ميتا تعلن حالة الطوارئ في سباق الذكاء الاصطناعي وسط منافسة محتدمة

بعد فشل نموذج 'ال لاما' في مواكبة المنافسين، مارك زوكربيرغ يطلق خطة إنقاذ شاملة تشمل استثمارات بمليارات الدولارات واستقطاب كبار خبراء المجال.

واشنطن - أطلق مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، خطة طوارئ داخلية لإعادة شركته إلى واجهة سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، وذلك بعد خيبة أمل عارمة رافقت أداء نموذج "Llama" الجديد خلال مؤتمر الشركة الأخير في أبريل/نيسان الماضي، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز.

وكان زوكربيرغ قد وصف النموذج علنًا بأنه "وحش"، غير أن النموذج فشل في منافسة منتجات منافسين مثل "تشات جي بي تي" من OpenAI و"كلود" من Anthropic، كما غابت عنه مزايا مرتقبة مثل المحادثة الصوتية، مما أثار استياء المطورين الحاضرين ودفع مؤسس "ميتا" إلى اتخاذ إجراءات فورية.

ووفقًا لمصادر مطّلعة، فعّل زوكربيرغ مجموعة خاصة على تطبيق "واتساب" تضم كبار مسؤولي الشركة، لإدارة خطة إنقاذ طارئة تتضمن تغييرات هيكلية واستراتيجية جذرية. ومن أولى هذه الخطوات إقالة نائب الرئيس المسؤول عن الذكاء الاصطناعي التوليدي، وفتح باب الاستثمار على مصراعيه في شركات ناشئة متخصصة.

ففي منتصف يونيو/حزيران، أنفقت ميتا أكثر من 14 مليار دولار مقابل حصة بنسبة 49 بالمئة في شركة "Scale AI" الناشئة، المتخصصة في تصنيف البيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. وبموجب الصفقة، انضم مؤسس الشركة ألكسندر وانغ إلى فريق الذكاء الاصطناعي في "ميتا"، حيث سيساهم في مشروع تطوير "الذكاء الفائق" داخل مختبرات الشركة.

وقال متحدث باسم "ميتا" "لقد أنهينا شراكتنا الاستراتيجية مع Scale AI. سنعمّق عملنا المشترك في إنتاج البيانات لتدريب النماذج، وسينضم ألكسندر وانغ إلى ميتا للمشاركة في جهود الذكاء الفائق".

ويأتي هذا التحرك في ظل سباق عالمي محموم نحو "الذكاء الفائق" – وهو نوع من الذكاء الاصطناعي يفوق القدرات البشرية في التفكير والتحليل – تقوده شركات مثل غوغل، أمازون، مايكروسوفت، وأوبن إيه آي. وتهدف ميتا إلى اللحاق بهذا الركب بعد أن باتت متأخرة في مجال النماذج اللغوية الكبرى.

سباق عالمي محموم نحو الذكاء الفائق

وفي محاولة لتعويض هذا التأخر، كثّفت "ميتا" حملات التوظيف وعروض الاستقطاب، إذ عرضت على أكثر من 45 باحثًا من OpenAI مكافآت تصل إلى 100 مليون دولار للفرد الواحد، وقد قَبِل أربعة منهم بالفعل الانضمام إلى صفوف الشركة، بحسب الصحيفة الأميركية.

كما أجرت ميتا محادثات مع شركات واعدة أخرى في المجال، من بينها "Perplexity AI" التي تنافس محرك بحث غوغل، وشركة "Runway" الناشئة المختصة بتوليد الفيديو عبر الذكاء الاصطناعي، وذلك في إطار استراتيجية شاملة لإعادة تموضع الشركة ضمن المنافسة.

وتقود هذه الجهود وحدة جديدة داخل "ميتا" مخصصة لتطوير ما يُعرف بـ"الذكاء الفائق"، وهي تعمل على نماذج متقدمة يفترض أن تتفوق على البشر في الإدراك واتخاذ القرار. ويضم الفريق أصواتًا من خلفيات علمية وتقنية متعددة، من بينهم مهندسون سابقون في OpenAI، إلى جانب ألكسندر وانغ، أحد أبرز وجوه الذكاء الاصطناعي في وادي السيليكون.

ومع أن زوكربيرغ كان مدافعًا شرسًا عن نموذج "Llama" مفتوح المصدر، إلا أن تقارير نيويورك تايمز تشير إلى أنه ناقش مؤخرًا مع مستشاريه احتمال تقليص الاعتماد عليه، وربما اللجوء إلى نماذج مغلقة من شركات أخرى. ومع ذلك، أكدت الشركة رسميًا التزامها بمواصلة تطوير "Llama" مع خطط لإصدار نسخ جديدة منه خلال العام الجاري.

ورغم أن أسهم "ميتا" تشهد صعودًا مطردًا، وتقترب قيمة الشركة السوقية من عتبة التريليوني دولار، إلا أن بعض المستثمرين المؤسساتيين بدأوا يبدون قلقهم بشأن حجم الإنفاق ومستقبل السيولة. وقال المحلل الإستراتيجي في مؤسسة "بايرد"، تيد مورتونسون: "حاليًا، لا توجد ضوابط أو توازنات حقيقية – زوكربيرغ يتمتع بسلطة كاملة لاتخاذ القرارات".

وأضاف: "رغم الآمال الكبيرة في أن تعزز تقنيات الذكاء الاصطناعي منظومة الإعلانات الرقمية في ميتا، إلا أن المخاوف بشأن حجم الإنفاق حقيقية، خصوصًا في ظل التحديات التي تواجه Llama".

ويرى بعض الخبراء أن المراهنة على استقطاب الكفاءات وحدها ليست كافية. إذ وصف المدوّن والمحلل زفي موشوفيتز الاستراتيجية بأنها "نهج مرتزق"، وقال لوكالة فرانس برس: "هناك مخاطر كبيرة حين تتحول الشركة إلى بيئة لا يرغب أحد بالعمل على منتجاتها رغم الرواتب الضخمة. لا أتوقع نجاح هذا النهج، لكن ربما يصبح أداء Llama أقل سوءًا".

من جهته، يشير أنجيلو زينو، المحلل في شركة CFRA، إلى أن توظيف خبراء الذكاء الاصطناعي هو استثمار طويل الأمد قد لا تظهر ثماره قريبًا، مضيفًا: "لكن لا بد من ضم هؤلاء الآن، والاستثمار بشراسة، إن كانت ميتا تريد أن تكون مستعدة للمرحلة القادمة".

وعلى الرغم من تأخرها النسبي، تملك "ميتا" إرثًا في البحث العلمي من خلال وحدة FAIR التي أسسها العالم يان لوكون، أحد آباء التعلم العميق. وبعد ظهور "تشات جي بي تي" في أواخر عام 2022، أسست ميتا فريقًا خاصًا بالذكاء الاصطناعي التوليدي عام 2023 بقيادة الباحث أحمد الدهل.

وفي خضم هذه التحولات، تغيّرت قواعد اللعبة في سوق المواهب، حيث بات باحثو الذكاء الاصطناعي يُعاملون كما لو كانوا نجوم رياضة محترفين، بعقود خيالية وانتقالات فورية، من دون مقابلات تقليدية أو عمليات فرز مطوّلة.

في المحصلة، يخوض مارك زوكربيرغ سباقًا مع الزمن. فإما أن تنجح رهاناته وتعيد "ميتا" إلى صدارة سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، أو أن يتحول هذا الإنفاق الهائل إلى مغامرة باهظة الثمن في سوق لا يمنح المتأخرين فرصة ثانية.