نتنياهو يجسد قوة السلطة الفاسدة

قد ينتهي المطاف بنتنياهو في السجن ويوصِم إسرائيل بعار أنه قد قادها قادة فاسدون يبدو أنهم وضعوا دائماً مصلحتهم الشخصية فوق مصلحة الأمة.

انتهت أخيراً إجراءات اتهام رئيس الوزراء نتنياهو التي طال انتظارها. لم يدخر نتنياهو لمدة ثلاث سنوات أي جهد لإسقاط ثلاث قضايا جنائية ضده، لكنه فشل. أصبحت هذه الإتهامات وآثارها الآن واضحة إلى حد ما. لقد احتلت تفكير نتنياهو في كيفية إنقاذ نفسه والحفاظ على منصبه كرئيس للوزراء. لقد أثرت في سياسات إسرائيل، خاصة تجاه الفلسطينيين، ولا شك أن التهم قد أثرت سلبًا على جهود نتنياهو لتشكيل حكومة بعد الإنتخابات الأخيرة.

في القضية الأولى، القضية 1000، نتنياهو متهم بتلقي هدايا من منتج أفلام هوليود أرنون ميلشان مقابل خدمات سياسية. وفي القضية الثانية، القضية 2000، اتُهم نتنياهو بإبرام صفقة مع ناشر يديعوت أحرونوت، أرنون موزيس، لتزويد نتنياهو بتغطية إيجابية مقابل استهداف صحيفة سياسية منافسة. وفي القضية 4000، التهمة الثالثة، اتخذ نتنياهو خطوات لصالح صديقه شاؤول إيلوفيتش الذي كان يسيطر على بيزك في مقابل تغطية إيجابية على موقع أخبار بيزك الإعلامي "ولاّ" (Walla). إتهم نتنياهو في أول قضيتين بالإحتيال وخرق الثقة وأضافت القضية الثالثة تهم الرشوة.

بذل نتنياهو جهدًا كبيرًا لإنكار هذه الإتهامات مدعيا في القضية الأولى أنه من المقبول تلقي هدايا من الأصدقاء. وفي القضية 2000 ادعى أنه وموزس كانا يلهوان مع بعضهما البعض بشكل أساسي وليس لديهما أي نية للمتابعة، وجادل في القضية 4000 بأن طلب تغطية مواتية ليس رشوة.

واصل نتنياهو في إبريل من هذا العام جهوده بمحاولة مبدئية لإعادة قانون الحصانة لعام 2005 الذي منح لجنة مجلس النواب في الكنيست سلطة رفض طلب المدعي العام بإلغاء الحصانة عن أي عضو معين من أعضاء الكنيست. وفي شهر أيار/مايو خطط نتنياهو لإقرار قانون جديد يسمح للكنيست بحماية مناعته. كان ذلك سيسمح للكنيست بتجاهل أي حكم للمحكمة العليا في المسائل الإدارية، بما في ذلك احتمال إلغاء حصانة نتنياهو.

وفي يوليو من نفس العام أدرك نتنياهو أنه لا يستطيع إقرار مثل هذه القوانين وادعى "لا أحد يغير القانون، ولا يحتاج إلى تغيير، ولن أحتاج إليه على الإطلاق… إنه ليس ضروريًا على الإطلاق لأنه لم يكن هناك أي شيء ولن يكون هناك شيء ".

كانت لوائح الإتهام الثلاث سحابة مظلمة تنذر بالخطر وتحوم حول رأس نتنياهو وكان لها تأثير كبير على قراراته السياسية. كان يسعى لإثبات أن التهم كانت تافهة إلى حد كبير وأنه هو الزعيم الذي لا غنى عنه الذي سيصون الأمن القومي لإسرائيل.

لكن التأثير الأكبر لهذه الإتهامات على سلوكه كان أكثر ارتباطاً بالفلسطينيين. كان بحاجة إلى إظهار صلابة وموقف لا هوادة فيه – ليس فقط لتعزيز قاعدته في يمين الوسط، ولكن لإثبات أنه هو الزعيم الوحيد الذي يستطيع اتباع سياسات تتماشى مع تطلعات إسرائيل الوطنية المفترضة للسيطرة على "أرض إسرائيل" بما في ذلك الضفة الغربية. وعدا الإستمرار في توسيع وإضفاء الشرعية على المستوطنات، أعلن أكثر من مرة أنه عقب تشكيل حكومة جديدة ستضم إسرائيل أجزاء كبيرة من الضفة الغربية لمواصلة إرضاء قاعدته.

ولعل أهم تأثير لهذه الإتهامات هو عدم قدرته على تشكيل حكومة مرتين هذا العام، في أبريل وسبتمبر. ولأنه بصفته رئيسًا للوزراء وما زال في منصبه لن تتمّ إدانته، فقد أصر على أنه لن يتخلى عن هذا المنصب تحت أي ظرف من الظروف مدركا ً أن لائحة الإتهام ضده ستجبره على مواجهة المحاكمة. وقد أصبح هذا الأمر أكثر إلحاحًا بعد الإنتخابات الثانية عندما حاول هو وزعيم كاهول لافان، بيني غانتس، تشكيل حكومة وحدة.

للسبب نفسه، أصرّ نتنياهو على أنه في رئاسة الوزراء الدورية التي اتفق عليها الجانبان، سيعمل هو كرئيس للوزراء خلال العامين الأولين. وحيث رفض غانتس هذا العرض، خاصةً بالنظر إلى جمهور حزبه كاهول لافان الأكبر وتعليق اتهام نتنياهو في القضايا المذكورة، يختار نتنياهو الآن خوض انتخابات ثالثة خلال عام على أمل أن يخرج كالفائز بتفويض أكبر لتشكيل حكومة جديدة.

الأمر المحزن في كل هذا هو أن نتنياهو وضع على الدوام مصلحته الشخصية فوق مصلحة الحزب والأمة. فبعد أن خدم كأطول رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل ما زال تعطشه للسلطة الذي لا يُشبع وحاجته الماسة إلى الهروب من لائحة الاتهام أول ما يدور في ذهنه.

وبالنسبة إلى رجل يدعي أنه يحب بلده وكرس حياته كلها لخدمة الدولة، فشل في إدراك أنه في التحليل النهائي بقاء إسرائيل لم يتوقف ولن يعتمد أبدًا على فرد واحد. فلو كان مهتمًا بالفعل برفاهية وأمن إسرائيل، لكان قد وافق على العمل في حكومة وحدة وطنية دوارة مع غانتس وفقًا لشروط كاهول لافان وتجنيب البلاد معاناة إجراء إنتخابات ثالثة. إن فشله وفشل غانتس نفسه في تشكيل حكومة قد يدفع إسرائيل الآن نحو انتخاباتها الثالثة في سنة واحدة.

في رسالة مفتوحة إلى نتنياهو في شهر أكتوبر كتبت له أقول: "لقد حان الوقت لك للذهاب. لا يوجد شيء يمكنك القيام به ولا يمكن للآخرين فعله بنفس القدر إن لم يكن بصورة أفضل. إستقل من منصبك! وتوجه إلى النائب العام لإسقاط التهم الموجهة ضدك. ستسامحك الأمة لنواياك الحسنة وبعض الأفعال… هذا ما لم تكن تريد أن ينتهي بك الأمر في السجن مثل سلفك، جنّب الأمة الإذلال والألم ".

للأسف، لم يلتفت إلى هذه النصيحة بغض النظر عن مصدرها. والآن قد ينتهي به المطاف في السجن ويوصِم إسرائيل بعار أنه قد قادها قادة فاسدون يبدو أنهم وضعوا دائماً مصلحتهم الشخصية فوق مصلحة الأمة.