نجم عبدالله كاظم يلامس ثنائية الشرق والغرب

الرواية من أكثر الأجناس الأدبية التي عنيت باللقاء بين الشرق ممثَّلاً غالباً بالعرب، والغرب ممثلاً بشكل خاص بأوروبا. 
"الآخر" غني بتمثلاته وتطبيقاته وازداد غناه في العقدين الأخيرين من تاريخ الرواية العربية 
الصورة التي تكونت عن الغرب كانت سلبية غالباً بسبب تورطه بعدة نزاعات أقليمية في منطقة الشرق الأوسط

الكوفة (العراق) ـ منذ فترة طويلة واالناقد الدكتور نجم عبدالله كاظم يشتغل على موضوعة الآخر مفهوماً وحاضراً في الرواية العربية. فهذا (الآخر) غني بتمثلاته وتطبيقاته وازداد غناه في العقدين الأخيرين من تاريخ الرواية العربية باعتبار أن الصورة التي تكونت عنه كانت سلبية غالباً بسبب تورطه بعدة نزاعات أقليمية في منطقة الشرق الأوسط. 
وكما يبدو لنا من قراءة كتابه الجديد "نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة"، فإن استخدام الدكتور نجم لهذا المصطلح في دراساته النقدية، هو الأقرب للاستخدام الاجتماعي، وإن ما يعنيه الناقد بالـ (نحن) في كتابه هذا هو العرب، وفي هذه الحالة فإن (الآخر) يعني العالم كله عدا العرب، ولكن على وجه الخصوص العالم الغربي كما هو وارد لدى غالبية الدارسين الذين درسوا هذا الموضوع، وأشهرهم جورج طرابيشي في كتابه المعروف "شرق وغرب ذكورة وأنوثة"، إضافة إلى العديد من الكتب والدراسات والمقالات الأخرى، وضمنها ما قدمه المؤلف نفسه، وكما ترد الإشارة إلى ذلك في مقدمة الكتاب التي يقول فيها:
"ولتخصصي واهتمامي الأدبي والنقدي بالدراسات الأدبية المقارنة عموماً وبموضوعة الآخر أو (نحن والآخر)، انطلقتُ في تأليف هذا الكتاب، الذي يأتي بعد سلسلة عديدة من المقالات والبحوث في الموضوع، يساعدني في ذلك أنني اشتغلت فيه وأنا في أحد مواطن الآخر، أعني بريطانيا حيث كنت أقضي سنتين، 2009-2011، أستاذاً زائراً في معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر بإنكلترا. "

الطبعة الجديدة من الكتاب صدرت عن جامعة الكوفة العراقية بالتعاون مع كرسي اليونسكو للحوار، والتوزيع لدار الرافدين في بيروت

يتناول الكتاب نماذج روائية زادت على الستين رواية تمثل التجربة الروائية العربية خلال العقود الأربعة الأخيرة، والعقدين الأخيرين بشكل خاص. وينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام تنقسم بدورها إلى تمهيد وسبعة فصول. 
في التمهيد، يتناول الكاتب (النزعة الإنسانية في الأدب)، لعلاقتها بموقف كل شعب من الآخر، ثم يتوقف الكاتب عند إطروحة إدوارد سعيد التي يستفيد منها في كتابه، وهي عن كون الشرق الذي رسمه الاستشراق الغربي هو ليس الشرق الجغرافي الحقيقي، بل الشرق الذهني الذي أراد الغربي له أن يكون. ومع هذه الطروحة تأتي فرضية الناقد وخلاصتها أن صورة الغرب التي يرسمها الأدب العربي، ليس هو دائماً الغرب الجغرافي الحقيقي، بل الغرب الافتراضي الذي في أذهان بعض العرب أو الذي أراد له هذا البعض أن يكون. 
أي أن الناقد نجم عبد الله كاظم قد تبنى رؤية أدوارد سعيد وطبقها بشكل معاكس من حيث نظرة الكاتب الروائي العربي الى الغرب
وثالث المفاهيم والنظريات التي يشير الكاتب إلى أنه استفاد منها أو وظفها، إلى جانب النزعة الإنسانية ورؤية إدورد سعيد، هي نظرية ما بعد الكولونيالية/ نظرية ما بعد الاستعمار، كون أحد فرضيات المؤلف هي أن الكثير من تعاملات الرواية العربية مع الآخر هي من خطاب ما بعد الاستعمار الذي يرد على الكولونيالية.
في الفصل الأول من الكتاب "لقاء الشرق والغرب والمواقف العربية منه" يتناول الدكتور نجم العوامل الفاعلة في رؤية العرب للغرب: حقيقة الغربي ذاته، ومحدودية احتكاك العربي عموماً بالغرب، في أوقات بعينها، ثم ما قد يكون ناتجاً عن العاملين السابقين، وهو ما قد يُعبر عنه بالشعور بالنقص، وربما الدونية، عند الكثير من العرب، تجاه الغرب. يتناول الكتاب أيضاً المواقف العربية من الآخر والتي تتنوع من الرفض والمعاداة إلى القبول والتحمس. 
بالإضافة إلى مباحث شيقة عن سبل معرفة الروائيين للغرب والعوامل المؤثرة في رؤية الروائيين للغرب والغربيين مثل الاستعمار والوجود الأجنبي، والقضية الفلسطينية، والإعلام أو وسائل الاتصال بشكل عام، وكل ذلك عبر مراحل من رحلة الرواية العربية مع الآخر، وتمتد منذ ما قبل العام 1946 وحتى ما بعد العام 1990.
القسم الثاني من الكتاب يتضمن عدة فصول عن صورة الغرب الاستعماري والعنصري والمتعالي، وصورة الغرب المتحضر والإنساني والصديق، فنجد رصداً دقيقاً لصورة أميركا القبيحة في الفصل الأول، وصورة أميركا الحلم في الفصل الثاني، ثم يمضي الكاتب في الفصل الثالث للحديث عن مسألة مهمة طالما تناولها الكتّاب العرب في رواياتهم بطرق مختلفة ألا وهي صورة المرأة الغربية التي قدموها بصورة منفلتة أحياناً، وأحياناً أخرى بصورة الأنثى العاشقة للرجل الشرقي أو، بين الاثنين، إنسانة قوية ومعتدة بنفسها. 

الرواية
الناقد الراحل الدكتور نجم عبدالله كاظم

في آخر فصول القسم الثاني يقدم الناقد نجم عبدالله كاظم صوراً ومقارنات بين الغرب والشرق من خلال الحياة والإنسان والنماذج النمطية التي تسمى بالستيريو تايب. يخلص الناقد بعد ذلك في فصله الأخير إلى سؤال مهم حول طبيعة علاقتنا بالآخر هل هي تواصل أم انقطاع؟ وذلك من خلال مستويات العلاقة بالآخر: فاشلة أم متواضعة أم متحمسة.
يربط الناقد بين تلك الصور التي كونها الروائيون العرب عن الغرب وبين استشرافهم لمستقبل هذه العلاقة، الذي لن يكون صحيحاً بالمطلق ولا خاطئاً بالمطلق، لتكون النتيجة الموضوعية، مستويات مختلفة من النظر الى العلاقة مع الآخر وفهمها على أرض الواقع، وهي وإن كانت مستنبَطة من الروايات الستين التي تناولها الناقد، فإنها من جانب آخر رؤية الناقد الشخصية ما يجعلها اجتهاداً، ولكنه اجتهاد مبني على التناول النقدي العلمي للروايات المدروسة. 
وبالتفاتة مهمة من المؤلف نجده في نهاية الكتاب يقدم، للقراء والباحثين، مسرداً بأسماء معظم الأعمال الروائية العربية التي تمثّلت الآخر. وتأتي أهمية هذا الكتاب كون الرواية هي من أكثر الأجناس الأدبية التي عنيت باللقاء بين الشرق ممثَّلاً غالباً بالعرب، والغرب ممثلاً بشكل خاص بأوروبا، وإن الروائيين كانوا أكثر الأدباء تناولاً لهذه الإشكالية المثيرة للجدل، بالرغم من حداثة الفن الروائي في الأدب العربي.
يذكر أن هذه الطبعة الجديدة من كتاب الدكتور نجم عبد الله كاظم "نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة" قد صدرت عن جامعة الكوفة العراقية بالتعاون مع كرسي اليونسكو للحوار، والتوزيع لدار الرافدين في بيروت. وكان قد صدر في طبعته الأولى عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.