استقالة عبدالمهدي ضربة لنفوذ إيران ونصف نصر للمحتجين
بغداد - عمت الاحتفالات شوارع وساحات الاحتجاجات بمدن عراقية بينها العاصمة بغداد اليوم الجمعة بعيد إعلان رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي نيته تقديم استقالته إلى البرلمان، فيما تأتي هذه الخطوة تحت وطأة ضغوطات محلية لم تهدأ من الشارع إلى المرجعية وصولا إلى الضغوط الدولية.
ويمكن أن تكون استقالة عبدالمهدي ضربة للنفوذ الإيراني بعد تدخل فصائل حليفة لطهران وقادتها العسكريين الشهر الماضي للإبقاء على رئيس الوزراء في منصبه رغم الاحتجاجات العارمة ضد الحكومة.
وتمثل الاضطرابات أكبر أزمة يواجهها العراق منذ سنوات بينما يحاول جاهدا التعافي من عقود من الصراعات والعقوبات.
ويقف المحتجون وهم من معاقل الشيعة في بغداد والجنوب في مواجهة نخبة حاكمة فاسدة يسيطر عليها الشيعة ويُنظر إليها على أنها أداة تحركها إيران.
وتتألف النخبة السياسية الحالية في العراق بشكل أساسي من سياسيين شيعة ورجال دين وقادة فصائل مسلحة كثير منهم بمن في ذلك عبدالمهدي، كانوا يعيشون في المنفى قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدام حسين عام 2003.
وبدأ الآلاف من المحتجين العراقيين بالتوافد على ساحة التحرير معقل المتظاهرين وسط بغداد للاحتفال باستقالة مرتقبة للحكومة.
ولوح المتظاهرون بالأعلام العراقية وسط أجواء احتفالية تخللها إطلاق الألعاب النارية كما تمت إذاعة أغاني وطنية عبر مكبرات الصوت.
وقال صلاح الذياب وهو أحد المحتفلين بساحة التحرير "هذا يوم سيسجل بحروف من ذهب في تاريخ العراق"، مضيفا بينما كان يستعد لإطلاق ألعاب نارية أن "ثورة شبان العراق بدأت تؤتي ثمارها وأولها الإطاحة بالحكومة ومن ثم ستتواصل للإطاحة بكل الفاسدين في البلد".
وتابع "لا يمكن لنا التراجع بعد إراقة كل هذه الدماء. لا نريد دولة فاسدة. لا نريد دولة ميليشيات. نريد حقوقنا في وطن يحتضن الجميع".
وفي مدينة البصرة أقصى جنوبي البلاد خرج الآلاف من العراقيين في مسيرات احتفالية صوب وسط المدينة حيث يعتصم المئات منذ أسابيع على مقربة من مقر الحكومة المحلية.
وردد المشاركون في الاحتفالات الأهازيج والهتافات التي تعبر عن نجاح الانتفاضة الشعبية في تحقيق هدفها المتمثل بالإطاحة بحكومة عبدالمهدي.
وقال أحد المتظاهرين يدعى حسين عبدالرضا (32 عاما) إن الأجواء الاحتفالية تعم كل شواراع وأحياء وساحات البصرة، مؤكدا في الوقت ذاته أن الاحتجاجات ستتواصل بكل تأكيد لحين تحقيق أهدافها المتمثلة بإصلاح القوانين التي تنظم الانتخابات وتقديم "الفاسدين" للقضاء تمهيدا لإجراء انتخابات مبكرة.
وشهدت محافظات بابل والديوانية وديالى وكربلاء وميسان أجواء احتفالية مماثلة، لكن الاحتفالات في محافظتي ذي قار والنجف خيم عليها الحزن إثر مقتل 58 متظاهرا منذ الخميس، حسب ما أفادت مصادر طبية حكومية.
وساد الهدوء الحذر في المحافظتين إثر إعلان عبدالمهدي نيته تقديم استقالته، لكن الأجواء الاحتفالية كانت غائبة إلى حد كبير.
وكان تصاعد وتيرة العنف في محافظتي ذي قار والنجف دفع المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني اليوم الجمعة إلى دعوة البرلمان للسعي لسحب الثقة من حكومة عبدالمهدي الذي استبق الخطوة بإعلان نيته تقديم استقالته للبرلمان دون تحديد موعد بعينه.
وتحظى آراء السيستاني باحترام واسع في المجتمع العراقي وخاصة بين المسلمين الشيعة في وسط وجنوبي البلاد ولا يتجرأ السياسيون على مخالفته في العلن رغم أنه لا يتدخل في الأمور السياسية إلا في أوقات الأزمات.
ووصل عبدالمهدي إلى سدة رئاسة الحكومة في أكتوبر/تشرين الأول 2018 كمرشح متوافق عليه بين أكبر كتلتين شيعيتين في البرلمان هما "سائرون" التي تشكلت من تحالف التيار الصدري والحزب الشيوعي (54 من أصل 329 مقعدا) و"الفتح" التي يتزعمها هادي العامري قائد ميليشيات بدر (47 مقعدا) المقرب من إيران.
وكان عبدالمهدي قد أعلن الجمعة أنه سيقدم استقالته للبرلمان بحيث يتسنى للنواب اختيار حكومة جديدة وذلك بعد أسابيع من الاحتجاجات العنيفة المناوئة للحكومة.
وذكر بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء أن قرار عبدالمهدي جاء استجابة لدعوة لتغيير القيادة أطلقها الجمعة آية الله علي السيستاني المرجعية الدينية العليا لشيعة العراق.
وجاء في البيان الذي وقعه عبدالمهدي "استجابة لهذه الدعوة وتسهيلا وتسريعا لإنجازها بأسرع وقت، سأرفع إلى مجلس النواب الموقر الكتاب الرسمي بطلب الاستقالة من رئاسة الحكومة الحالية"، مضيفا إنه يسعى بذلك إلى الحيلولة دون انزلاق البلاد إلى المزيد من العنف والفوضى.
وسبق لعبدالمهدي أن لوّح بالاستقالة في بداية الاحتجاجات ومع سقوط المزيد من القتلى، إلا أنه تراجع عن ذلك بدفع من إيران التي وفرت له حزاما سياسيا للحيلولة دون سقوط النظام السياسي الموالي لها في العراق وحيث تحتفظ بنفوذ قوي.
وقد تشكل استقالة عبدالمهدي المرتقبة صفعة لإيران التي تكابد للحيلولة دون سقوط المنظومة السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والتي تعتبر ضمانة للنفوذ الإيراني في العراق.
ولم يحدد البيان متى سيقدم عبدالمهدي استقالة حكومته، لكن من المقرر أن يجتمع البرلمان يوم الأحد.
وجاء إعلان الاستقالة بعد أسابيع من الاضطرابات المناوئة للحكومة والتي قتلت قوات الأمن خلالها نحو 400 شخص معظمهم من المحتجين السلميين مما دفع البلاد نحو تصعيد خطير للعنف.
وقدم قائد شرطة ذي قار محمد زيدان القريشي اليوم الجمعة، استقالته من منصبه على خلفية أعمال العنف "الدامية" التي شهدتها المحافظة الواقعة جنوبي العراق خلال اليومين الأخيرين.
وأفاد التلفزيون الرسمي العراقي بأن القريشي المعروف باسم "أبووليد" قدم استقالته من منصبه على خلفية الأحداث الأخيرة في ذي قار.
وقتل 32 متظاهرا الخميس و3 آخرين الجمعة بالرصاص الحي خلال مواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن وسط مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، وفق مصادر طبية وشهود عيان.
وكان القريشي التقى صباح الجمعة بعدد من شيوخ ووجهاء العشائر في مقر قيادة الشرطة بمدينة الناصرية قبل تقديم استقالته.
وأمر القريشي الفرق الأمنية بمنع إطلاق النار على المتظاهرين وسحبها إلى مقارها بموجب اتفاق مع العشائر تضمن أيضا وقف المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن.
وبموجب الاتفاق، أعاد محتجون فتح طرق رئيسية في المحافظة من بينها الطريق السريع الذي يوصل العاصمة بغداد بمدينة البصرة أقصى جنوبي البلاد والمار عبر قضاء البطحاء في محافظة ذي قار، وفق ما ذكره التلفزيون الرسمي.
وتأتي استقالة القريشي بعد يوم واحد من استقالة محافظ ذي قار عادل الدخيلي الذي استقال بدوره احتجاجا على حملة القمع "الدامية" للمتظاهرين.
وألقى الدخيلي والقريشي باللوم على قائد خلية الأزمة في ذي قار الفريق الركن جميل الشمري وقوات من خارج المحافظة بالوقوف وراء حملة قمع المحتجين وهو ما دفع رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي إلى سحب الشمري للتحقيق معه بعد أقل من 24 ساعة من تكليفه بالمهمة.
ما حصل في محافظة النجف تسيل له العيون دماً
كما أعلن محافظ ذي قار عادل الدخيلي الخميس استقالته من منصبه، داعيا الى التحقيق في عمليات القتل الواسعة التي تعرض لها المحتجون في المحافظة.
وقال الدخيلي مواسيا المتظاهرين "أكتب لكم الآن وقلبي يعتصر ألماً على ما حل بمديتنا الصابرة المنكوبة... منذ أن تولينا منصبنا، محافظاً لذي قار أواخر شهر أغسطس من العام الجاري وإلى ساعتنا هذه، عملنا مخلصين على أن نضع خدمتكم أولاً، وحفظ مصالحكم ودمائكم فوق كل اعتبار".
واضاف "عندما بدأت الاحتجاجات السلمية حتى أعلنت بوضوح وصراحة موقفي الداعم لكم، والمؤيد لمطالبكم المشروعة في عيش كريم وعدالة اجتماعية مفقودة، ولم نأل جهداً في سبيل إيصال أصواتكم من موقع مسؤوليتنا إلى الجهات ذات العلاقة التي صمت آذانها مرات ومرات، ولكننا واصلنا تحمل الأمانة بمسؤولية رجل الدولة ولم نتهرب من التزامنا تجاهكم ابدًا".
كما قرر النائب الثاني لمحافظ النجف طلال بلال، تقديم استقالته الخميس احتجاجا على الإجراءات الحكومية بعد مقتل عدد كبير من المحتجين في المحافظة.
واكد نائب المحافظ ان "المتظاهرين في العراق لم يطلبوا إلا وطناً، وسط تجاهل الحكومة لكل طلباتهم وتسويفها وسقوط العديد من الشهداء في كل المحافظات".
وتابع "ما حصل في محافظة النجف تسيل له العيون دماً"، قائلا بان "دماء عام 1991 التي كنا ننتظرها ان تجف حين كنا نطالب بوطن ايضا، قد أثاروها اليوم".
وقال طلال بلال "جئنا الى هذه الحكومة ونحن نأمل ان نكون جزءا من الحل لكن الحقيقة أظهرت ان لا حل مع هذه الحكومة لذلك اعلن استقالتي من الحكومة وتضامني مع الشعب العراقي".
وأفاد مصدر أمني عراقي، الجمعة، أن محتجين غاضبين أضرموا النار في مقر أمني بمدينة الناصرية بعد مقتل 32 متظاهرا وإصابة نحو 230 آخرين الخميس عندما أطلقت قوات الأمن النار لتفريق محتجين كانوا يغلقون جسرين وسط مدينة الناصرية، وفق مصادر طبية.
وقال مصدر أمني، إن محتجين وأسر بعض من قتلوا الخميس اصطدموا مع عناصر أمنية في مدينة الناصرية وقاموا بحرق مقر فوج ذي قار الأول بالقرب من بوابة مدخل مدينة الناصرية.

وأضاف المصدر أن المحتجين أحرقوا 3 سيارات تابعة لقيادة شرطة ذي قار واستولوا على عدد من المعدات والأسلحة.
وكشف مصدر طبي حكومي عن ارتفاع عدد القتلى في صفوف المتظاهرين بمدينة النجف (جنوب) الخميس إلى 18 قتيلا فضلا عن مئات الجرحى جراء إطلاق قوات الأمن ومسلحين يرتدون زياً مدنياً الرصاص الحي على المحتجين.
وقال المصدر وهو من دائرة الطب العدلي، إن عدد القتلى في النجف ارتفع إلى 18 متظاهرا وإصابة نحو 350 آخرين بجروح، موضحا أن غالبية القتلى والجرحى سقطوا جراء إطلاق قوات الأمن ومسلحين يرتدون ملابس مدنية الرصاص على المحتجين في محيط ساحة ثورة العشرين وصولا إلى شارع المدينة وسط النجف.
وفي الأثناء، قال الملازم أول في شرطة النجف خليل الإسماعيلي إن قوة من مكافحة الإرهاب (قوات النخبة في الجيش) وصلت إلى المدنية للسيطرة على الأحداث المتفاقمة.
وأضاف الإسماعيلي أن تلك القوات بدأت الانتشار في المناطق المضطربة بغية بسط الأمن، مشيراً إلى أن تلك القوات تحظى بثقة المتظاهرين.
وكان ثلاثة شهود من المتظاهرين اكدوا بأن غالبية القتلى سقطوا على يد مسلحين يرتدون ملابس مدنية يطلقون الرصاص على المحتجين، لكن لم يتضح هوياتهم على الفور لكن مجموعات مسلحة مقربة من ايران دائما ما تتورط في سفك دماء العراقيين.
وطالب المحتجون في البداية بتأمين فرص عمل وتحسين الخدمات ومحاربة الفساد، قبل أن تتوسع الاحتجاجات بصورة غير مسبوقة، وتشمل المطالب رحيل الحكومة والنخبة السياسية المتهمة بالفساد.
وكان عبدالمهدي رفض في البداية الاستقالة، واشترط أن تتوافق القوى السياسية أولا على بديل له، محذرا من أن عدم وجود بديل "سلس وسريع"، سيترك مصير العراق للمجهول.
وطالب الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش فجر الجمعة " السلطات العراقية بضرورة ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وحماية أرواح المتظاهرين".
كما طالب بـ"التحقيق العاجل في جميع أعمال العنف"، بحسب بيان للمتحدث الرسمي باسمه "استيفان دوغريك".
وأعرب الأمين العام في بيانه عن "القلق العميق إزاء التقارير التي تشير إلى استمرار استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين في العراق ، مما أدى إلى ارتفاع عدد الوفيات والإصابات".
وحث جميع الجهات الفاعلة للدخول في حوار سلمي ذي معنى لصالح الشعب العراقي.
كما ذكر الأمين العام "السلطات العراقية بالتزامها بحماية المنشآت والموظفين الدبلوماسيين وكذلك الممتلكات العامة والخاصة".