نصرالله يُخير خصوم حزب الله بين التعاون أو الفوضى

نتيجة الانتخابات ستجعل  تركيبة البرلمان مشتتة من دون أكثرية واضحة لأي طرف وهو أمر قد يعقّد إنجاز الاستحقاقات المقبلة الملحة من انتخاب رئيس جديد للبرلمان ورئيس للبلاد وحكومة جديدة وإصلاحات ملحة للخروج من الأزمة الاقتصادية.
انزلاق للعنف أو شلل سياسي طويل يتربص بلبنان
خصوم حزب الله لن يصوتوا على إعادة انتخاب بري رئيسا للبرلمان
حكومة نجيب ميقاتي قد تبقى لفترة طويلة كحكومة تصريف أعمال
جعجع وباسيل وفرنجية وقائد الجيش أسماء مرشحة لخلافة ميشال عون

بيروت - سلم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الأربعاء بخسارة الجماعة الشيعية وحلفائها الأغلبية البرلمانية، لكنه قال إنه لا يسع أي فريق أن يدعي أنه حازها وذلك في أول خطاب تلفزيوني له منذ الانتخابات البرلمانية التي أجريت يوم الأحد، دعا إلى "التعاون" بين الجماعات السياسية بما في ذلك الوافدون الجدد، قائلا إن البديل سيكون "الفوضى والفراغ"

وقال نصر الله "تركيبة المجلس الجديد الحالي هي أنه لا يوجد فريق سياسي اليوم في البلد خلافا لما كان عليه الحال في 2018... أن يدعي أن الأغلبية النيابية مع هذا الفريق أو مع ذاك الفريق".

وعلى الرغم من أن حزب القوات اللبنانية المسيحية الخصم الرئيسي لحزب الله يشكل أقلية في البرلمان الجديد، فقد فاز بمقاعد. وفاز مسلمون سنة يتشابهون معهم في التفكير أيضا بمقاعد إضافية فضلا عن عدد من المستقلين.

وتشكل النتائج ضربة لحزب الله رغم أن نصر الله وصفها بأنها "انتصار كبير جدا للمقاومة".

ينفتح المشهد العام في لبنان بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية وخسارة حزب الله وحلفائه للأغلبية البرلمانية، على احتمالين بما لا ثالث لهما، فإما شلل سياسي طويل أو انزلاق للعنف، فنتيجة الانتخابات ستجعل  تركيبة البرلمان مشتتة، من دون أكثرية واضحة لأي طرف وهو أمر قد يعقّد إنجاز الاستحقاقات المقبلة الملحة، وفق عدد من المحللين.

وخسر حزب الله وحلفاؤه الأكثرية في البرلمان، ما دفع خصومه إلى الاحتفال، لكن الحزب المدعوم من إيران يبقى القوة الأكثر نفوذا على الساحة السياسية ويمتلك ترسانة عسكرية ضخمة يقول إنها لمواجهة إسرائيل، لكن معارضيه يتهمونه باستخدامها "للترهيب" في الداخل وببناء "دولة ضمن الدولة".

وعلى الرغم من خسارته الأكثرية في مجلس النواب، احتفظ حزب الله وحليفته حركة أمل (أو ما يعرف بالثنائي الشيعي) بكامل المقاعد العائدة للطائفة الشيعية (27)، لكن حلفاء تقليديين بارزين له من بينهم من التيار الوطني الحر بزعامة الرئيس اللبناني ميشال عون، خسروا مقاعدهم، ما جعله غير قادر على تأمين 65 مقعدا من 128 هو عدد مقاعد مجلس النواب.

وحقق خصمه اللدود حزب القوات اللبنانية بعض التقدم في عدد المقاعد (18)، بينما كمنت المفاجأة في وصول 13 نائبا على الأقل من المعارضة المنبثقة عن الانتفاضة الشعبية ضد الطبقة السياسية بكاملها التي انطلقت في 2019.

وتقول مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز تشاتام هاوس لينا الخطيب "سيسعى الحرس القديم إلى تأكيد هيمنته السياسية في مواجهة التغييريين الذين دخلوا البرلمان للمرة الأولى".

وتبدأ ولاية المجلس الجديد في 22 مايو/ايار وسيكون أمامه مهلة 15 يوما لانتخاب رئيس له وهو منصب يشغله رئيس حركة أمل نبيه بري منذ العام 1992، ولا ينوي التنازل عنه رغم بلوغه الرابعة والثمانين.

وأعلن "التغييريون" والمعارضون الآخرون وبينهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أنهم لن ينتخبوا بري رئيسا للبرلمان، لكن قد لا يكون اعتراضهم مجديا كون كل النواب الشيعة ينتمون إلى حركة أمل وحزب الله أو ما يعرف بـ"الثنائي الشيعي"، وبالتالي، لن يكون لديهم مرشح بديل لتقديمه. ووفق اتفاق الطائف تعود رئاسة المجلس النيابي للشيعة في لبنان.

الانقسام الحاد يثير مخاوف من تكرّر حوادث العنف التي شهدتها الطيونة في 2021
الانقسام الحاد يثير مخاوف من تكرّر حوادث العنف التي شهدتها الطيونة في 2021

فهل تشكّل عملية انتخاب رئيس المجلس أول اختبار للمعارضين لمعرفة إلى أي مدى هم مستعدون للمخاطرة بتحدي حزب الله؟

وسارع الحزب إلى البدء بتوجيه رسائل إلى النواب المعارضين له فور ظهور نتيجة الانتخابات. وقال رئيس كتلة حزب الله النيابية محمّد رعد "نتقبّلكم خصوما في المجلس النيابي ولكن لن نتقبّلكم دروعا للإسرائيلي ومن وراء الإسرائيلي".

ويثير هذا الانقسام الحاد مخاوف من تكرّر حوادث العنف التي شهدتها منطقة الطيونة في بيروت في أكتوبر/تشرين الأول 2021 بين أنصار القوات اللبنانية وأنصار حزب الله وحركة أمل على خلفية تظاهرة احتجاجية.

وأشارت صحيفة "لوريان لوجور" اللبنانية الصادرة بالفرنسية الأربعاء إلى أن الغالبية التي كان يتمتع بها حزب الله في البرلمان خلال السنوات الأخيرة مكنته "من فرض قراراته من دون اللجوء إلى العنف وحماية خطوطه الحمراء".

ويقول الباحث دانيال ميير الذي يتخذ من فرنسا مقرا "هناك خطر حقيقي بحصول شلل تام"، مضيفا "الطرق المسدودة اختصاص لبناني".

وخلال ولاية البرلمان المنتهية ولايته الأخيرة، سنتان من أصل أربع كانتا بإشراف حكومة تصريف أعمال تملك قدرة محدودة على إنجاز أي شيء، فيما القوى التقليدية النافذة تسعى إلى التوافق على تركيبة حكومية تقوم على المحاصصة.

ويرأس نجيب ميقاتي حكومة يفترض أن تقدم استقالتها بعد بدء ولاية البرلمان الجديد، منذ سبتمبر/ايلول 2021 بعد فراغ استمر 13 شهرا. ويفترض أن الحكومة مؤلفة من وزراء تكنوقراط بمعظمهم، لكن تبين أن لكثيرين منهم مرجعية سياسية واضحة توجههم.

ويستبعد أن يشارك أي من المعارضين الجدد الذين ينتهجون خطابا جديدا عصريا بعيدا عن اللغة التقليدية للسياسيين اللبنانيين المتجذرين، في أي حكومة ائتلافية.

ويقول المحلل السياسي سامي نادر "هناك تغيير في ميزان القوى، لكن ذلك لن يترجم في برنامج تغييري لأنه على الرغم من كل شيء، يحتفظ حزب الله بقدرته على الفيتو".

وقد يجد ميقاتي نفسه في موقع من يدير حكومة تصريف أعمال إلى أن يحين موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية في نهاية هذه السنة.

وسيكون انتخاب الرئيس ليخلف ميشال عون (88 عاما) بدوره استحقاقا صعبا آخر على جدول أعمال المجلس النيابي.

ويتم التداول بعدة أسماء لخلافته بينها صهره جبران باسيل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والنائب والوزير السابق سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزف عون، لكن كل هذه أسماء لا تلقى إجماعا ويصعب أن تحصد أكثرية في مجلس النواب.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت جوزف باحوط "سنشهد على الأرجح فترة طويلة من الشلل داخل البرلمان"، مشيرا إلى أن الأزمات يمكن أن تؤخر الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي في مقابل تقديم مساعدة ملحة إلى لبنان الذي يعاني من أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ أكثر من سنتين.