نصير شمة يحمل جمهور مهرجان العود بتونس إلى عالم أرحب

الفنان العراقي يصنع ليلة إمتاع ومؤانسة في اختتام فعاليات الدورة الثالثة للمهرجان الدولي للعود بمدينة الثقافة.

تونس - صنع الفنان العراقي نصير شمة ليلة الإمتاع والمؤانسة في اختتام فعاليات الدورة الثالثة للمهرجان الدولي للعود بمدينة الثقافة، وانفرد بأوتاره، وتفرّد في العزف لتنثر أنفاس العود سحر الوتر، وتحاكي الشجن تارة، والمرح طورا بين أنامل عازفها.

قدم نصير شمة في عرضه طقوسا موسيقية ابتعدت بالجمهور الذي جاء بحثا عن عزف فريد، عن العزف المعتاد وسلطة المنوال، فالحضور كانوا على موعد مع حديث الأوتار، ووشائج الألفة بين آلة العود وعازفها إلى حد الذوبان بين ثنايا توليفة فريدة للمقامات والأشجان، وإيقاعات الزمن الجميل، خاطب عبرها العراقي نصير الحضور لتنبع خواطر وترية استقام معها "زرياب الصغير"، بعزفه، مددا يحمل المنصت إلى عالم أرحب، ويسافر به في الآن نفسه إلى حيث جوهر الروح وسواكن الباطن، وإيقاع الحياة البهيج، فروعة الأداء، هو ومن صاحبه من الموسيقيين، قد تجلت في معزوفات تستحضر نفحات الشجن الفيروزية والأغاني التي تتراقص مرحا وتراقص الجمهور الحاضر.

قطف شمّة من كل هويّة موسيقية وجمعها في حديقة "قطاف"، و"غدا اجمل"، من "بنت الشلبية" إلى "ماحبيتش وعمري ما نحب"، ومن يا قدس إلى "يا مالي الشام" و"رايحة لبيت ابوها" و"لاموني غاروا مني"، وصولا إلى معزوفة "هلال" ومقام "عكمر"، حيث حركة العزف تقفز بين الطي والبطء.

وأتقن الفنان في كل هذا، الانتقال من الشجن إلى المرح، ومن الانفراد بالركح إلى مشاركة الجمهور نسق العزف المتوثب عبر معزوفات تنساب وتسترسل، وتعلو وتتداعى لتصبح كالهمس في اذن المنصت وتداعب حسه الفني ووجدانه الموسيقي، وهي تنبع إبداعا وخلقا لا ينضب بين أنامل نصير شمة الذي انعكف على آلته، واعتكف في محراب موسيقاه ليضحى العرض صلوات في فلك العزف الشجي، الرائق، المتصاعد، المهرول، الحالم، فهو بدا ذلك الفنان الذي ينصاع له العود ليضحى بعضا منه ويصنع معه فلكا فنيا فريدا في كنف الأوتار، يأخذك نحو عوالم فنية متفردة تنتفي معها المسافات بين الروح والراح، فالسهرة كانت بمثابة عرض وتر العود وعودة الروح وانشراح النفوس، وكأنّ العود معه ظليل الشجن كما الفرح، وظلّ الروح وإيقاع الحياة، ليرتشف الجمهور نكهة أوتار تروي ظمأه لمعنى الفن، وسحر العزف.

العود كان سيد المكان، يسري بأوتاره بين تفاصيل قسمات وجه عازفه، وينساب بين أنامله ومنمنماته الموسيقية لتتزاحم عبرات الترح والمرح، فيصنع بينهما خصوصية اللحظة الموسيقية التي يغيب عبرها نصير شمة عن الحضور في عوالمه الوجودية، تعكسها تعبيرات وجهه والهالة الطقوسية التي يغرق فيها ويجذب إليها منصتيه.

وحين قطع العزف على آلة العود، فقط ليغازلها وسط العرض بكلمات تستحضر أمجادها منذ أكثر من 4000 سنة، ويروي للحضور قصة معشوقته الأبدية زمن الأيام الخوالي، ويذكر لهم بأن آلة العود تاريخ وحضارة وموروث قد ظلت في مأمن من عوادي الأيام، حضرت في دور العبادة في بابل، ومع الجيوش والشعراء، وفي مجالس الغناء، وولع بها العلماء من الكندي والفرابي وابن سينا، إلى الشعوب التي تسكن اليوم جغرافيا العالم العربي.

نصير شمة يظل تلك التركيبة الموسيقية الفريدة التي جعلت من العود كائنا حيا يتفاعل مع أنامل عازفه السحرية، فهو من أضاف الوتر الثامن وتفرّد في العزف انطلاقا من مقطوعته الموسيقية "قصة حب شرقي"، هو عصفور الشرق، من الشرق حلّق وأبدع وتفرّد وصاغ لنفسه رؤية موسيقية تجاوز بها المألوف وسافر من خلالها نحو الأفق الفني الأرحب.

ووفقا لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، فإن لجنة التحكيم كشفت إثر الحفل عن الفائزين في مسابقة العزف ومنحت الجائزة الأولى للعازفة زينب التريكي من معهد الكندي للموسيقى.

وتضمن برنامج الدورة الثالثة للمهرجان الذي حقق إقبالا مكثفا في دوراته السابقة ونجح في خلق أجواء للتبادل الثقافي بين محبي وعازفي العود من تونس وخارجها، عرضا للفنان التونسي محمد علي شبيل، فيما قدم الفنانان شربل روحانا وإيلي الخوري عرضا من لبنان، وعرضا للفنان رضا الشمك من تونس، وصولا إلى عرض الختام الذي كان مع الفنان العراقي نصير شمه بمدينة الثقافة.