابع في ظلمات السجن منسي، لكل محبوب حال الظلم بينه وبين محبوبه، لكل مذبوح على عتبات الوطن. 
وكذلك اختار للمحبوبة أن تكون سرابا؛ لتدلّ على كل حلم بقي معلقا أو تلاشى، وكل وهم ظنه المؤمن به حقيقة وواقعا، وكل خيبة أمل، وهل السراب سوى رغبات تتجسّد فوق رمال الصحراء، صحراء القلب والروح وصحراء الوطن؟
وبذلك يكون الـ "موعد مع الشيطان" عند البيطار أكثر رحمة وأقل قسوة من الموعد مع الإنسان، ومع الوطن أيضا.
يذكر أن الكاتب وائل البيطار من مواليد مدينة إربد سنة 1964، أنهى الثانوية العامة في مدرسة الأمير حسن الثانوية في إربد، ودرس اللغة الإنجليزية في جامعة شيلر الدولية في لندن، سنة 1984، ثم حصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها في جامعة اليرموك سنة 1989، والماجستير في الأدب الإنجليزي في الجامعة الأردنية سنة 1993. عمل مدرسا للغة الإنجليزية في المدارس الخاصة، ومحاضرا غير متفرغ في جامعة العلوم والتكنولوجيا قبل أن يتحوّل إلى محاضر متفرغ في ذات الجامعة منذ عام 2000، وإلى الآن. صدر له: شهداء ولكن، نصوص، 2016. صرخات صامتة، قصص قصيرة، 2017. وله ديوان شعري قيد النشر.