نحو استبعاد ألمانيا من صناعة السلاح الأوروبية بسبب عرقلتها صفقات للسعودية

قرار ألمانيا بوقف مبيعات السلاح إلى المملكة العربية السعودية يهدد مصالح الشركات الأوروبية بتعرض مشاريعهم المستقبلية للخطر.
إيرباص تستبعد مكونات ألمانية من بعض منتجاتها
القيود الألمانية على بيع السلاح للسعودية تؤثر على طلبيات كثيرة
ألمانيا تمثل أقل من 2 في المئة من مجمل الواردات السعودية من الأسلحة
صناعة الدفاع الأوروبية في خطر بسبب قرار برلين المنفرد

برلين - تمثل القيود التي فرضتها ألمانيا مؤخرا على صادرات الأسلحة مجازفة بأن تصبح برلين طرفا منبوذا في صناعة السلاح الأوروبية، الأمر الذي يهدد التعاون المستقبلي في تطوير الأسلحة بل وطموحات ألمانيا نفسها أن تتعهد بالرعاية صناعة سلاح أوروبية مشتركة.

وأدى قرار ألمانيا المنفرد بوقف كل شحنات العتاد العسكري للسعودية في نوفمبر الماضي بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي إلى دفع خلافات قديمة بين برلين وشركائها الأوروبيين حول قيود الأسلحة إلى نقطة الغليان.

وأثار القرار علامة استفهام حول طلبيات عسكرية بالمليارات من بينها صفقة قيمتها عشرة مليارات جنيه استرليني لبيع 48 مقاتلة من طراز "يوروفايتر تايفون" للرياض ودفع بعض الشركات مثل "إيرباص" إلى استبعاد مكونات ألمانية من بعض منتجاتها.

وفي ضوء تحذير شركة "بي.إيه.إي سيستمز" البريطانية للعتاد الدفاعي، وهي الشركة التي تقف وراء المقاتلة "يوروفايتر تايفون"، من أن الحظر الألماني سيؤثر سلبا على أدائها المالي تسابق لندن وباريس الزمن لإقناع برلين برفعه.

ويريد الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الشريك الأصغر في حكومة المستشارة أنجيلا ميركل، الحفاظ على حظر السلاح المفروض على السعودية والتوصل إلى اتفاق لوضع سياسة تصدير أكثر تقييدا إذ يحرص على تفادي خسائر أخرى من أصوات الناخبين الألمان الذين يتوخون الحرص فيما يتعلق بمبيعات السلاح.

وحرصا على تخفيف حدة الخلاف مع فرنسا وبريطانيا يتهم المحافظون الذين تنتمي إليهم ميركل الحزب الديمقراطي الاشتراكي بتعريض الصناعة والوظائف في ألمانيا للخطر، الأمر الذي يزيد الضغوط على الحزب.

ولم تحظر برلين رسميا الاتفاقات التي جرى التصديق عليها سابقا مع السعودية، لكنها حثت القطاع على الامتناع عن تسليم مثل تلك الأسلحة في الوقت الحالي.

لكن في ضوء حالة الشلل بسبب الخلافات السياسية الداخلية، أرجأت برلين يوم الجمعة البت في تمديد الحظر بعد انتهائه في التاسع من مارس الجاري حتى نهاية الشهر، الأمر الذي أثار قلقا بين الحلفاء الأوروبيين والصناعة.

وقال مسؤول بالصناعة الأوروبية "لا نرى سبيلا لحل المشكلة في الوقت الحالي. ثمة حالة من الجمود التام".

برلين لم تحظر رسميا الاتفاقات التي جرى التصديق عليها سابقا مع السعودية

وتمثل ألمانيا التي فرضت قيودا على مبيعات السلاح في السنوات الأخيرة ما يقل قليلا عن اثنين في المئة من مجمل الواردات السعودية من الأسلحة. غير أن دورها في تصنيع مكونات تدخل في صادرات دول أخرى يتيح لها إفساد مشروعات أوروبية مربحة.

فبالإضافة إلى عقد الطائرة "يوروفايتر تايفون" يعطل الحظر الألماني على مبيعات السلاح للسعودية شحنات من صواريخ جو/جو من طراز "ميتيور" التي تصنعها شركة "إم.بي.دي.إيه"، التي تشترك في ملكيتها "إيرباص" و"بي.إيه.إي سيستمز" وشركة "ليوناردو" الإيطالية، وذلك لأن نظام الدفع في الصواريخ ورؤوسها الحربية تصنع في ألمانيا.

وقال مصدران مطلعان على مناقشات الائتلاف إن الأطراف قد تتفق على رفع جزئي للحظر على عدد من زوارق الدورية التي تصنعها للسعودية شركة "لورسن" الخاصة وصواريخ "ميتيور". إلا أنه لم يتقرر شيء كما أن صفقة "يوروفايتر" ما زالت محل شك.

وقد صيغت اتفاقات تشمل المقاتلة "يوروفايتر" والصاروخ "ميتيور" بهدف منع أي دولة من فرض حظر للصادرات من جانب واحد غير أن هذه البنود وردت في مذكرات تفاهم لضمان السرية وليست في اتفاقيات ملزمة قانونيا.

وأدى تقاعس برلين عن الالتزام بهذه الاتفاقات وغياب التنسيق مع فرنسا في الحظر الذي فرض على مبيعات السلاح للسعودية إلى إقناع فرنسا بأنها بحاجة لاتفاق ملزم قبل المضي قدما في برامج السلاح المشتركة مع ألمانيا التي تقدر استثماراتها بعشرات المليارات خلال العقود المقبلة.

وصاغت باريس وبرلين مسودة وثيقة ثنائية تنص على أن أيا من البلدين لن يعرقل صادرات البلد الآخر إلا عندما تتعرض مصالح مباشرة أو الأمن الوطني للخطر.

غير أن مصدرين مطلعين قالا إن الخلافات في صفوف الائتلاف الحاكم في ألمانيا أدت إلى عدم إتمام هذه الوثيقة. ولم يتضح أيضا ما إذا كان الاتفاق الثنائي يحتاج لموافقة البرلمان الألماني.

لم يصدر الحزب الديمقراطي الاشتراكي تعليقا جديدا على القضية غير أن أندريا ناليس زعيمة الحزب قالت الشهر الماضي إنها ستصر على الاتفاق على توجيهات تفرض مزيدا من القيود على الصادرات الألمانية قبل الانتقال إلى موضوعات أخرى مثل العلاقات الدفاعية بين فرنسا وألمانيا.

وفي الأسبوع الماضي قال إيريك ترابييه الرئيس التنفيذي لشركة "داسو" الفرنسية التي تتولى تصنيع المقاتلة "رافال" إن الشركة تراقب الوضع عن كثب.

وقال للصحفيين "من الواضح أننا إذا كنا سنطلق برنامجا لمقاتلة فرنسية ألمانية فيتعين تحديد قواعد التصدير بأسرع ما يمكن".

وقال ديرك هوك رئيس "إيرباص" للصناعات الدفاعية والفضائية إن الاتفاق ضروري قبل أن يمكن للبلدين المضي قدما في خطة الطائرة الحربية الجديدة أو توقيع عقد كما هو متوقع بنهاية العام للعمل المشترك من أجل طائرة مسيرة أوروبية جديدة.

وأضاف "هذا سيضر بشراكة ألمانيا مع فرنسا في الأجل الأبعد إذا لم يتم التوصل لحلول جادة طويلة الأجل".

كما يعرقل الخلاف المساعي الألمانية والفرنسية لتحقيق مزيد من التكامل في المشتريات الدفاعية الأوروبية وبرامجها ومن ثم بناء جيش أوروبي في نهاية المطاف.

وتعد الصادرات حيوية لضمان نجاح أي برامج تطوير مشترك وذلك لأنها تجعلها أكثر اقتصادية.

وقال ماتياس فاختر المسؤول باتحاد الصناعة الألماني "سياسات التصدير الألمانية هي السبب الرئيسي وراء قرار فرنسا تطوير سلاح فرنسي ألماني مضاد للدبابات في السبعينيات".

وأضاف "نحن في الصناعة لدينا انطباع أن الحكومة الألمانية تصاب بالشلل عندما يتعلق الأمر بالمشتريات والصادرات العسكرية".

وسئل شتيفن زايبرت المتحدث باسم الحكومة الألمانية عما إذا كانت سياسة برلين تتسبب في عزلها عن أوروبا فقال "نحن ندرك أن هذه القضية تمثل موضوعا مهما لعدد من أهم حلفائنا وأن من المطلوب اتخاذ قرار. ولهذا السبب نجري نقاشات مكثفة داخل الحكومة الألمانية وسنتخذ قرارات في مارس".

ورغم أن وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير كان قد أكد في أكتوبر الماضي أن بلاده "توقفت منذ فترة طويلة عن شراء أسلحة من ألمانيا"، فإن مسألة التوفيق بين الآراء المختلفة في القيود على السلاح في أوروبا ليست بالقضية الجديدة.

فقد دعا اتفاق ديبر/شميت الفرنسي الألماني لعام 1972 إلى التشاور في صادرات السلاح بما يمنع طرفا من حظر صادرات الطرف الآخر. غير أن خلافات في المواقف العامة فرضت ضغوطا على هذا الحل الوسط بمرور الوقت وأدت سلسلة من المشروعات الجديدة إلى دعوات لإعادة النظر في الأمر.

والجديد هذه المرة هي تحركات الشركات للتخلص من الموردين الألمان.

ورغم أن من المستحيل تقريبا التخلص من المكونات الألمانية التي تمثل حوالي الثلث في المقاتلة "يوروفايتر" فقد بدأت شركة "إيرباص" إعادة تصميم طائرة النقل العسكرية "سي295" لإبدال مصابيح الملاحة الألمانية الصنع التي تمثل حوالي 4 في المئة من الطائرة، حسب ما قالته مصادر في الشركة الأسبوع الماضي.

وقال مصدر إن الشركة تتطلع أيضا إلى بدائل للمكونات الألمانية التي تمثل حوالي 15 في المئة من الطائرة الصهريج "إم.آر.تي.تي" التي ترتكز على الطائرة "إيه330" والتي باعتها الشركة لإثنتي عشرة دولة من بينها السعودية.

ويجري اتخاذ خطوات مماثلة في فرنسا حيث دفعت القيود الألمانية على صادرات السلاح لدول أخرى شركة بي.إم.إي نيكولا إندستري الأصغر إلى إعلان الاستغناء عن عشرات العاملين.

وتطور فرنسا أيضا صاروخا يخلف الصاروخ "ميلان" الموجه المضاد للدبابات الذي قامت بتصنيعه مع ألمانيا في السبعينيات، كما قالت مصادر إن شركة "أركوس" الفرنسية لصناعة الشاحنات بدأت تسويق شاحنة للتصدير إلى الشرق الأوسط "خالية من المكونات الألمانية".

واتهمت صحيفة "لا تريبيون" الفرنسية في يناير الماضي، ألمانيا بالنفاق بشأن مسألة بيع الأسلحة للسعودية، مؤكدة في مقال نشر حول الموضوع أن شركات الأسلحة الألمانية تواصل تزويد السعودية بالسلاح.

وقال توماس كلاين بروكهوف المستشار السابق للرئيس الألماني ومدير صندوق مارشال الألماني في برلين إن مصداقية ألمانيا واستقلالها معرضان للخطر.

وأضاف "عواقب سياسة التصدير الحالية في الأجل الطويل قد تتمثل في عدم وجود صناعة دفاعية في ألمانيا مستقبلا".

وتبين دراسة طلبت وزارة الاقتصاد الألمانية إجراءها أن عدد العاملين في الصناعات الدفاعية الألمانية 80 ألف عامل كما أن دخلها بلغ حوالي 25 مليار يورو في 2014 بالمقارنة مع مليون عامل و370 مليار يورو في قطاع صناعة السيارات الألمانية في ذلك العام.

وقال مصدر مطلع إن أي خطوات لإبدال المكونات الألمانية في نظم الأسلحة قد يستغرق تنفيذها عامين أو ثلاثة وربما فترة أطول. وأضاف "بمجرد الانتقال لإنتاج خال من المكونات الألمانية، فإن العودة ستستغرق سنوات".

ولا تزال صناعة الأقمار الصناعية الأميركية تشعر بوطأة تشديد قواعد التصدير الأميركية التي ساهم تنفيذها في ظهور أقمار بلا مكونات أميركية تنتج في أوروبا وكبد الشركات الأميركية مليارات الدولارات.