نذر حرب طويلة في ليبيا

معارك كرّ وفرّ لا تهدأ بين قوات الجيش الوطني الليبي وميليشيات مسلحة داعمة لحكومة الوفاق على مشارف العاصمة طرابلس.

طرفا القتال يتبادلان الادعاء بالسيطرة على معسكرات
الجيش الوطني الليبي يتجنب حرب الشوارع لتجنب سقوط ضحايا مدنيين
لا تقدم كبيرا على خط الجبهة الأمامي في طرابلس

نيويورك/طرابلس - قال ديان تريانسياه دجاني مندوب إندونيسيا في الأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي خلال الشهر الحالي، إن المجلس دعا اليوم الجمعة كل أطراف الصراع في ليبيا للالتزام بوقف لإطلاق النار والعودة إلى وساطة تقودها المنظمة الدولية، في الوقت الذي يبدو فيه انهاء الأزمة بعيد المنال مع استمرار ميليشيات مسلحة معظمها موالية للإخوان وتنظيم القاعدة في غرب البلاد في الحشد لحرب طويلة.

ونشر مقاتلون متحالفون مع الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة صورا ذاتية (سيلفي) من ثكنات في أحد أيام الشهر الماضي ليسجلوا تقدمهم في معركة من أجل السيطرة على طرابلس.

وفي وقت لاحق من ذلك اليوم التقطت قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة المشير خليفة حفتر صورة مماثلة من نفس الثكنات لإظهار أنها استعادتها.

وتبادل الجانبان السيطرة على معسكر اليرموك وهو ثكنة بجنوب طرابلس خمس مرات على الأقل منذ بداية أبريل/نيسان، وفقا لما أظهرته مقاطع فيديو على الإنترنت.

وتقول قوات حكومة الوفاق إنها تسيطر على اليرموك منذ أسبوع على الأقل لكن الوضع مائع. ويسلط تبادل السيطرة عليها الضوء على أن القتال قد يستمر شهورا كثيرة قادمة.

ومنذ الإطاحة بمعمر القذافي في 2011 تتنافس مناطق وقبائل وجماعات مسلحة على السيطرة على ليبيا وهي من كبار منتجي النفط والغاز.

وتمثل المعركة الأحدث للسيطرة على طرابلس، أكبر حشد لقوات متنافسة منذ ذلك الحين. ويتبادل الجيش الوطني الليبي وقوات حكومة الوفاق إطلاق النار كل يوم.

لكن الخط الأمامي لا يتحرك بدرجة كبيرة مع إبطاء قوات الجيش الوطني الليبي تقدمها حفاظا على أرواح المدنيين.

 ويسجل المقاتلون مقاطع فيديو لتوثيق التقدم قبل أن يخسروا الأراضي التي سيطروا عليها مرة أخرى بينما يتوقع محللون وسكان معركة طويلة.

وقال طارق المجريسي الباحث السياسي بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "يمكن أن تستمر هذه الحرب لفترة طويلة. لا يزال الجانبان واثقين ولديهم احتياطيات من الرجال والأصدقاء القادرين على إعادة تسليحهم".

حشد عسكري من الجانبين ينذر بقتال طويل
حشد عسكري من الجانبين ينذر بقتال طويل

وفي حين تتمتع قوات طرابلس بدعم الأمم المتحدة فإن حفتر يحظى بدعم من دول عربية وأجنبية. كما تبدي بعض الدول الغربية تعاطفا معه فقد تلقى دعما عسكريا من فرنسا التي ساعدته في حربه على الإرهاب بمدينة بنغازي بشرق ليبيا في 2017.

ونزح أكثر من 60 ألف شخص من طرابلس منذ بدء الهجوم في الرابع من أبريل/نيسان. تقول منظمة الصحة العالمية إن 443 شخصا قتلوا وأصيب 2110.

ويشير دبلوماسيون إلى أن الجيش الوطني الليبي لم يخض حتى الآن حرب مدن شاملة كما فعل في بنغازي من عام 2014 إلى 2017 حين قصفت المدفعية والطائرات إسلاميين متشددين تحصنوا بالمباني وهو ما سوى بالأرض أحياء بكاملها. وحمل الجيش الوطني الليبي المتشددين مسؤولية القصف العشوائي.

وجرت المعركة للسيطرة على بنغازي ثم درنة فيما بعد وهي مدينة أخرى بشرق ليبيا سيطرت عليها قوات الجيش الوطني الليبي.

وقال محمد الطرابلسي الذي يملك متجرا للحقائب قرب الخط الأمامي بمنطقة صلاح الدين "نسمع القصف كل يوم لكن الله أعلم بما سيحدث". ولا يتردد عليه الكثير من الزبائن حاليا. وأضاف "أتوقع أن يزداد الوضع سوءا".

واتهمت حكومة طرابلس الجيش الوطني الليبي بالقصف العشوائي. وينفي الجيش الوطني قصف مناطق سكنية.

وقال محمد دوري (26 عاما) وهو من سكان طرابلس "كنت مع حفتر لكن الآن لا"، مضيفا "أنا غير راض عن الفصائل المسلحة الموجودة هنا لكن لا يمكن أن تقصف مدينة ثم تحكمها".

ولجأ حفتر بدلا من ذلك إلى تعزيز هجومه بقوات وعتاد إضافي. وقال مصدر دبلوماسي إنه تم رصد قافلة تضم مركبات تستخدم في حرب المدن الأسبوع الماضي في جنوب طرابلس.

وتقول مصادر بالجيش الوطني الليبي إن لديه قوات أخرى في الشرق. ويبلغ قوام القوات الخاصة (الصاعقة) نحو 3500 فرد لكن بضع مئات فقط يتواجدون على الجبهة.

ميليشيات مصراتة تدعم قوات السراج
ميليشيات مصراتة تدعم قوات السراج

ويقول المجريسي المحلل بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إنه من السهل أن تتحرك الدبابات في شوارع اليرموك الواسعة، لكن انخفاض مبانيها يجعل من الصعب عليها أن تكون في وضع يمكنها من السيطرة.

والمباني السكنية الأعلى يتجاوز ارتفاعها آخر نقطة تفتيش على الخط الأمامي. لا يزال بها سكان لكن المتاجر لا تزال مفتوحة وإن كان عدد الزبائن قليل.

ومن الممكن أن تنشر قوات طرابلس قناصتها هناك لإبطاء أي محاولة من الجيش الوطني الليبي للتقدم إلى الشمال كما فعل آخرون في معارك سابقة بالعاصمة.

ويقول المجريسي إنه في حين أن قوات طرابلس قد تتمكن من الدفاع عن الشمال فسيكون من الصعب عليها إجبار الجيش الوطني الليبي على التراجع صوب الشرق.

ويقول من يدافعون عن طرابلس، إن لديهم الكثير من الذخيرة ولديهم إمدادات جديدة من عدة بلدات في الغرب.

وتقول مصادر إنه في ظل التنسيق المحدود بين المجموعات المختلفة فإن بعض القادة يحجمون عن نقل الشحنات خشية أن تبيعها أو تخزنها جماعات يحتمل أن تبدل ولاءها.

وفي سبتمبر/أيلول اقتتلت بعض الفصائل المسلحة التي تدافع الآن عن طرابلس لأسابيع بغية الحصول على أموال حكومية، لكنها تجاوزت خلافاتها لتتحد ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر.

وتُقلب هذه الميليشيات ولاءها حسب مصالحها وبحسب ما تحصل عليه من أموال وقد تنقلب على رئيس حكومة الوفاق فايز السراج في أي لحظة.

ويخشى المجريسي من انخراط المجموعات المختلفة في حرب لا يستطيع أحد حسمها. وقال "الفوز كلمة حاسمة في هذه الحالة... إنها تشير إلى النهاية على نحو ما".

وأضاف "الخوف الحقيقي على ليبيا هو أن تستمر الحرب وتتصاعد لأنه كلما استمرت القوى الخارجية في الدعم يموت المزيد من الليبيين من أجل قضيتهم وتصبح هذه الحرب أكثر استعصاء على الحل".