'ميثاق وطني' للجنوبيين يؤسس لمرحلة فاصلة في بناء دولتهم

توافق المكونات الجنوبية في ختام مؤتمر وطني انطلق قبل أيام على ميثاق سياسي يهيء الأرضية لاستعادة دولة الجنوب وتحفيز المترددين للانضمام للحوار، بينما لا يزال أمام الجنوبيين الكثير من التحديات.
توافق بين المكونات الجنوبية اليمنية على الاتجاهات العامة الأساسية لمشروع دولة جنوب

صنعاء - وقّع رؤساء وممثلو المكونات السياسية الجنوبية في اليمن اليوم الاثنين، "ميثاقا وطنيا" بعد مشاورات دعا إليها المجلس الانتقالي الجنوبي يمهد للانفصال عن شمال البلاد، بعد أن نجح في فرض نفسه رقما صعبا في المعادلة اليمنية، بينما يشير نجاح المؤتمر الذي استقطب معظم مكونات الجنوب اليمني إلى وضع الجنوبيين لبنة أولى على طريق استعادة دولتهم لما قبل الوحدة في تسعينات القرن الماضي.

وانطلقت الخميس الماضي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (جنوب) فعاليات مؤتمر الحوار الجنوبي واختتمت اليوم الاثنين وسط مقاطعة عدة مكونات جنوبية.
ويأتي المؤتمر بدعوة من المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر على عدن وعدة محافظات ويطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله، بسبب ما قال إنها معاناة محافظات الجنوب من تهميش وإقصاء سياسي واقتصادي، وهو ما تنفيه الحكومات اليمنية المتعاقبة.
وهدف المؤتمر إلى "الوصول إلى توافق سياسي ورؤية موحدة داعمه لعودة الأوضاع إلى ما قبل تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990 والمشاركة في صناعة ملامح دولة الجنوب وإدارة المرحلة القادمة"، وفقا للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وقال مشاركون في المؤتمر إن جلسة الختام شهدت توقيع المكونات السياسية الجنوبية على "الميثاق الوطني الجنوبي" الذي ينص على الوصول إلى رؤية موحدة بشأن المطالبة بانفصال الجنوب.
كما تم التوافق على "الاتجاهات الرئيسية لإدارة المرحلة الراهنة والاتجاهات العامة الأساسية لمشروع دولة الجنوب الفيدرالية المستقلة وأسس ومبادئ وضوابط التفاوض والأسس والمبادئ العامة"، وفق المشاركين.
وتم أيضا "قراءة مشروع البيان الختامي وإقراره من المندوبين وتضمن عددا من التوصيات المهمة (سيتم الإعلان عنها لاحقا)".
ووفقًا للمصادر ذاتها، "تجاوز عدد المشاركين في اللقاء التشاوري 284 مندوبا من محافظات الجنوب الثمان، تتقدمها حضرموت بـ66 مندوبًا وعدن بـ 60 مندوبا، ثم أبين بـ 25 ولحج 22 مندوبًا".
ومن أبرز الكيانات المشاركة بالمؤتمر "الحراك الثوري تصحيح المسار"، "تاج الجنوب العربي"، "حلف قبائل الجنوب العربي"، "الحراك الثوري"، "المجلس الثوري العسكري"، "الملتقى الوطني أبين"، "المجلس الأعلى للحراك السلمي".
وتقدم الكيانات المقاطعة، "الائتلاف الوطني الجنوبي" و"المؤتمر الوطني لشعب الجنوب" و"المؤتمر الشعبي الجنوبي"، لرفضها خيار الانفصال عن الشمال وتمسكها بالوحدة.
وفي وقت لاحق دعا البيان الختامي الصادر عن اللقاء التشاوري كافة القوى والمكونات الجنوبية اليمنية التي لم تشارك باللقاء، إلى أن "تلتحق بركب الموقعين على وثيقة الميثاق الوطني الجنوبي".
كما طالب البيان الدول العربية والمجتمع الإقليمي والدولي بـ"احترام تطلعات شعب الجنوب اليمني وحقه في نيل حريته واستقلاله واستعادة دولته".
وشدد على ضرورة "تعميق وتعميم لغة الحوار في المجتمع كأسلوب أمثل لتقريب وجهات النظر وحل أي تباينات قد تحدث". وأوصى بـ"استمرار جهود الحوار الوطني الجنوبي وتعزيز مبدأ التصالح والتسامح ومتابعة تنفيذ مخرجات اللقاء التشاوري".
وفي السياق، بارك عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عبدالرحمن المحرمي "نجاح إنجاز الميثاق الوطني الجنوبي". ‏وقال المحرمي وهو أيضا قائد ألوية العمالقة الجنوبية (قوات تابعة للجيش اليمني)، في بيان "تابعنا بكثير من الاهتمام الحوار الوطني الجنوبي الذي عقد في عدن واختتم أعماله معلنا عن توقيع الميثاق الوطني الجنوبي".

 

وأضاف "أبارك للمشاركين في هذا الحوار هذا النجاح الكبير في إنجاز الميثاق الذي يؤسس وينظم ضوابط العمل السياسي كميثاق شرف جنوبي يوحد الجبهة الوطنية الجنوبية لمستقبل جنوبي يسوده التعايش والقبول بالآخر". وقال إن خلق هذا الاصطفاف الوطني وتوحيد الجهود سيسهمان في إيجاد عمل سياسي أكثر انسجاما بين القوى السياسية الجنوبية لخدمة مصالح الوطن والمواطن، وخاصة في هذه المرحلة الصعبة التي يقف فيها الجنوب أمام استحقاق سياسي في مشاورات الحل النهائي.
ودخل جنوب اليمن وشماله في وحدة طوعية في 22 مايو/أيار 1990 غير أن خلافات بين قيادات الائتلاف الحاكم وشكاوى قوى جنوبية من تهميش وإقصاء أدت إلى عودة الدعوات للانفصال لاسيما مع اندلاع الحرب الأهلية.
ويعاني اليمن منذ 9 سنوات من حرب بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، وقوات جماعة الحوثيين، المدعومة من إيران، والمسيطرة على محافظات بينها صنعاء منذ 2014.

وتعرض المجلس الانتقالي خلال السنوات الماضية إلى محاولات عديدة لضربه وتحجيمه، خاصة على يد المتمردين الحوثيين الذين سعوا للتمدد جنوبا لكنهم اصطدموا بصلابة المقاومة الجنوبية.

وتأتي هذه التطورات بينما تستمر جهود دولية وعربية لاحياء المفاوضات اليمنية. وفي الشهر الماضي أجرى وفد سعودي رفيع المستوى إلى جانب وفد عماني مباحثات مع ممثلين عن الحوثيين في صنعاء في أول زيارة من هذا النوع منذ تفجر الصراع قبل نحو تسع سنوات وبعد تدخل تحالف عسكري بقيادة السعودية في مارس/اذار 2015 دعما للشرعية في اليمن.  

ولم يستبعد مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ عقد اتفاق سلام دائم في اليمن على وقع التحركات الإقليمية والدولية الأخيرة قائلا إن المحادثات السعودية العمانية في صنعاء "تجعل اليمن أقرب ما يكون نحو تقدم حقيقي تجاه سلام دائم" منذ بدء الحرب.

وقال الشهر الماضي في تصريح لوكالة أسوشييتد برس "هذه لحظة يجب اغتنامها والبناء عليها وفرصة حقيقية لبدء عملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة لإنهاء الصراع بشكل مستدام" وهو ما يشير إلى تنامي الأمل بشأن إيجاد حلول نهائية وشاملة للأزمة اليمنية ووقف التصعيد الميداني.

كما قال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني حينها إن "الأجواء مهيئة أكثر من أي وقت مضى لتحقيق السلام" في بلاده التي تشهد حربا منذ نحو 9 سنوات. وذكر في بيان، أن "تحقيق تقدم في مسار الحل السلمي للأزمة، يعد انتصارا للشرعية الدستورية والتحالف بقيادة الأشقاء في المملكة (العربية السعودية)، كونه يكرس نهجنا في الوصول إلى السلام".

وأوضح أن ذلك يأتي "خصوصا في ظل التطورات الإيجابية الأخيرة في المنطقة وأهمها الاتفاق السعودي الإيراني، حيث باتت الأجواء مهيأة أكثر من أي وقت مضى لتحقيق السلام".