نحو إسلام اجتماعي.. خالٍ من الصميدعي والموسوي والزاملي

الفهم الاجتماعي الحديث للنص فرض نفسه علينا وعلى رجال الدين كلهم بقوة الحياة الاجتماعية الحديثة وليس بالفقه المأخوذ من سياق تاريخي واجتماعي آخر بمعنى من المعاني هو إسلام اجتماعي حديث يقدم المجتمع على الفقه.

بقلم: سليم سوزه

في حوار مقتضب مع سياسي إسلامي عراقي مهذب استنكر ما قاله "مفتي الجمهورية" الشيخ مهدي الصميدعي بحق المسيحيين والاحتفال بعيد الكريسميس. قال علينا الرجوع للقرآن ولسنّة النبي محمد كيف كان يعامل المسيحيين بود واحترام. وقبل أن ينضم للصميدعي السيد علاء الموسوي (رئيس ديوان الوقف الشيعي) والسيد حسن الزاملي (إمام جمعة في الديوانية) ويعلنا موقفهما المتشدد من ظاهرة الاحتفال بأعياد غير المسلمين، قلت له أن ما قاله الصميدعي تتفق عليه المدونة الفقهية السنّية والشيعية، وليس ثمة إشكال في قوله عند الأغلبية الساحقة من علماء المسلمين. بعضهم فقط أكثر شجاعة وانسجاماً مع النفس إذ يقولون هذه الأشياء علناً، فيما لا يروج لها آخرون هكذا بل بطرق دبلوماسية أقل حدة.

الرجوع للقرآن (حمال الأوجه) أو فعل النبي محمد لن يحل المشكلة لأننا سنقع أمام إشكالية تاريخية واجتماعية في فهم النص وكيفية تطبيقه في مجتمعاتنا الحديثة. سينبغي علينا فرض واحد من ثلاثة على غير المسلمين: الإسلام، الجزية، أو السيف كما فعل هذا الإسلام في بداياته وفعلته داعش فيما بعد. هذه الأحكام هي ابنة سياقها الاجتماعي والتاريخي وينبغي ألّا تُقتطع من ذلك السياق أبداً.

المفارقة الكبرى أن من يدعي تمسكه بالقرآن والسنّة هو أول مَن يخالفهما قبل غيره. لقد برّر الشيخ الصميدعي في تصريح له عبر موقع "ناس" الإخباري أن ما قاله مؤخراً لا يعدو سوى كونه فقهاً، والفقه شيء والحياة الاجتماعية شيء آخر، إذ إنه نفسه يهنئ المسيحيين ولا يتحسس من مناسباتهم. لا أعتقد أن الموسوي والزاملي يختلفان معه في هذه التفصيلة أيضاً، فاغلب رجال الدين (بل اعتقد جميعهم) يقولون (بصورة غير مباشرة او من خلال سلوكهم الاجتماعي أحيانا) بأن الفقه شيء والحياة الاجتماعية شيء آخر. يعرفون تماماً استحالة تطبيق بعض الاحكام الدينية في الواقع، وهو ما يعني اعترافاً صريحاً بفشل الفقه في استيعاب الحياة الاجتماعية الحديثة حتى إن لم يقولوها علناً.

اذن لِمَ يتم الإصرار على وجود هكذا أحكام فقهية في الكتب الدينية وترديدها على المنابر إن لم تنعكس تلك الأحكام في ممارساتهم الاجتماعية؟ ألا يعتبر هذا عدم انسجام مع النفس؟ أو دعنا نقول أليس هذا "نفاقاً" أن يقدم رجل الدين وظيفته الاجتماعية في الواقع على وظيفته الدينية المرسومة على الورق؟

أنا شخصياً لا اعتقد بجوهرانية الاسلام طالما لهذا الدين قراءات وتمثلاث متعددة حسب الظروف وحسب تجربة الفرد الشخصية. الاسلام كدين (كما بقية الاديان) لا يقبض على معناه من خلال الكتب بل من خلال الممارسة اليومية للحياة الإجتماعية. لهذا أفضل وسيلة لحل هذه الاشكالية (اشكالية الديني/الاجتماعي) هو بالرجوع الى الفهم الاجتماعي الحديث للنص وليس للقرآن او أفعال المعصومين والصحابة قبل ١٤٠٠ عاماً.

الفهم الاجتماعي الحديث للنص هو فهم صاغته ظروف وسياق المجتمع العالمي الحالي، فهم فرض نفسه علينا وعلى رجال الدين كلهم بقوة الحياة الاجتماعية الحديثة وليس بالفقه المأخوذ من سياق تاريخي واجتماعي آخر. بمعنى من المعاني هو إسلام اجتماعي حديث يقدم المجتمع على الفقه.

ربما يقول أحدهم أن كل مشاريع التحديث التي حصلت في الأديان كانت نتاج رجال الدين أنفسهم وليس نتاج مثقفين من خارج المؤسسة الدينية. لذا، إن هذا الإسلام الاجتماعي الحديث لا يكون يوماً ما إلّا على يد رجل دين ربما.

قد اتفق من ان النخبة المثقفة اليوم لا تستطيع التأثير كثيراً في عموم المسلمين لأنه جرى شيطنتهم بوصفهم (شلة علمانية منحرفة هدفها محاربة الدين في نظر البسطاء)، ولربما فعلاً لا يأتي التحديث إلّا من رجال دين داخل المؤسسة الدينية نفسها (ككمال الحيدري عند الشيعة أو عدنان إبراهيم عند السنّة) لما لهم من حظوة وهيمنة دينية كارزماتية على عقول اتباعهم، إلّا أنني أخشى أن يكون التعويل على رجال الدين في "محاربة" منطقهم الديني المتحكم بالاتباع كالتعويل على الأعرج الذي يكسر عصاه وهو بحاجة أن يتوكأ عليها في مشيه.

عن المدى البغدادية