نتنياهو ينهي أحلام أردوغان بتوقيع اتفاقية تصدير الغاز إلى أوروبا

مشروع خط "إيست ميد" الغازي يحظى بدعم أميركي وله جانب جيوسياسي قوي في المتوسط بالإضافة لأبعاده المتعلقة بالطاقة والاقتصاد.

القدس - وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، صباح الخميس، إلى أثينا للتوقيع مع زعيمي اليونان وقبرص اتفاقا لمد خط أنابيب بحري يتيح لإسرائيل تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، في خطوة ستقطع الطريق أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي سعى جاهدا لإفشال المشروع عبر إبرام اتفاقية موازية مع حكومة الوفاق الليبية أثارت جدلا ورفضا دوليا وإقليميا.

وقال نتنياهو في بيان أصدره مكتبه قبيل مغادرته تل أبيب "نغادر البلاد للمشاركة في قمة هامة جدا تعقد مع رئيس قبرص (نيكوس أناستاسيادس) ورئيس الوزراء اليوناني الجديد، (كرياكوس ميتسوتاكيس).

وبدأت المحادثات بين قبرص واليونان وإسرائيل حول إنشاء خط "إيست ميد" الغازي الذي من المنتظر أن يغير خريطة الطاقة في القارة الأوروبية، في عام 2015.

ومن المنتظر أن تنتهي القمة بين نتنياهو وأناستاسيادس وميتسوتاكيس بالإعلان رسميا عن بدء مشروع "إيست ميد" في شرق المتوسط.

وغرد نتنياهو على تويتر "شكلنا تحالفا في شرق المتوسط له أهمية كبرى بالنسبة لمستقبلنا الطاقي وتحويلنا إلى دولة عظمى في مجال الطاقة وبالنسبة لاستقرار المنطقة".

ويحظى المشروع بدعم أميركي، وله جانب جيوسياسي قوي، بالإضافة لأبعاده المتعلقة بالطاقة والاقتصاد.

وفي مارس الماضي، وقع مسؤولون من اليونان وقبرص وإسرائيل اتفاقا مبدئيا في تل أبيب، حول خط الغاز "إيست ميد" بحضور وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في خطوة اعتبرت ضوء أخضر من واشنطن على المشروع.

ومنذ ذلك الحين يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشتى الطرق عرقلة الاتفاقية للمطالبة بحصص من المشروع الذي يراه عقبة أمام بسط النفوذ التركي في شرق البحر المتوسط.

وحاول أردوغان التصعيد في البحر المتوسط على مدى شهور عن طريق إرسال طائرات عسكرية مسيرة إلى قاعدة في الجزء الشمالي من قبرص المدعوم من تركيا، لحراسة سفن التنقيب البحري التركية، حيث توجد سفينتان هما الفاتح ويافوز، رغم الانتقاد الشديد من قبرص وشركائها الأوروبيين ومصر.

وتقول حكومة جمهورية قبرص إن تركيا طالما انتهكت حقوقها الحصرية في الحفر في المنطقة، في المقابل كثفت أنقرة حملاتها لاستكشاف النفط والغاز في المنطقة مؤكدة حقها في أراضيها تابعة لها في خطوة كشفت طموحاتها للتوسع أكثر.

 وبداية ديسمبر/كانون الأول الماضي، اعترضت سفينة تابعة للبحرية التركية سفينة الأبحاث الإسرائيلية "بات غاليم" التابعة لمعهد أبحاث البحر والبحيرات، عندما كانت تقوم بأعمال في منطقة بحرية تابعة لجمهورية قبرص وبتنسيق وترخيص من حكومتها.

وحذر مسؤولون أتراك بأن أنقرة لن تسمح لإسرائيل بنقل الغاز من خزانات الغاز الطبيعي إلى قبرص واليونان.

وبعد فشل التصعيد الميداني الذي اعتمده بعمليات التنقيب الاستفزازية، انتقل أردوغان إلى عقد اتفاق مع رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج ومقرها طرابلس، استباقا لإبرام الاتفاقية الثلاثية التي ستنظم إليها إيطاليا لاحقا.

أردوغان سعى من خلال الاتفاقية التي وقعها مع السراج مقابل حماية نفوذ الأخير في طرابلس، إلى تمديد أنقرة جرفها القاري بنحو الثلث، ما يتيح لها المطالبة بحصة في احتياطيات النفط والغاز في شرق المتوسط

ولتوسيع منطقة تركيا الاقتصادية الخاصة في المتوسط، تحالف أردوغان مع السراج بتوقيع اتفاقية يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني لترسيم الحدود البحرية حتى تُلامس المنطقة التركية تلك الخاصة بليبيا، وتتمكن تركيا من إيقاف السفن والتحقيق مع طواقمها وتفتيشها وحتى اعتراض وإيقاف السفن التي تعبر "نفوذها البحري".

لكن البرلمان الليبي والجيش الوطني الليبي رفضا الاتفاقية فيما اعتبرتها الحكومة اليونانية تعديا على مياهها الإقليمية، ودعمتها في ذلك مصر وقبرص.

وبموجب الاتفاق ستمدد أنقرة جرفها القاري بنحو الثلث، ما يتيح لها المطالبة بحصة في احتياطيات النفط والغاز المكتشفة حديثا في شرق البحر المتوسط، الأمر الذي رفضته اليونان ومصر وقبرص بسبب مناقضته مع القانون الدولي.

وفي وقت رفضت فيه مصر واليونان وقبرص الاتفاقية المخالفة للقوانين الدولية، بقيت إسرائيل تلازم الصمت حيال التصعيد التركي في المتوسط بسبب مشاكل داخلية بسبب فشلها في تشكيل حكومة جديدة يمكنها الرد على مثل تلك القرارات في انتظار إعادة انتخابات ثالثة ستقام في مارس المقبل.

ويحظى مشروع "إيست ميد" بدعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لأهميته الكبيرة على صعيد تنويع مصادر الطاقة الخاصة بأوروبا، إذ سيوفر 10 بالمائة من حاجات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي، ما يقلل اعتماد الأوربيين على الغاز الروسي.

وحسب تقديرات أولية فإن الخط البحري يمكنه نقل نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم جدا خلال السنوات المقبلة وهو ما يسيل لعاب أردوغان الذي يريد فرض على البلدان المعنية تعاونا مع أنقرة يضمن لها حصة من الطاقة المستخرجة من المنطقة.

ويتوقع خبراء أن يظل الغاز الطبيعي الذي اكتشفت أولى احتياطاته شرق البحر المتوسط، قبالة إسرائيل وقبرص ومصر قبل بضع سنوات، مصدرا للطاقة على مدى 20 أو 30 عاما مقبلة، ليصبح محور السياسات في المنطقة مثله مثل النفط.

وأمام الرفض الأوروبي والإقليمي لطموحاته التوسعية للاستيلاء على موارد المتوسط الطاقية، يسابق أردوغان الزمن لتمرير مشروع قرار يسمح له بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا سيتم البت فيه اليوم الخميس في البرلمان التركي.

وطلب السراج رسميا مساعدة تركيا عسكريا للحفاظ على نفوذه في طرابلس التي يطوقها الجيش الوطني الليبي لاستعادتها من الإرهابيين والميليشيات.

يذكر أن إسرائيل أعلنت اليوم الخميس عن بدئها ضخ الغاز إلى الأردن من حقل "ليفياثان" الذي تم اكتشافه عام 2010 على بعد 130 كيلومترا غربي مدينة حيفا المطلة على البحر المتوسط.

وقال وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز الخميس "انطلقت وفي هذه الدقائق بالتحديد عملية ضخ الغاز إلى الأردن، وخلال أسبوع إلى عشرة أيام سنبدأ بضخه إلى مصر".

وصادق وزير الطاقة الإسرائيلي منتصف ديسمبر الماضي رسميا على بدء تصدير الغاز إلى مصر.

وتشير التقديرات إلى أن حقل "ليفياثان" يحتوي على 535 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، علاوة على 34 مليون برميل من المكثفات.

ويتوقع مراقبون أن يعود الرئيس التركي الذي استنفذ كل محاولاته لإقناع إسرائيل بضرورة التعاون بينهما لتسهيل عملية تمرير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، إلى الاستعراض مجددا بالتأكيد على أن بلاده "ستقف أمام العدو الإسرائيلي ومنع نفوذه في المتوسط لحماية الدول المسلمة".

ويبدو أن زعيم حزب العدالة والتنمية الذي دأب على سياسة الكيل بمكيالين، فشل في التعامل مع إسرائيل كعدو كما فشل في التفاوض معها بفتح الأراضي التركية لإرضائها، حيث استخدم نتانياهو نفس طريقة فرض سياسة الأمر الواقع التي انتهجها أردوغان لكن متأخرا.