نشاط دبلوماسي فرنسي في المغرب لإعادة إطلاق التعاون الاقتصادي

لقاءات مكثفة لوزير التجارة الخارجية الفرنسي تشير إلى حجم اهتمام باريس بتعزيز التعاون الاقتصادي وعدم الاكتفاء بالتقارب السياسي.

الرباط - يبدأ فرانك ريستر وزير التجارة الخارجية الفرنسي، سلسلة زيارات إلى المغرب في إطار استئناف التعاون بين فرنسا والمغرب لتكون “بداية وفرصة حقيقية لإعادة إطلاق تعاونهما الاقتصادي والثقافي” بعد عدة أشهر من التوترات الشديدة، تحاول فرنسا طي صفحتها وتعزيز شراكاتها الاقتصادية مع المملكة.

ويلتقي ريستر خلال زيارته للرباط في الرابع من أبريل الجاري عددا من المسؤولين المغاربة ويجري محادثات ثنائية مع نظيره المغربي وزير الصناعة والتجارة رياض مزور، بالإضافة إلى الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، محسن جازولي.

ومن المرتقب أن يلتقي بغرفة التجارة والصناعة الفرنسية في المغرب التي تديرها كلوديا جاوديو-فرانسيسكو، بمقر سكن السفير الفرنسي كريستوف ليكورتييه، الذي كان مديرًا سابقًا لـ"بيزنس فرانس". وسيختم زيارته بلقاء مع عدد من رؤساء الشركات الكبرى في المغرب.

وتشير هذه اللقاءات المكثفة إلى حجم الاهتمام الفرنسي بتعزيز التعاون الاقتصادي وعدم الاكتفاء بالتقارب السياسي والذي بات جليا ويثير مخاوف دول إقليمية مثل الجزائر.

وكان وزير خارجية باريس ستيفان سيجورنيه ونظيره المغربي ناصر بوريطة، قد أعلنا عن اتفاق أولي حول زيارات ريستر في 26 فبراير/شباط الماضي وقد تحدث سيجورنيه عن الهاجس الاقتصادي المهيمِن في شراكة باريس-الرباط  بإشارته إلى “خطة طريق لبناء شراكة تمتد إلى الـ30 سنة المقبلة”، مُقرا بتقدم مسيرة التنمية بالمغرب؛ وهو دليل قوي على حضور “الهاجس الاقتصادي بمثابة مكون أساسي حاسم في عقيدة الدبلوماسية الفرنسية”.

وبحسب تصريحات سابقة لريستر فإن الطرفين سيستفيدان من العمل معا في مختلف المجالات المتاحة لتطوير الشراكات وفقا للخط التي يرسمه النموذج التنموي الجديد، وبشكل يتماشى أيضا مع خطة الانتعاش الفرنسية وخطة فرنسا 2030 التي قدمها الرئيس إيمانويل ماكرون والتي تعكس إمكانية نسج شراكات كبيرة وملموسة في القطاعات المكملة للقطاعات التقليدية.

ورغم كل ما شهدته العلاقات الدبلوماسية المغربية الفرنسية من توترات، إلا أن المبادلات التجارية بين البلدين وبحسب معطيات رسمية فرنسية، حققت أرقاما إيجابية في 2023، فبعد أن كان حجمها 13.4 مليار يورو، أي ما يعادل 147 مليار درهم سنة 2022، بلغت العام الفارط حوالي 14.1 مليار أورو، بنمو وصل إلى 5 في المائة.

وكشفت الإحصائيات أن مبيعات الصادرات المغربية بلغت حوالي 627.76 مليار درهم مقابل 596.03 مليار درهم قبل سنة، وهذا التطور الإيجابي مدفوع في الواقع بصادرات الخدمات التي ارتفعت في سنة واحدة، من 225.14 مليار درهم، إلى 260.6 مليار درهم، بزيادة قدرها 35.52 مليار درهم.

ومن المنتظر أن يحل وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي، برونو لومير في الرباط ليشارك في منتدى الأعمال بين البلدين والذي سيعقد في الفترة من 24 إلى 26 أبريل القادم ويضم رجال أعمال فرنسيين ومغاربة بهدف تعزيز التعاون في القطاع الخاص واستكشاف فرص الاستثمار.

وسيجري لومير الذي سيكون كذلك برفقة ريستر، لقاءا مع نادية فتاح وزيرة الاقتصاد والمالية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.

وكانت آخر زيارة لريبتسر للمغرب في نوفمبر 2021، والتي أكد خلالها رغبة بلاده في تطوير علاقاتها الاقتصادية مع المغرب، وخاصة استقبال “مزيد من المستثمرين المغاربة”.

وقال ريستر، في ندوة صحفية عقدت في إطار الزيارة التي يقوم بها للمملكة، “أؤكد على رغبة فرنسا في استقبال المزيد من المستثمرين المغاربة، خاصة وأنها تعتبر حاليا البلد الأكثر جاذبية في أوروبا من حيث الاستثمار”.

وأوضح آنذاك أن البلدين “تمكنا من إقامة شراكات رابح-رابح جد مثمرة في قطاعي السيارات والطيران، وسيكون من الحكمة الاهتمام بقطاعات أخرى، كالطاقات المتجددة، ولا سيما الطاقة الريحية والطاقة الشمسية أو الهيدروجينية، إضافة إلى قطاعات النقل والصناعات الغذائية، التي هي بالفعل موضوع مجموعة من الشراكات المثمرة”.

كما توقف ريستر، في ندوة صحفية عند موضوع النموذج التنموي الجديد، وشدد بهذا الخصوص على أهمية تناول مسألة دعم فرنسا لهذا النموذج وتنفيذه، مبرزا في أن باريس تتوفر أيضا على مشروع طموح، ولاسيما مخطط الانتعاش ومخطط فرنسا 2030. وأشار إلى وجود “عدد كبير من نقاط التلاقي” في استراتيجيتي البلدين، لاسيما ما يتعلق بأولوية تحييد الكربون في البلدين، والابتكار والبحث، والتكنولوجيا الحديثة، والأولوية المعطاة لدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة وإلى تطوير الشركات الناشئة، علاوة على الطموح المشترك والرغبة في الانتشار في إفريقيا.

ويفسح هذا “الاقتران” و“الانسجام” بين الاستراتيجيتين المجال للبلورة وتصور شراكات “محتملة”، مؤكدا على أن العلاقة بين البلدين يجب أن تكون “شاملة” سواء تعلق الأمر بالاستثمارات أو بالمبادلات التجارية والشراكات.