'نصوص مهربة' تنتمي الى صنف القصّة الومضة

مجموعة قصصية للكاتب التونسي يونس السلطاني تتطرق الى العلاقات داخل العائلة وغلاء المعيشة وانتشار الفقر وظاهرة الإرهاب، وتصف المشهد التونسي خلال العشرية الأخيرة الذي اتسم بالسواد وما طغى عليه من ظلم ونفاق سياسي.

ضمن الأنشطة الثقافية الادبية  لبيت الرواية  بمدينة الثقافة في تونس ووفق برنامج "توقيعات راعي النجوم" تابع جمهور الأدب والثقافة وأحباء السرد لقاء توقيع مجموعة "نصوص مهربة" للقاصّ يونس السلطاني بفضاء مكتبة البشير خريّف.
بداية اللقاء كانت مع الكاتب محمد الحباشة مدير البرمجة ببيت الرواية الذي قدم لمحة عن المواعيد القادمة لبيت الرواية ومنها تظاهرة "يوم زغبانيا" تكريما لروح الروائي الراحل كمال الزغباني قبل ان يفسح المجال للكاتب ومدير البيت الاسعد بن حسين لتقديم ضيفه .
"أعتبر ان مداخلتي ستكون شهادة في حق الصديق اكثر منها دراسة وتحليل للمجموعة القصصية الخاصة بالقاص ورئيس تحرير مجلّة الحياة الثقافية يونس السلطاني الذي نجح في خلق جنس أدبي غير معروف وهو القصّة القصيرة جدا او القصّة الومضة" بهذه الكلمات قدّم الاسعد بن حسين مدير بيت الرواية القاّص يونس السلطاني ومجموعته القصصية الجديدة "نصوص مهرّبة" الصادرة مؤخرا عن دار مياّرة للنشر.
واعتبرها مجموعة تعرّي واقع الحياة في تونس خاصّة في العشرية الأخيرة بشكل برقي خاطف راوح فيها بين النقد والسخرية السوداء معتبرا انها من أصعب الاجناس الأدبية اذ ليس من السهل تلخيص المشهد التونسي المتأزم بكلمات معدودة في بضعة اسطر.
وأعرب القاصّ يونس السلطاني عن فخره بتقديم آخر اصداراته "نصوص مهرّبة" لأول مرة في بيت الرواية وهي مجموعته القصصية الثالثة التي تضّم 103 قصّة قصيرة جدا حاول من خلالها وصف المشهد التونسي خلال العشرية الأخيرة التي اتسّمت بالسواد وما طغى عليها من ظلم ونفاق سياسي وغياب للضمير وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العاّمة .
وأضاف السلطاني انه حاول من خلال هذه المجموعة انتقاد الواقع اليومي خلال الفترة الماضية من خلال طرحه لمجموعة من القضايا منها العلاقات داخل العائلة، غلاء المعيشة، تفشي الفقر وظاهرة الإرهاب من خلال اعتماد أسلوب التكثيف والرمزية والايحاء.
ولفت انتباه العمل القصصي اهتمام الكتاب والنقاد حيث تم التطرق اليه من خلال دراسات نقدية ومنها بالخصوص ما كتبه الشاعر منذر العيني بعنوان "نصوص مهرّبة أو "حذر القصّ": كيف للمعيار أن يتلاءم مع تظاهر جديد للسّرد في أدائه القصصي حيث يمكن للفواعل أن تقف بيّنةً بين الثنايا والأوصاف بتعبئة وظيفيّة هي من أعلت قابليّة التخييل عند المنشئ والقارئ على حدّ السّواء حتّى تُؤطَّرَ الحركة وينسجمَ الحال بين دافعيّة الجملة في ثنائيتها الفعليّة والإسميّة أعمالا متنوعة ضيقة موسعة في آن.
"نصوصٌ مهرّية" عتبةُ اقتضاءٍ لذيذ يغري بالمتابعة. نصوص المسكوت عنه المعلوم والمخفيّ المبسوط والمنثني في ازدواج نادر محفوف بالانفجار أو عالم الكاميرا تلتقطه في شعاب الأقاصيص الصحفيّة أو حتّى الروائية المليئة بالتّفاصيل.
تفصيل واحد يكفي لإنارة العوارض من اختزالٍ استعاري جامعٍ أو في لقطة مهرّبة تُشيع عارا ينفلت من جيوب الحالة.

نصوصٌ مهرّية عتبةُ اقتضاءٍ لذيذ يغري بالمتابعة... نصوص المسكوت عنه المعلوم والمخفيّ..

و"نصوصٌ مهرّبةٌ" مجموعة قصصيّةٌ "قصيرةٌ جدّا" كما وسمها منشئها الكاتب يونس السلطاني وهو من الذّين يعملون في الحقل الثقافي. عضو في اتحاد الكتاب التونسيين كانت له جملة من المتابعات والمقالات الصحفيّة ضمن لقاءات ثقافيّة أدبيّة متنوعة. 
وهو يشغل الآن رئيس تحرير مجلّة الحياة الثقافيّة وقد صدر له "نحو ضفّة أخرى" و"الممضي...حضرة زماني.
هذه المجموعة تضمنّت مائة وثلاث قصّة قصيرة جدّا اِرتأى فيها صاحبها الهروب عن المعتاد من الإنشاء القصصي المتداول بالضغط على المادة الإخباريّة الحكائيّة لتختصر متناميات حركيّة مقتضبة كثّفت حالة الوقوف حول مواقف متداعية وصّفت شخصياتٍ ورؤًى ميّزت الواقع الاجتماعي الّذي نعيشه لتؤرّخ في الآخر شخصيّة التونسي الأحادي والثنائي والثلاثي المتعدّد والمختزل في تعاطيه اليوميّ مع العالم والمتحرّكات في لعب أشبه بتصريف الأحاجي أو تحرير الخبر الصحفي إنكارا وإضمارا. 
ومن خلاله وُجّهت بوصلة القصّ إلى نثريّة مقتضبةٍ مُنْفَجِرة مُنْفَرِجةٍ تُحتّم التأويل والتبئير في آن.
نصوص قصيرةٌ طويلة المعاني تفضي إلى التصوّر والاحتمال الواقعي رفّعت من شأن التقبّل معيشا نحياهُ في بيئتنا التونسيّة نراهُ ونكادُ نخبرُ عنه وهاهو السلطاني يتولاّه بأداتهِ الإنشائيّة يسترق النظر إلى القريب من الحدث والحديث. من النصوص التلوسترويّة وهي تتردّ في انزياحاته مبعثا رافدا في حيلته الكتابيّة. أو من ضربات "سهرت منه اللّيالي" أو من "تعويجات" في "بلاد الطرننّي" أو "بودودة مات" في سخريتها المبكية... وهو يقصّ ويجذب الخيوط الملوّنه من التوصيف والتحليل حتّى يصل إلى حكاية بيضاء سوداء سوداء بيضاء بكلّ تجريدٍ عار إلاّ من "الرّسميّ"من الأفعال والحركات في نحت جسد شجرته الإخباريّة الحكائيّة.
 وفي الآن نفسه يُبعد بإمعانه في الطّلب والإنكار في مناورة ختاميّة مضيئة أمام المتقبّل. فهل نتقبّله هل نلغيه هل نتّفق معه هل نستسيغ إرادته في فنّ هذا القول؟

اصدار جديد لكاتب يعمل على التعاطي سرديا مع فعل الكتابة وفق رؤية و دأب وخصوصية ليحيل الى المحصلة ..الى أن الكتابة فعل حياة

اِمتحان سردي صعب يهرّبه خلسةَ آذان القصّ العادي. ليس له الوقت أن يبذّر سواده بين التسلسل والإفاضة. حسبه الرّصد وحسب متتبّعه أن يناوبه بعد الوقف. والفضاء رغم اتّساعه يريده حسب الحاجة والتّسارع لجوءا تحت جنح ظلام الكلام في إرساله البياني الاحتمالي المتوقّع إذ يلعب في الذّهن بسيطا يؤدّي إلى تعقيدات جارحة تقع على الحرام والمنكر.
اختيارٌ ضيّق في مساحة مسموحٍ لها أن تؤدّي جميع وظائفها في فواعل عاديّة تأتمر بأوامر العين العالمة غير أنّ المنشئ سارقٌ يريد الإطاحة بالضّوء لتوفير الظّلمة سرعةً في التحبير جبرا رياضيا مدروسا ليعبر في خفية من المكان والزّمان ويمرّ دون ضجيج خبرا صحفيّا حول مشاغل إدارةٍ أنهكتها البيروقراطيّة أو مشاغب تونسيّة متفرّقة أتعبها على السّطح تشنجّ الإنشاء وحذر الكتابة.
التّهريب حينئذ تيمة حكّاءةٌ تريد بشيء من التّواضع تتكِّئ على التكثيف والاختصار حتّى لا"يشلق" حراس المعبد بالمكنون من هذا القبض.
 والحكاية حكاية رجل شجاع يتلف ذكاء الآخرين لينفذ بذكائه وهو يحدّ من روعنا كي نكشف أمره بجمل إخباريّة صحفيّة جافّة بينما المعنى في رؤوسنا يغلي على مهل. مجتمع نعرفه ويعرفنا والضحيّة إمكانات تجسيديّة واضحة في خطوط حياتنا.
"نصوص مهرّبة" أو حذر القصّ نشرع في تلبية أداء البنية تحليلا محايثا لغرض الكتابة السرديّة في شدّ هذا القارئ الّذي بدأ يسأم الإطالة والغرق في لا متناهيات من الأوصاف والأدران.
نموذج نمررّه على حين غفلة في ظلّ انتباه مشبوه نتقرّب به من المحاولة والكشف حتّى نعاين مكابح الإنشاء عند يونس وهو يغصر ويعصر أحداثه في "حكّوتة" تنزلق بين الأصابع أمام الملإ حتّى تتهرّب من مقتضيات المحاكمة والمرافعات المعتادة.
خدعة 
عز الدّين أحد الجيران بارع التمويه..له قدرة فائقة على ثني ساقيه.. دأب لفترة طويلة على ركوب الحافلة مجانا.. اليوم عند نقطة مراقبة طُلبَ منه الاستظهار ببطاقة إعاقته.. أطلق ساقيه للرّيح.
البدء أخبارٌ تنزع إلى المشافهة غير أنّ التمكين التأويليّ يحيلها في باب يشرّعه القارئ ليقرأ حالة مغيّبة حافزة في آن.
 فيسطع ضوء معنويّ يجيز اختبارا إخباريا نلحظه في واقع الأحداث.
المهرّب المنشئ إذن يصحّح الواقع يفضحه حيثما تكمن لذّة مهرّبة مضحكة وهزليّة في ليالي الثورة العمياء في توقيت صعب ضيّق هو هذا البياض الضّاغط. لا يريد الإطالة لا يريد الإفاضة يريد فقط الإنارة ولكم سبيل التقفّي.
حوادث شخصيّة أو عامّة في قالبها الإنكاري في عناوينها المفردة (مكاشفة-تواطؤ-كرتونة-إيثار.....) تؤطّر ضرورة الكتابة بضمير الغائب جمعًا يعرّف بعضه البعض ولا يبادل الاتّهام لأحد حضورا متكرّرا ووجها محاورا في آن.
نصوص معلّبة بإحكام يكمن ضياؤها في ظلمتها و"الفاهم يفهم" ولا مناص من المجادلة بينه وبين نفسه تثير الرّيبة منذ الإنشاء وتفضحها عند القراءة والاستقراء.
حكيم السّلطاني تتواتر عنده العناوين ليعلو المدّ بالمحرّمات والخطايا والمزالق والفخاخ في منهج وجوديّ فاضح أراده سبيلا للقصّ الرّمزي "الرّيالي" والسّريالي على حدّ سواء في نشاط تونسيّ أعلى من شأنها تأريخا آخر لما بعد ثورةٍ أو غورةٍ أطاحت بالمنظومة وأرستها في آن.

هروب عن المعتاد من الإنشاء القصصي المتداول
هروب عن المعتاد من الإنشاء القصصي المتداول

إذ كيف للإنشاء السّردي أن يتهرّب من إنشائه من سحنته المعهودة من طول مسعاه من أقواله خطاباته من حواراته من ذائقة قديمة تتذرّع بالإيضاح؟ نوع آخر من التهريب أملاه تثوير داخليّ في برنامج الرّجل مع مرآته أو مع جداوله التّخييليّة.
 المختصر المفيد هذا ما سعى إليه السلطاني وهو يحكم مجذاف القصّ يجترع مرارات النهايات المفتوحة نعلمها ونجهله ونكاد نستهزئ بها غير أن مخرجها يتجاسر أيضا بالوقوف على ردودنا انفعالا بانفعال في كفاية من الأخبار توصلنا إلى حجم مضغوط مضبوط ينفجر تحت طائلة الانحسار مساره ينتهي أحيانا قبل بدايته. 
والعالم هو القارئ في حذر دؤوب عند الملامسة لحالة الكتابة وهي تنسحب تحت أضواءٍ استعارية خافتة مجاورة عالية تعود إلى الحدث المنشِئ أمرا مستعجلا دائما.
 هكذا هو التهريب ليس هروبا مجانيّا هو مختبر للخديعة للتلفّظ بحساب وظيفته: الإخبار وتأويله البيان في مجازات مصوِّبةٍ لرؤية العالم التونسي واقعا كاريكاتوريا يغري بالابتسامة. 
"نصوص مهرّبة" قصص حذر جارح مادّته حكايات الكائن الوجوديّ يتلصّص على تلك الأضواء المنبعثة من هنا من هناك من هامشنا المركزي بينما الإنشاء تفقّدٌ مبرمٌ مع الإسراع والتسارع حيث الأداء ختام متفاعل مع جدوى التّفكير والتتبع والإنصات.".
اصدار جديد لكاتب يعمل على التعاطي سرديا مع فعل الكتابة وفق رؤية و دأب وخصوصية ليحيل الى المحصلة.. الى أن الكتابة فعل حياة.