مي زيادة: الأرض كلها وطني والعائلة البشرية عشيرتي

الكاتبة الكويتية سعاد العنزي تلقي محاضرة فكرية ثقافية بمناسبة ذكرى ميلاد مي زيادة.
شهرة مي الأدبية بدأت في مصر عام 1913، في مهرجان تكريم خليل مطران
حتى الكتابة ألوم نفسي عليها أحياناً، لأني بها حرة كل هذه الحرية

الكويت ـ ألقت الكاتبة والأديبة الكويتية سعاد العنزي محاضر فكرية وثقافية في رابطة الأدباء الكويتية، بمناسبة ذكرى ميلاد الأديبة مي زيادة. وأكدت العنزي خلال المحاضرة أن مي زيادة متعددة المواهب بالرغم من أنها اشتهرت بإبداعاتها الأدبية، إلا أنها كانت تملك الكثير من المواهب الأخرى فقد كانت تجيد العزف على البيانو وتتحدث لغات هي: العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية واللاتينية واليونانية والسريانية، كانت مي وحيدة والديها بعد وفاة أخيها، لذا حظيت باهتمام بالغ من والدها اللبناني إلياس زيادة، وأمها السورية ذات الأصول الفلسطينية نُزهة معمر.
أوضحت العنزي خلال المحاضرة أن مي زيادة وُلدت في فلسطين، وتحديداً في مدينة الناصرة عام 1886، والتي غادرتها العائلة الصغيرة فيما بعد لتستقر في لبنان في قرية عينطورة حيث تلقت مي تعليمها هناك في مدرسة للراهبات، وإلى جانب حبها للفنون والموسيقى وشغفها بتعلم اللغات وعشقها للشعر، أبدت مي اهتماماً مبكراً بالكتابة حيث يشاع أنها نشرت أولى مقالاتها في سن السادسة عشرة.

soad
د. سعاد العنزي

وأشارت العنزي أن شهرتها الأدبية بدأت في مصر تحديداً عام 1913، في مهرجان تكريم خليل مطران الذي دعا إليه سليم سركيس، يومها كلفت بإلقاء كلمة جبران ثم أتبعتها بكلمتها فنجحت في الاثنتين معاً، فقام الأمير محمد علي رئيس الحفلة وصافحها وهنأها، بعدها أسست صالونها الشهير وكان من رواده ولي الدين يكن، وطه حسين، وخليل مطران، وشبلي شميل، ويعقوب صروف، وأنطون الجميل، وأحمد لطفي السيد، وعباس محمود العقاد، ومصطفى صادق الرافعي، وأحمد شوقي وغيرهم، أغلب هؤلاء كان طرفا في قصص حب غير مكتملة، ويرجح مؤرخو حياتها أن إعجاب الرجال بها جاء لكونها كانت "المرأة الاستثناء" بالقياس لأوضاع النساء في مصر عند بدايات القرن العشرين.
كانت مي امرأة شامية متحررة متعلمة تجيد عددا من اللغات، تفتح بيتها للمثقفين لتناقشهم وتحاورهم في صالونها الأسبوعي، في مجتمع الرجل فيه هو رقم واحد، والمرأة في المرتبة الثانية لذلك ينظر البعض إلى مي بوصفها نموذجا نسائيا رائدا لما يسمى بـ"النسوية" لكن أزمتها تتعلق بافتقارها إلى مفهومي "الوطن والاستقرار" حيث لم تعرف معنى للإقامة في وطن وعاشت حياتها كامرأة عابرة. 
ورغم دورها الريادي في حركة الأدب العربي لكونها من أوائل الداعيات لكتابة "الشعر المنثور" ومنح أدب الرسائل قيمة مركزية في السرد الحديث، فإن أدوارها كلها تم اختصارها في صورة المرأة التي أحبها الرجال، ربما لأن هؤلاء لم يكونوا رجالا عاديين.
ومن خارج مشاهير المجتمع الأدبي تردد أن مي أحبت فقط ولي الدين يكن الذي كان شاعرا من أصول شركسية، واكتسب شهرته من كونه شخصية معارضة للسلطان العثماني عبدالحميد الثاني، وحين مات ارتدت ملابس الحداد.
وفي كتابه "الذين أحبوا مي.. وأوبريت جميلة"، يروي الشاعر والصحفي الشهير كامل الشناوي الكثير من قصص الحب في حياتها، وتظل قصتاها مع العقاد وجبران خليل جبران هما الأهم. الأول الذي كان عنيدا وشخصية ذات مهابة استلهمها في قصائده العاطفية التي كانت غزيرة خلال صداقتها معه، ويؤكد الشناوي أنه نقل للعقاد شعوره بأن اسم هند، في قصائده قناعا لمي، كما أن رواية سارة التي كتبها العقاد لم تكن إلا مي أيضا.
هنا تفاجأ العقاد بتحليل "الشناوي" وقال: "لقد حاولت جهدي أن أكتم هذه الحقيقة عن أقرب الناس إلي، وكان في عزمي أن أجهر بها يوما بعد أن يصبح هوانا العفيف تاريخا يجب أن يسجل، وإن عندي من رسائل مي إلي، وعندها من رسائلي إليها ما يصلح كتابا يصور علاقتي بها، وهي علاقة قائمة على الحب المتبادل"، لكن هذه الرسائل لم تظهر أبدا.
ويشاع أن العقاد وحده حظي بفرصة الخروج معها للسينما بعد قبول شرطها بالذهاب إلى سينما الكنيسة، ونال العقاد من مي زيادة ما لم ينله غيره، فهي عرفت بشح قبلاتها لمن أحبوها، ولكن العقاد نال قبلة على جبينها، أو قبلة على جبينه وهناك عشرات القصائد في ديوان العقاد كاشفة عن تعلقه بها، وكتب لها ذات يوم: "أنت معبودتي يا مي"، وكتبت له مرة في إحدى رسائلها: 
لماذا تكتب لي (أنتي)، وليس (أنتِ) بكسر التاء؟
فأجابها: يعزّ عليَّ كسرك حتى في اللغة.

لكن فيما يبدو أن مي كانت تستفز النزعة المحافظة في العقاد بحديثها عن كثرة عشاقها، وخاصة جبران خليل جبران، وقصته معه هي الأشهر والأكثر تأثيرا رغم أنهما لم يلتقيا أبدا، ومع ذلك جمع بينهما كتاب واحد "بين المد والجزر" كتبته هي ورسمه هو الحبيب، ولا تزال رسائلها معه واحدة من أجمل نصوص الحب في الأدب المعاصر.
ومنها رسالة كتبتها في 15 يناير/كانون الثاني عام 1924 جاء فيها: "أعرف أنك محبوبي، وإني أخاف الحب، أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير، الجفاف والقحط واللاشيء بالحب خير من النزر اليسير، كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا؟ وكيف أفرّط فيه؟ لا أدري.. الحمدلله أني أكتبه على ورق ولا أتلفّظ به، لأنك لو كنت حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام، ولاختفيت زمناً طويلاً، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى".
وأضافت: "حتى الكتابة ألوم نفسي عليها أحياناً، لأني بها حرة كل هذه الحرية. قل لي ما إذا كنت على ضلال أو هدى. فإني أثق بك، وأصدق بالبداهة كل ما تقول.. وسواء كنت مخطئة فإن قلبي يسير إليك، وخير ما يفعل هو أن يظل حائماً حواليك، يحرسك ويحنو عليك.. غابت الشمس وراء الأفق، ومن خلال الأشكال والألوان، حصحصت نجمة لامعة واحدة هي الزهرة، أترى يسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون؟ ربما وُجد فيها من هي مثلي، لها جبران واحد، تكتب إليه الآن والشفق يملأ الفضاء، وتعلم أن الظلام يخلف الشفق، وأن النور يتبع الظلام، وأن الليل سيخلف النهار، والنهار سيتبع الليل مرات كثيرة قبل أن ترى الذي تحبه، فتتسرب إليها كل وحشة الشفق، وكل وحشة الليل، فتلقي القلم جانباً لتحتمي من الوحشة في اسم واحد: جبران".
يذكر أن الدكتورة سعاد العنزي أصدرت حديثًا كتابا بعنوان "نساء في غرفة فرجينيا وولف" عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع في دمشق.