نأي حركة حماس بنفسها عن الإخوان: تكتيك أم إستراتيجية؟

وفر ارتباط حماس بجماعة الإخوان  وفر دعمًا ماليًا لها ساعدها على النهوض والتوسع خصوصًا من إخوان مصر والخليج لكن مع بداية الربيع العربي تورطت الحركة في دعم الإخوان إلى حد الانقياد إذ ساندت إعلاميًا وعسكريًا جماعة الإخوان في مصر للوصول إلى السلطة.

امتدادًا لسلسلة من التقلبات في مواقفها، أعلن مسؤول المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، من القاهرة، عدم ارتباط حركة حماس مع جماعة الإخوان المسلمين، سواءً في مصر أو غيرها. جاءت تصريحات هنية امتدادًا لسلسلة من التقلبات التي عاشتها الأذرع الإخوانية في العالم العربي، بعدما أعلنت حركة “النهضة” في تونس هي الأخرى عدم ارتباطها بجماعهتا الأم.

كما جاءت تصريحات هنية امتدادًا لسلسلة من التعديلات على مواقف الحركة، لمحاولة تحسين علاقتها مع العالم العربي، بعدما وضعت في السنوات السابقة في سلّة جماعة “الإخوان المسلمين” والتنظيم الدولي. ونفى هنية في المقابلة مع صحيفة “المصري اليوم” مشاركة حماس في الحرب الأهلية السورية إلى جانب التنظيمات الإرهابية، ووصف الحرب الأهلية فيها بأنها “فتنة”، بعدما وصفتها حماس طوال 8 سنوات بالـ”ثورة”!

ويصف مراقبون التغيرات الأخيرة للحركة بأنها محاولة لتحسين صورة حركة حماس في العالم العربي، بعدما تورطت في الشؤون الداخلية للدول العربية، مما وضعها في موقف المتهم حيال مساندة الإرهاب، والولاء لدول إقليمية تدعم الحركات الجهادية المتطرفة العاملة على الأرض العربية.

المنبع الإخواني للحركة

تشكلت حركة حماس في قطاع غزة عام 1987 امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين، وقد تشرب المؤسسون الأوائل أفكار الإخوان أثناء دراستهم في جمهورية مصر العربية. وقد انعكس ارتباط حماس بالإخوان عقائديًا وفكريًا على الميثاق الذي وضعته الحركة. وتشير المادة الثانية من الميثاق، تحت عنوان “المنطلقات الفكرية” إلى أن:

 “حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين. وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق، والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة، في التصور والاعتقاد، في السياسة والاقتصاد، في التربية والاجتماع، في القضاء والحكم، في الدعوة والتعليم، في الفن والإعلام، في الغيب والشهادة، وفي باقي مجالات الحياة”. كما تضمن الميثاق اقتباسًا من مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا.

جاء ركون حركة حماس إلى العقيدة الدينية لعلمها بمدى تأثير الدين في الشعوب، فاستطاعت في زمن وجيز أن تستحوذ على حصة شعبية غير بسيطة من صفوف الشعب الفلسطيني، مما أدى إلى انقسام فكري، بدأت معالمه تتشكل بعد سنتين من تأسيس الحركة، عندما حاولت خلق كيان بديل عن “منظمة التحرير الفلسطينية”، وهو الانقسام الذي ترسخ واقعًا في 2007، لمّا استخدمت الحركة القوة العسكرية للانقلاب على السلطة الوطنية الفلسطينية، وما تبعه من انقسام سياسي وجغرافي يدخل عامه الثاني عشر.

دفع فواتير الإخوان

وفر ارتباط حماس بجماعة الإخوان المسلمين في البداية دعمًا ماليًا لها، ساعدها على النهوض والتوسع، خصوصًا من إخوان مصر والخليج. لكن مع بداية ما يسمى بـ”الربيع العربي”، تورطت الحركة في دعم الإخوان إلى حد الانقياد؛ إذ ساندت إعلاميًا وعسكريًا جماعة الإخوان في مصر للوصول إلى السلطة، ثم وقفت معها في حملة التشويش والتشويه ضد النظام الحاكم بعد ثورة يونيو/حزيران 2013، لخدمة تنظيمها الأم جماعة الإخوان المسلمين.

وهذا ما أثّر في نظرة الدولة المصرية إلى حركة حماس، بعد قيام الجيش المصري بتجفيف منابع الحركة في صحراء سيناء، وضرب خطوط وأنفاق التهريب إليها.

كما دفعت حماس فواتير مساندتها لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وخسرت موقعها الإستراتيجي الأخير في دولة عربية محاذية لفلسطين، إذ أعلنت الحكومة السورية إغلاق المكتب السياسي للحركة في 2012، بعد اتهامات من سوريا لحماس بمساعدة المجموعات المسلحة على أراضيها إعلاميًا وسياسيًا. واتهمت سوريا حماس بإمداد المنظمات الإرهابية على أرضها بخبرات عسكرية، أهمها حفر الأنفاق، إضافة لانضمام عدد من عناصر حماس لتلك المنظمات.

أدى تأزم علاقة حماس مع الدول العربية إلى اتخاذها مواقف عدة لفك الضيق عنها، خصوصًا بعد تصنيف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية محظورة في العديد من الدول، فحدث التحول: امتنعت حماس منذ سنة في وسائل إعلامها من توصيف النظام المصري بكلمة “انقلاب”، إضافة لإصدارها مؤخرًا العديد من البيانات المنددة بمقتل جنود مصريين في سيناء، كما اختفت كلمة “ثورة” من وسائلها الإعلامية عند تغطية الشأن السوري.

ولكن نأي حماس بنفسها عن الإخوان لم يأتِ وليد مراجعات فكرية، إنما جاء بعد سلسلة من الأحداث، أهمها إعلان 4 دول عربية مقاطعتها لقطر، ووضع قائمة للإرهاب تحوي قادة جماعة الإخوان المسلمين في العالم.

على إثر ذلك، أصدرت الحركة في مايو/أيار 2017 ما أسمتها “وثيقة المبادىء الأساسية”، التي أعلنت فيها نأيها بنفسها عن جماعة الإخوان المسلمين، متوافقة بذلك مع إخوان الأردن وحركة النهضة الإخوانية في تونس، وهي الأفكار ذاتها التي عبّر عنها إسماعيل هنية في القاهرة مؤخرًا.

يبدو أن حماس تعلّمت، من خلال برغماتيتها المعهودة، أن ارتباطها بالإخوان وقطر وتركيا، لن يغني عن علاقتها مع مصر ودول الخليج العربي.

نشر في صفحة كيوبوست